إضاءة إنطباعية عن إصدار نصوص (فَرَاش دافىء ) للكاتبة ياسمين الصيرفي

 بقلم: الأديبة عنان رضا المحروس 

كلنا نعلم أن الإضاءة تعني تسليط الضوء ، لكني أود الإشارة إلى معنى إنطباع ( والانطباعية مدرسة بحد ذاتها وموجودة منذ القرن التاسع عشر )
الانطباع هو فهم أولي للمؤثرات الخارجية حولنا، إن كانت لوحةً أو نصًا مقروءًا ، وتشكل صورة ذهنية لما قرأناه لأول مرة، ومن ثمّ نكتب ما وجدناه ولامسنّا، إن كان سلبًا أو إيجابًا.

ونعود إلى الإصدار
اسم أي إصدار شعري أو نثري ، على الأغلب، يكون أحد عناوين النصوص الموجودة داخل الكتاب، لكن في إصدار ياسمين، لايوجد نص معنون بفَرَاش دافىء، وإنّما فكرة الفراشة وذاكرتها موجودة في معظم النصوص، وأيضًا تكررت هذه الجملة الإسمية، مع اختلاف حركة حرفين فقط، في خاطرة البادىء بالدفء
( من المسؤول عن الفراش الدافىء ، والنوم الهادىء خاصتي)
واحترت هنا كيف أقرأها ، ويبقى الأمر مجازًا أو رمزًا تعنيه الكاتبة.

الكثير من العاطفة ، الوافر من الحب في نصوص ياسمين ، وبالمقابل هناك الأكثر من الحزن والموت والتساؤلات المقلقة…
لماذا يبكي الطفل الرضيع/ القاتل الصامت/ حكم مؤبد/ الحزن العميق/ هنيئًا لك بموتي/
مقطوعات تؤكد فيها ياسمين ، قوة سلطة الألم، رغم ألق النص ، وهذا لايقلل من قيمته، بل العكس ، من الممكن أن تترك الكاتبة إرثًا فكريًا إيجابيًا ، يتمثل في عبرة أو نصيحة.
في هذا السياق نذكر الكثير من الكتّاب والمفكرين، الذين غلب عليهم الحزن ، مثل الفيلسوف اليوناني سقراط، والفرنسية ماري دو ديفان ، وهي من كتّاب القرن الثامن عشر ، وأيضًا مصطفى لطفى المنفلوطي، حيث أسهب في وصف المعاناة ، أكثر مما كتب عن السعادة.
والحزن جميل ، يجعلنا نخط مشاعرنا بشكل أجمل، وبروحٍ جاذبة وجذابة.

للفرَاش عيون كبيرة ، لذلك بصرها وبصيرتها متقدّة ، تميّز الأشياء والرؤى، وتتقن فن التقاط المشاعر.
فراشتنا أيضًا تنشط في الربيع، وتنجذب إلى النور ، ويطيب لها التنوع في العطر وبين الورود، لذلك كان الإصدار منوّعًا ، يحوي الكثير من أجناس النثر ، بدا لي أحيانًا كقصة أو خاطرة، أو نصًا نثريًا شعريًا متناغمًا، بموسيقى داخلية تارة، أو بالسجع تارة أخرى.
الكثير مما قرأت في إصدار ياسمين الصيرفي، يوازي معتقدات قديمة وحديثة عند الكثيرين، فيقولون مثلًا، أنهم رأوا فراشات تتواصل معهم بعد موت عزيز، أوعزوا الأمر لروح غادرت، والفرَاشة أيضًا رمز البعث والقيامة ، وفي الأحلام هي رسالة لتغيير المسار، والتحول نحو الأفضل، ملاك حارس، ورمز للحرية والإبداع.
رسل روحية مهمة، وللمتلقي التأويل.

في علم النفس ، الفراشة ترمز إلى تغيرات صغيرة في عالم معقد ، قد تؤدي إلى تأثيرات كبيرة وغير متوقعة على المدى البعيد، مفهوم يستند إلى ” نظرية الفوضى ونظرية النظم المعقدة ”
هي وصف للسلوك العام والتفاعلات البشرية، والتغييرات البيئية، التي تؤثر على النتائج القادمة، وهذا ما نراه جليّا في نصوص ياسمين المتنوعة والجاذبة بعناوينها، ولأن فعلًا ، حبّ البلاغة هوس، اطمئني ياسمين، لن يتم تشخيصك بواحد من أعداد هائلة، تحتل رفوف المكاتب ، في العيادات النفسية، بل بجدك واجتهادك ومثابرتكِ، ستكونين نجمة في عالم الكلمة، وأجزم بذلك، خاصة بعد أن قرأت روايتك السابقة ( فرق توقيت ) ، و وجدتُ نصًا معنونًا بنفس العنوان ، في كتابك ” فراش دافىء” والذي يحتوي على نصوص قاربت الستين.

لكِ ياسمين، و للفَرَاش طقوس سحرية، ترقص كجنيات خير في النور ، وذاكرة الفراشة في جعبة مسرح أفكارك، ربما جعلتك لاتنامين، لكنها أوصدت على عقلك أفكارًا نشطة، أنتجت نصوصًا بهيّة، لم أقرأ مثلها منذ زمن طويل، حيث تجلّت الإنسانية والتأمل بالواقع المفروض من:
أمومة، وحدة، حنين، حق العودة إلى ما نشتاق، حيرة وتخبط بين المرغوب والمرفوض.
فياسمين حالمة، تتجمل بالأمل ، وتفكر على ضوء الشموع ، لتبتهل إلى ما تفتقد بلهفة.

تجيد الكاتبة اللعب على أوتار الحرف من اقتباس وتشبيهات، حروفها كما عنوان إصدارها، يحلّق عاليًا متعطشًا، لشلال من النجاحات بإذن الله.

طوبى لوالدتك إنجاب فتاة شاعرة مثلك…
وطوبى لوالدك الذي أحسن تنشئتك على مائدة الكلمة، ليتفتح ماردا النثر والشعر في قلبك.

“فَراش دافىء” إصدار نادر من الإصدارات الكثيرة التي أصبحنا نراها يوميًا بغزارة، في هذا الزمن المُتعِب المتعَب لغويًا، من كل النواحي وخاصة النحوية

إصدار يستحق القراءة ، فكل أمنيات التوفيق ، ومبارك لصاحبته

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!