الأستاذ أحمد الجابري الشاعر الإنسان وعناقيده الملونة في ديوانه الزاخر

كتب الأستاذ عارف محمد الهجري
تلميحة
قد أكون أول من يكتب عن الأستاذ أحمد الجابري منذ أن صدر ديوانه المطرز بسحر العناقيد الملونة من بين الكتاب والأدباء وبمباركة الشاعر نفسه بعد أن أهداني الكتاب ومن قبل ذلك حيث قال لي سوف أهديك الديوان بعد أن يصدر ياعارف واكتب عنه ماشئت ستجد ما يعجبك فيه وهاهو الديوان بين يدي فقد صدق الأستاذ الجابري الوعد وأهداني حلته الذهبية وتاجه المرصع بالجواهر
وأحببت أن أكتب عنه ويكون لي السبق خصوصاً وشاعرنا حياً يرزق وودت أن يطلع على ماكتبت وهو على قيد الحياة أفضل من الكتابة عند رحيله والحمد لله
الديوان طويل ومتعدد وجامع للأدب بكل أنواعه ومشاربة لكني حاولت عرض البعض كي يستفيد القارئ والمحب للشعر وللأستاذ الجابري مما كتبه ونسجه وصاغة فهو ينسج القصيدة وينفخ فيها من روحه فيدب فيها السحر والجمال
**
أكاد ألمحُ
من ثُقب الَباب
وجهَ حبيبتي
وهي تلملم شَعرهِا
في ضَفائرَ
أمام المِرآةُ
الجابري
هذا المقطع الشعري المكثف يشكل مدخلاً واسعاً للولوج إلى موضوعي في الكتابة عن صاحب ديوان عناقيد ملونة وهو ديوان يحوي جميع قصائد الأستاذ الجابري وليس الشعر الغنائي فقط فهو ديوان متعدد ومتنوع لكل أنواع الشعر …
ربما لايستطيع إنسان مثلي أن يقدم البحر…
لكنها ألفة العمر بيني وبين قصائدة البالغة الحب والجمال المنمقة باكاليل الزهر والورد فواحة العطر وطيب المسك كنفس صاحبها الطيبة العطرة الزاخرة بالعطاء ..
ذلك الذي كتب الشعر بكل الوانه ، وكتب القصيدة والتزم ببحورها الخليلية ومنجزاتها ، وهو قاموس ومحيط واسع في الأدب والشعر والتاريخ، أجلس معه فيحدثني ولا يمل حديثه وذكرياته وأشجانه أتمنى معه أن تتوقف عقارب الساعة حتى لايمضي بنا الوقت وينتهي بنا اللقاء .
لست أدري من أين ابدأ الحديث عن أديبنا و شاعرنا وعن أي منحى من شعره؟ فديوانه كما قلت متعدد ثري وغزير لكني سأعرض البعض من القصائد والغنائية منها وسأبدأ من رباعيته عن رفيقه وحبيبه الشاعر لطفي جعفر أمان الذي أحبه كثيراً وعاش معه أجمل سنوات العمر كما حدثني وقد قال في حديثه تصور وأنا ذاهب لزيارته كعادتي لم أصدق عندما رأيت الناس تحتشد بجوار البيت معلنين رحيله كانت صدمة لي لينطفئ الشارع بعد أحاديث الأنس والطرب حدثني عن ذلك بمرارة
قال في قصيدته
رحلت عنا فما عادت لدارينا
خمر بكاسك في ليل المحبينا
من كرمة الشعر كم سالت على شفة
ظماى وذاب الهوى ورداً ونسرينا
يامن طواك الردى لاكان مجلسنا
ولا ارتوى عاشق من كف ساقينا
فالليل ماعاد يُشجى لا ولاقمر
من بعد موتك بُعداً ياليالينا
هذه القصيدة من أجمل المرثيات التي قرأتها كتبها الشاعر من أعماق وجدانه كيف لا والأستاذ لطفي جعفر أمان أستاذه الذي يفتخر به ويحن إليه ويتحدث عنه بعمق المشاعر والحنين للأيام والزمن الجميل الذي لم يعد يشم رائحته في عدن الحب والذكريات
وكتب عن ثورة اليمن السبتمبرية
في رباعية الثورة الأم
مدي ظلالك ياصنعاء واحتضني
خضر الروابي وموج البحر في عدن
في كل شبر اقيمي العرس واتخذي
من ليلة العيد ذكرى ثورة اليمن
مهما نأت بلدة عن أختها بقيت
رغم المسافات عندي كلها مدني
احسُها في عروقي وحدة جمعت
حب اليمانين في قلبي مدى الزمنِ..
