إضاءة على رواية البطشة الكبرى

تقديم لرواية (البطشة الكبرى) للكاتب والباحث (نصر عبدالله عثمان المقداد)

بقلم الروائي – محمد فتحي المقداد

في زمن الانحدار الحضاريّ غالبًا ما تتّجه الأنظار والرُّؤى عوْدًا على بدء إلى الزّمن الغابر؛ للتغنّي بسالف الأمجاد والانتصارات، بمغادرة أرض الواقع ذهابًا إلى دائرة (كان)، بدل معالجة الواقع للخروج برؤية تزاوجيّة بين الماضي والحاضر، لتكون جسر عُبور للمستقبل.
وفي مثل هذه الأوقات ما تتعلّق الأنظار الملهوفة إلى مجيء البطل المُخلّص، أو حصول معجزة تكسر قالب العجز في الفعل الحضاريّ، وإذا حقّ لنا وصف ذلك بالهروب إلى الأمام؛ لتجاوز عنُق الزّجاجة، أو ربّما بدفن الرأس في الرّمال والتّعامي عن معالجة ذلك برؤية للخروج من المأزق.
وبالتوقّف على حالة الأستاذ (نصر عبدالله المقداد) الباحث في قضايا إسلاميّة مهتمّة بقضايا الأمّة، فقد أصدر بحثيْن فكريّيْن مطبوعين، جاءا على درجة من الأهميّة بتطبيقاتهما على الواقع، وهما (الخلافة المقدسيّة) و(الفتن في القرآن الكريم). وله العديد من الأبحاث المخطوطة في مجال الفتن والملاحم.
وجاء عمله الروائيّ(البطشة الكُبرى) والمأخوذ عن الآية الكريمة: (يومَ نبطشُ البطشةَ الكُبرى، إنّا مُنَتقِمُون). ويأتي هذا العنوان ليكون عتبة الرواية بدلالته القويّة الظّاهرة والخفيّة، ليضع القارئ في دائرة القدرة الإلهيّة التي تتجاوز الزّمان والمكان، وقدرات العقل على التخيّل.
تعتبر الرواية قفزة نوعيّة باستشراف وقراءة المستقبل، بعين ثاقبة دارِيَةٍ بما سيكون عليه، وهذا الحدس المُتولّد عن الذّات الواعية، المُكلّلة بالقراءات والدراسات البحثيّة، التي أفسحت المجال لاتّساع الرّؤية ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، وعمل تسوية سرديّة من خلال حدث روائيٍّ استوعب ما ذهب إليه الباحث (نصر المقداد) من تسوية تقاربيّة ما بين أقانيم الزّمن.
في البداية نوّه المؤلّف، إلى أنّ: (جميع شخصيّات الفصلين الأخيرين، هي شخصيّات حقيقيّة، أمّا بطل الرّواية، والأبطال الثانويّين فهم شخصيّات مزيج بين الواقع وخيال المؤلّف). ولكي لا يتركنا في حيرة التّخمين، فقد فتح لنا الباب المُوارب على مِصراعيْه، ليخبرنا بحقيقة الأمر.
يعني ذلك أنّ الرواية تُصنّف أدبيًّا ما بين المدرسة الواقعيّة والخياليّة، من خلال الخلطة الروائيّة المشوقة لمتابعة القراءة، باستقراء دقيق مُتقن مُركّز على إعادة دراسة وتأويل الأحاديث النبويّة الشّريفة، استنادًا على توافقاتها مع بعض الآيات الكريمة، وعمل إسقاطات تاريخيّة لصنع تقاطعات من المعلومات التي تشّكل سدى ولُحمة رواية (البطشة الكُبرى).
وفي قول مُقتبس من كتاب (سكوفيلد- النبوءة والسياسة) في مقدمة المؤلّف: (عامًا بعد عامٍ، سوف يصل عالمنا إلى نهايته بكارثة ودمار، ومأساة عالميّة نهائيّة). فكانت النتيجة حسب نظرة الباحث والرّوائي (نصر المقداد) أنّ: (مُصارع القدر مغلوب)، (انقطاع الزّمان)، و (حَدَثَ غدًا). ويُخبرنا بأن بطل الرّواية (مُهاجر)، والاسم دالّ على الهجرة والاغتراب عن الأهل والوطن في سبيل نصرة الحقّ، ومحاربة الباطل.
(لذا يرفض (مُهاجر) أن يُصرّح من أيّ بلد هو. أو من أيّ مدينة أو قرية، فلم يعُد لتحديد ذلك أدنى أهميّة تُذكر؛ فالمصير واحد، والنّهايات واحدة، وسُنن الله في الكون لا تُحابى ولا تُجامَل، ومهما تعدّدت الأسماء الجيوسياسيّة للأوطان المُعلنة فلن يتغيّر القَدَر المكتوب).
(نعم، نحن نعيش الآن في مرحلة “انقطاع من الزّمان”، هكذا يحلو لـ”مُهاجر” تسمية هذا الزّمن، الذي أطبقه عليه بعد أن مرّ بتجارب صقلت معارفه، ووسّعت مداركه، حتّى أصبح يرى الغد بعيون الحاضر، وإذا حدّث عنه فإنّه يقول بيقين: “حدَثَ عدًا”، وكأنّه أوتي فراسة نورانيّة، قد يُسمّيها البعض بـ”الحّاسّة السّادسة”).
وقد نقلنا الروائي إلى موضوع مهم له خطّه الأساسي الواضح في مُنعرجات السّرد الرّوائيَ، بنظريّة أسماها (الإسكاتولوجي)، وحسب المؤلِّف فهي مصدرها العلوم التاريخيّة، وينتج عن ذلك: (فأعطاه هذا العلم الفراسة، وأكسبه الحياديّة المميّزة للحقائق، ودلّه على أهم مفاصل الخارطة المُستقبليّة للأحداث، وعلّمه على أبرز أسرارها، فكانت فلسفة استقرائيّة استشرافيّة متينة، بلورتها، وصقلتها رحلته الفريدة عبر الزّمن إلى الغد). ويُعقّب المؤلّف مُردفًا: (لا أقولُ عن الإسكاتولوجي، بأنّه علم استقراء المُستقبل، بل معرفة طرق استقراء ما يُحاك في كهوف الظّلام، لأجل صناعة المُستقبل).
وبقدر الفجوة الفاصلة بين حاضرنا وزمان الرّواية، فإنّها تتّسع الهُوّة في ذهن القارئ للرواية، بين مكانه المعلوم المنظور, وزمانه الذي هو فيه، إلى عوالم وأزمان بأماكن مجهولة، تجعل تصوّرها صعبًا في الذّهن. وستكون الرواية لبنة في عوالم المُستقبليّات، لا ندري شيئًا عن إمكانيّة تمثّلات تحقّقها، كما تأكدّت في ذهن الروائيّ (نصر المقداد)، وبطله (مُهاجر).
أطيب أمنياتي بالتوفيق والنّجاح.

عمّان – الأردن
21\ 3 \ 2020

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!