احد عشر كوكبا يقرأ فتحي الحمزاوي قصيدة نوافذ الحب

 

 

الجزء الأوّل:

قصيدة ذات ” إحدى عشر كوكبا” قامت على هندسة الثنائيات : ” الذاتي والموضوعي”/” الواقع والحلم”/” الأنا والهو”. ويبدو أنّ الجسر الواصل بين هذه المتناظرات لن يتأثث شعوريا إلا بالألم والثورة في آن واحد، وليس من اليسير للدراس أن يكتشف طرق التفكير وآليات الإنتاج الدلالي في نص ” نسوي” خاصة إذا كان من الدرجة العالية كالنصوص التي تكتبها الشاعرة الأردنية المتمكّنة من القدرة الفائقة على التّصوير والتحديث والابتكار حتى كان لشعرها روحهُ الخاصة وطابعهُ المميّز.

“اكثر الأيام وحشه

بكاء داخلك

تنزف المرأة وحدة

وتنزل دموع جسدها المفطور

للمسة

دورتها الشهرية ”

إنّ تفكيك شفرات النص يعني محاولة للنفاذ إلى ذهن مؤلفه للاطّلاع على تقنيات التفكير وكيفية اشتغاله، ويعني أيضا الدخول إلى المناطق العتمة في العالم النفسي واقتناص الانفعالات الذاتية المتخفيّة. ولذلك كان كلّ جهد مبذول في هذا المسار عسيرا ونسبيّ النتائج خاصة إذا تعلق الأمر كما ذكرنا بنص نسويّ.

عموما، يمكن تفكيك النص من زوايا الثنائيات المُشار إليها في بداية التحليل:

1- الذاتيّ والموضوعيّ:

أ- الذاتيّ. يحتلّ عشرة مقاطع بتمامها، ممّا يعني انشغال النصّ به انشغالا مضاعفا. يتّصف هذا الذاتي بالجرأة والشّجاعة والثورة، فالشّاعرة تخضع حياتها الداخلية ” الحميمية” في إطار النقد والتقييم والدرس. يبدأ هذا العمل في طقس حزين كئيب: ( وحشة/بكاء/تنزف/دموع…)، ويُعيّنُ تصريحا المشغل الحميمي: ( الحب/الوردة/المحادثات السّرّية/القلب)، وفي نسق سردي تتحوّل التجربة بعد الإتيان على التفاصيل والأسباب إلى منتهى مأساوي : ” أنا وح ي د ة”. في عالم الحب” الرخيص/الزّهيد”. ثورة على الحب المعاصر المتّصل بالصورة والمظهر والمتخلّي عن القيم الأصيلة، صرخة الأنثى الرافضة للانخراط في ثقافة العشق المغشوش…

ب- الموضوعيّ. ويتجلّى من خلال صورة البلاد التي أكلت أحلام أبنائها، وأجهضت وجوها مشوّهة من الوزراء والرؤساء والخونة. كأنّ الخيانة هناك في ماهو ذاتي ذكّرتْ بالخيانة في المجال الموضوعي وهنا تتجلى وحدة القصيدة وتناسقها.

 

“البس رداء الأحلام

الذي رأيتك فيه

غائبا اليوم عن مناماتي

في عيد الحب

لا البس الأحمر

على السرير اطلب النوم

أريد أن أخذ وردتي

 

….

الوردة التي كنت ترسلها

على محادثاتتا السرية

الوردة التي كنت تضحك على عقل

قلبي بها

قطفها الخريف

من لما غبت

….

 

صورك الاولى فوق كل شيء

والعبارات الكاذبة على

سطح البرامج

يبسها السكوت

قطفها ذلك الغريب

الصمت

في هذا الليل

أريد أن اصرخ على الملأ

امام الله

انا و ح ي د ة ”

الجزء الثاني:

2- الواقع والحلم

أ- الواقع. يقوم على البشاعة ويمثّل الحقيقة والواقع، أمّا وجوه ذلك القُبح فتجسّمه لحظة الاستفاقة من الحلم: ” وجهٌ بملمس خشن جدا”، ” اللطف لا يقترب منه”  ” بصورة الذّئب”، وهكذا يتعرى الواقع القائم على أساس المكر والخديعة في الآخر الذي يدّعي الأمان والحب والحياة.

ب- الحلم. ” الحب والقهوة والسرير وخاتم الارتباط والورد…” الحلم يفتح مدنا جديدة في عالم الداخل، يعد بالطمأنينة الأبدية. مؤثث بالجمال والألق… ولكنه كان محدودا في الزمن، محبوسا بين كذبة وكذبة. يتمطّى كثعلب، لكن الشاعرة تستفيق لتفصل بين الواقع والحلم بين الصدق والكذب فتصرّح: ” من قال إنّ الارتباط وفاء”. ثمّ تعلنُ بكل حرية عن غيابه اليوم من مناماتها…

هذان المثالان من المتناظرات ليسا سوى أنموذجين عن عديد الثنائيات في القصيدة، ولكن المساحة على الأزرق لا تسمح بالإطالة والتوسّع ولذلك نعتذر للشاعرة رنيم على تقصيرينا في هذه القراءة المتواضعة.

 

 

“صار الحب رخيص

وزهيد

عبارة عن جهازي محمول

وانترنيت وحوض استحمام دافئ

 

استيقظ باكيا من منام خبيث

ارى يا حبيبي انني البس خاتم

ارتباطي بك

من قال ان الارتباط وفاء

 

افتح نافذة الحلم

اكتشف ان ملمس وجهك خشن جدا

اللطف لا يقرب لك

الذئاب لا تملك ذقن ناعم ..”

 

ختاما أقول إنّني حين أقرأ نصوص شاعرتنا تزداد قناعتي بحداثية شعرها وقدرته على التطوّر مع تطوّر ذائقة التلقي وتطوّر خصائص الحياة.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!