رباعيات الأستاذ الجابري كثيرة وكم هي جميلة وممتعة وتاتي خفيفة مشبعة متنوعة النغم وفي وقفاتها الموسيقية للقافية فهي النغم الحائر الجميل ذاته وتبدو القوافي مرآة صولة الشاعر الجمالية ..صور تخيلية يثيرها الإيقاع ونغمة الروي والروى الأصيل الراقص الفاتن
ومن الرباعيات إلى صومعتي الضائعة
رحلت عنك إلى صنعاء لا أحدُ
يثري حياتي وما ألقاه من نكد
كرهت عيشي فأني رحت لا أجد
غير المرارة من ذكراك في خلدي
فقدت صومعتي لاشئ يؤنسني
من بعد إني غريب الدار في كمد
ماذا أقول ؟؟ وهذا البرد يقتلني
أحيا وحيداً بلا أهل ولاسند
تلك صومعة شاعرنا الهُمام والتي كانت تأويه في مدينة الراهدة هاهو يتركها ويشد رحاله إلى مدينة صنعاء بعد معاناة ومضايقات في السكن والعيش ليرحل إلى قرية نائية لايوجد فيها من صديق أو أنيس دعاني إليه فذهبت وعندما قابلني أجهشت بالبكاء من وضع يعاني منه قال لي حينها أشعر بالضيق والوحدة والوحشة ياعارف لهذا أرسلت لك لتاتي إلى عندي كما ترى أنا في هذه القرية لا أنيس ولا جليس والقصة طويلة بعدها بأسبوع خرج منها إلى العاصمة صنعاء لكم يعتصر الواحد منا الألم أن يعيش أحد رواد الشعر اليمني هذه العيشة المريرة فبوح شاعرنا في رباعيته هذه ما يفيض لها الدمع ويسفح على الخد ..
حديث شهريار
كلما ضمنا الحديث بليلى
غمرتني بطرف عين وداد
كم فتنا بها وكانت حديثاً
مثل هند أتت وبانت سعاد
شهريار أنا فما حب ليلى
غير ريح بها يذر الرماد
ماقتلت النساء إلا ليبق
للهوى عاشق ولي شهرزاد
يكتب وكأنه اللغة وهو البلاغة والقاموس لغته مصاغة كسبائك لجين من فضة ومرمر تضاهي عقود الشمس في نهر جار حين تختلط به مع طلوع الفجر في كؤوس رئبقية ممرده بالزجاج اللأزورد الجميل وهناك إشباع في الإيحاء الموسيقي فالقافية باعتبارها وقفة موسيقية تثير صورة تخيلية تبعاً لإيقاعها ونغمتها حيثما وردت وفي أي سياق وفي حال التناغم والإنسجام بين موسيقى القافية والمعتى الذي ترد في سياقه فإنها تقول المعنى موسيقياً وهنا تعمل في إشباع الإيحاء الموسيقي ..
ومن رباعياته
– متى نلتقي
– وداع
-الرحيل الأخير
– مالك الحزين
– كبرياء
حديث المدينة
– شبام
-سمارة
-سألتني
وجه من بلادي
– حديث الهوى يقول فيها
ما أعذب الوصل في ليل تبادلني
فيه الحديث نجوم ..ثم تفترق
كم ند عنا الكرى مامل سامرنا
حلو الحديث وفي أنفاسنا عبق
يحلو لنا العشق في وجد يلوعنا
ويستطيب لنا في ليلنا نزق
حتى إذا ما افترقنا واختفى قمر
في غيهب ..شدنا للوصل مستبق
أرى هذه الكلمات وهي تخرج من أنفاسه مبللة بالشهد تحاكي سامرنا وتحاكي مايدور في وجداننا ومشاعرنا في ملمح جمالي به من العذوبة والرقة وبه من صولة السحر مايحج إليه الشعراء ويعتمروا وجلياً يتجلى في شعر الجابري كنه الشعر الذي لأجله أعظم الفنون. ونجد هنا توحد العلاقات بين مستويات النص المتعددة العروضية والصوتية والنحوية والدلالية وهي دلالة على قوة لغة الشعر ( أصوات ..صور..رموز )
– الزمن الرديء رباعية مابين جمال الحروف ووجع المعاناة ولوعة الشاعر
خاب ظني وكتت أحسب أني
منك بالقرب مثلما أنت مني
أنكرتني الربى وماكان مثلي
ينكر الورد ..يالهذا التجني !
وطني ..من سواك ؟ يحنو عليَ
إن قسا الدهر وانزوى الناس عني
عشت عمري عزيز نفس وإني
لا أرى في النفاق غير التدني
عزيز النفس عرفته هكذا كما يصف نفسه في القصيدة لا يدق باب سلطان ولا وزير ولاينافق في شعره ولايمتدح وهو الصادق في شعره وكلامه وأشعاره تنكر له البعض وجفاه الأهل وهو القريب في قلبه ومشاعره
وطني من سواك؟؟ يحنو عليَ يالهذا العطف والعودة والتساؤل إليه فقط الوطن لاسواه هو المأوى والسكن والدعة هو أحمد الجابري هكذا عرفته عن قرب وباح لي بالكثير مالم يعرفه أحد
ولو نظرنا للنص من جانب آخر لوجدناه ينضح بموسيقى ناتجة عن التراسل في النص وإتحادها مع اللغة الشعرية وهو اسلوب فني يتبعه الجابري في صياغة ذهبه البيتي والشعري معاً
– أجل الحب وفيها
إن غزا الشيب مفرقي إيه ..مهلاً ترفقي
فالهوى بعدُ لم يزل نبض قلبي ومابقى
ليس بالعمر وحده أن حسبناه نرتقي
أجمل الحب ماغزا ورمى قلب عاشق
لايتوقف الحب عند نقطة من العمر وعند مشيب لكنه الجدول المستمر في جريانه حتى مع تقدم العمر فهو وجد كي يستمر ولاينتهي قصيدة معباة بالشجن وليست منزوعة عنه ولهذا تظهر فيها دلالات موسيقية غنائية قوية وجرسها الصوتي رقراق غزير .
– طيبة مدينة الرسول
حياك طيبة في المدائن مرقد
طابت بك السكن وفيك محمد
مثواه في ظل ترف وروضة
فيها الجنان ..وللقلوب تجرد
طوبى لمن سكنوك هل من عودة
لمفارق هزت مواجده يدُ ؟
كم ذا أتوق إلى ثراك يشوقني
قبس يضيء وفي رحابك مسجدُ
لانعليق هنا فالشاعر يحلق في عالم التجليات متصوف ومبتهل في محراب الصالحين والقداسة والكرامة في طيبة ومن سكن طيبة لم يكن الجابري ليحصر نفسه في منحى من الشعر لكنك تجده هنا وهناك وهذا البعد الأدبي والإنساني والروحاني من الأهمية بمكان للشاعر المتمكن براعة وتمكن وهمة واقتدار نُحييه على هذا ونزيد في التقدير والمباركات له
– عرفات هذه قصيدة رباعية تحدث فيها عن عرفات في روحانيات لاتضاهى وقد زارها كما حدثني مع ابنه كمال في زيارة محب وكذلك مما كتب
– ليلة القدر
– رحماك يارب يقول فيها
رحماك يارب هذا حالنا سامُ
لاحب فينا فإن الحبُ منعدم
ونحن من نحن مذ ماتت ضمائرنا
تغير الناس حتى ضاعت القيم
ماعاد فينا رجاءُ غير أن لنا
فيك الرجاء إذا ماعز معتصمُ
أواه رباهُ أنى يستقيم لنا
حال؟
ونحن حيال القوت نختصمُ
يشكو الشاعر ضياع القيم والنبل في زمن زادت فيه قساوة الناس وماتت ضمائرهم ولم يعود هناك رجاء لغير الله الواحد الأحد فهو المستعان وإليه يلجى الشاعر فهو نعم المولى ونعم النصير
– إلى شاعر
– دموع التماسيح
– واليمن حبيبتي
– والعديد والعديد من الرباعيات التي يزخر بها ديوانه الثري لايتسع المقام لذكرها ذكرت البعض منها والقليل فقط
ولم ينسى الشاعر وطنه العربي الكبير فهو منه وإليه إنها عظمة شاعر وروح الإنتماء وتجسيد قوي لهذا البعد حاله كحال الشعراء والأدباء العرب الكبار في رباعيته
– بكائية إلى بيروت
قلب بيروت وقلبي مثل قوس واحترق
مسه النار فأضحى لونه وجه الشفق
يتلوى خلف جدران وتل من عرق
لف ديواني بليل حاملاً بعض الورق وقد زار بيروت وأعجب بهوائها الجميل وبجمالها الساحر
وكتب الأستاذ أحمد الجابري الموشحات وقصائد من العيار الثقيل منها
مقاطع من موشح أندلسي
– وبكائية الى عيني شهرزاد
– من تداعيات رباعيات الخيام
صاح لاتبكي على عمر مضى
لاولا تركن إلى مستقبل
*
عم صباحاً أيها الباكي على
زمن ولى فما رف ولا
فاح غصن من شذى الطيب خلا
وابتسم فالطير ما مل الفضا
واغتنم من حاضر عيش الخلى
لاتقل أُف ولله القضا
أبدع الأشياء مند الأزل
*
جل من سواك ياظبي الخلا
فيك هذا الحسن من لون الطُلا
في كؤوس يرتوي منها الملا
– الشعر الذي لايموت
– والإنسان المغرور
ويضم ديوانه أيضاً
– دو بيت – سوف أشير إلى بعضها
وفيه
– ثلاث إضاءات مهدات إلى الأستاذين عبدالله فاضل فارع والأستاذ لطفي جعفر أمان
والثالثة للفنان أحمد بن أحمد قاسم
-مدن الشعر الثلاث وهن مدينة القاهرة وبيروت وبغداد
-1-
بعينيك يانيل الهوى مترع بض
وليل له قلب يحركه نبض
وضوء لقنديل بشطيك عالق
يظل فلا يخبو وفي زيته ومض
2
تذكري بيروت مذ كان لي قلب
يأجمل مافي الشعر غيبه الحرب
وألقت عليه الريح في جنح ليلة
ثاليل لاتحصى وأقعده الجدبُ
-3-
لك الله يابغداد مابال طائري
يطير بلاسرب وينأى بمعزل
وقد كان فيك الشعر يمتد بالرُؤَى
فأيان يأتي الصبح والليل ينجلي
هاهو يخاطب مدن الشعر والشعراء ويعتب على غياب مؤائد الشعر وكانت هذه المدن وهاجة براقة تعتلي منصة الأدب والشعر وتزخر بالعطاء ويشار إليها بالبنان
ومن (ذوبيت ) أيضاً
– أضاعوني
– وجوه كروبة
ويحوي ديوانه
باب ( القصائد ) وهي كثيرة
منها
– العودة
– طائر المنفى
– مدينة العشق
– قلعة صيرة
– عودي إلي
– الطائر المهاجر يقول فيها
أيها الطائر المعذب بالسهد
بعيداً كفاك ليل التأسي
عد إلى عشك الوديع كما كنت
وغني الحياة في يوم عرس
عد إليه فليس يجدي اغتراب
أوضياع وأنت في البعد منسي
يخاطب تلك النوارس المهاجرة المغردة بعيداً المنسية خلف تلك الجبال البعيدة ويطلب منها العودة للوطن لاسواه العش والمأوى والملاذ بدلاً من الضياع والنسيان هنا يتجلى بوضوح الحب للأرض والإنسان
– صريع الهوى وفيها
ياصريع الهوى بعينيك بوح
مترع بالجوى ثري الظلال
عاشق أنت للجمال وصب
مثقل بالضنى وسهد الليالي
تعشق الورد في خدود العذارى
وترى الحسن في رشيق الغزال
القصيدة طويلة وجميلة صادحة وفارعة وما أروع النداء في البداية والمدخل ياصريع الهوى تمكن وهندسة شعرية متمكنة ورائدة ويالجمال النظم حين قال تعشق الورد في خدود العذارى إلى آخر البيت مثير للدهشة في يراع الشاعر وخصب خياله الوفر الدفر الغير متقطع لغة كثيفة وساحرة
-ذات الخمار
لاتخافي حبيبتي إن تهاوت فوق كفي النجوم رغم اختياري
وترنمت كالفراش تحتضن الدفء
وتهوى الحريق ..دون اصطباري
تشتكي لوعة وقد ملت الصبر
طويلاً بعيد طول انتظاري
لاتغاري منها فما كنت أهوى
قط أخرى سواك ذات الخمار
قمة الفصح والبيان القصيدة مشبعة بالروي والروى وكيف للنجوم أن تتهاوى فوق أكفه إلا من حذاقة في الألفاظ وتقنية عالية في الصنع والصنعة الشعرية ناهيك عن مشاعر الشاعر وشاعريته القوية
-من لقلبي
– ليلى
– وبطاقة عيد
– وهل يخفى القمر يقول
ماعاد يطربني نايُ ولا وتر
مذ غاب عن ناظري في ليلة قمر
فما حسبت بأني سوف أفقده
فلا أراه وقلبي بعد منتظر
ومن القصائد
– الحسناء
– غُرباء
– حديث الشعر
– وطني
– عيد الجلاء
– أغنية حب
– حنانيك
كانت هذه بعض القصائد فقط من ديوانه العذب المنهل
– وله مقاطع ملونة ومن الشعر الحر منها
– ساعة الجامعة
– وليس بالحزن وحده
– أغنية إلى يافا
ماكنت أحب الشعر هتافا
يا (يافا)
فلكم تلهبني الأحزان
فلا أبكي
ولكم تسحرني الكلمات
فلا أقوى
أن أكتب مرثية عنك
,,ساعة الجبل
-دعاء
– فوضى الألوان
– أغنية مابعد الحرب
– مسار الوحدة
-ساعة حب
– عيناك ياحبيبتي
– الحب والقمر
– الرؤية من ثقب الباب
– غنائية حول دائرة الضوء
وسنعرض منها في حديثنا
أعود فأقول كثيرون هم أولئك الأدباء الشعراء من الذين كتبوا للأغنية اليمنية وصاغوا كلماتها العذبة الندية حتى أزهرت وعانقت شغافنا
وشعرنا الغنائي أكثر انتاجاً وتنوعاً وغزارة بفضل هولاء مما جعل الأغنية اليمنية تحتل الصدارة في مصاف كل الأغاني العربية خصوصاً في الجزيرة والخليج ،،
ويأتي من بين هولاء الشعراء الشاعر الإنسان الأستاذ الكبير /
أحمد غالب الجابــــــــري ذلك الشاعر اليمني الذي نبض قلبه بالأدب والشعر . فتدفق كالنهر بالعطاء فقد قدم وأنتج الكثير والكثير من الشعر بكل أنواعه والشعر الغنائي كذلك حتى غدا أحد وأهم وأبرز مشاهيره وغنى له الكثير من الفنانين اليمنيين الكبار .
يأتي من بين هولاء الفنان اليمني أيوب طارش العبسي ،،
والفنان محمد مرشد ناجي
والفنان أحمدبن أحمد قاسم
والفنان أحمد فتحي
والفنان عبد الباسط العبسي
والفنان محمدعبده زيدي
والدكتور عبدالرب ادريس
وهناك من لم تسعفني الذاكرة لذكرهم ..
ويعد أستاذنا الجابري أحد أبرز شعراء الأغنية اليمنية من الذين أروت كلماتهم القلوب العطاش ..
كمايعد ثاني اثنين كتبوا قصائدهم باللغة العربية ومعه الأستاذ محمد سعيد جرادة .وهذه ملاحظة مهمة كونه المتمكن ببحور الشعرالخليلية وقوافيه ،
لم تكن القصائد الغنائية هي الحكر في رصيده وفي مكتبته بل قدم الكثير من القصائد المتنوعة والوطنية والحماسية فقد كان الوطن ولايزال همه وحلمه وحبه الأزلي إلى جانب معشوقته عدن ..
وأين نحن من قصيدته الوطنية الجميلة والرائعة لمن كل هذه القناديل ..وبصوت أيوب طارش والتي أثنى عليها كثير من الأدباء والكتاب اليمنيين والعرب ومن بينهم الدكتور عبدالعزيز المقالح .
فقد كانت قصيدة معبرة عن فرحة كبرى عبرت عما في خاطر ومشاعر كل أبناء الوطن.
وأتذكر كنا في دورة أعلامية بالمركز الثقافي بتعز عقب الوحدة اليمنية مباشرة فإذ بمكبرات الصوت بالقاعة تصدح بمواويل لمن كل هذه القناديل وبصوت الفنان أيوب طارش حتى علا تصفيقنا لها ولكلماتها عالياً…وكادت مدينة تعز الحالمة أن ترقص منها..وشعرنا حينها بأن الوطن يولد من رحم كلماتها الرائعة..يالروعتها المؤثرة الحائرة في النغم.
وله من القصائد الوطنية الكثير وقصائد أخرى لايتسع المقام لذكرها ولن نفي الشاعر حقه لكن هذا أقل مايمكن عمله تجاه هامة بحجم شاعرنا الكبير والصديق الحميم الأستاذ الجابري
وكتب الشاعر الجابري للأرض والإنسان وللحب والجمال ، بكل أحاسيسه ومشاعره الفياضة المجنحة وغرد إيماتغريد وكم شنف آذاننا وأروى عطش قلوبنا بكلماته العذبة المكسوة بالجمال
ويقول
وطني ماعشت إلا مُغرما
للهوى غنيتُ أرضاً وسما
من أنا لولاك ماكان الهوى
لاولا الشعرُجمالاً مُلهما
في الروابي الخضر والغيد إذا
رف هُدبُ وانتشى الورد دما
كم عشقت الزهر في طيب الشذى
وارتويت الحسن ريا من ظما
شعر جميل أليس كذلك ونغم وموسيقى قلب الشاعر الصادحة دافئة وراقصة ويظهر جلياً مع كل كلمة في القصيدة الحب للأرض والوطن ولروابيه الخضر وطني ماعشت إلا مغرما ثم يقول من أنا لولاك عمق في الإنتماء نلمسه في هذا البوح الأصيل لنفس الشاعر وعمق الولاء
وفي قصيدته الرباعية الجميلة يخاطب فيها وطنه الحبيب في صباحات رائعة مشرقة
صباح الخير ياوطني بك الأرواح لم تهن
فأنت الحب في صنعاء أنت الشوق في عدن
إذا غنيت في وله أعاد الرجع ذو يزن
فكنت الصب لاتعجب ومثلي عاشق اليمن
تبادل لفظي بالغ العذوبة في ملمح شعري يزخر بالتراكيب والرجع وقوة التصوير ولنا أن نُحيي شاعرنا لصدق هذه المشاعر في حبه لوطنه وتجسيد هذا الحب في جمال أبياته المعبرة .
وله من الرباعيات الكثير ومنها ماحاكى به وطنه أيضاً ليقول لنا أنا هنا ومن هذه الأرض وجدت فهي بلاد الحضارات ومهدها وجدت لتبقى موحدة وهذا الوطن هو وطن النجوم وليس كأي وطن ..
وطن النجوم
وطني للنجوم نسج يماني
ومدار مرصع بالجمان
عرفته الأسفار منذ كان للشمس
مدار وكان للمجد بان
وعلي جانبيه قامت حضارات
معين ومأرب في الزمان
دمت لي موطناً ودمت سماء
وحمى وحدة لشعب يماني
وله من القصائد الأخرى
أذكر منها في عجالتي هذه
– عودي إلي
ياساكني عدن الحبيبة إن بي
شوق إليك يشدني لثراك
مد كان لي بيت وفي ساحتها
ذكرى هي الدنيا ورجع صداك
والناس فيه مودة ومحبة
يحيون في دعة فما أحلاك
عدن السحر والملكوت والذكريات والمنزل الأول والطفولة والتراب الجميل كم تغنى الشاعر بها وكم حن إليها وبكت مهجه لفراقها ولها ذرفت قصائده الدموع
-بطاقة عيد
أخي سيان لاتعجب تساوى الماء والنار
فلا تسأل عن الأحباب ماللدار أخبار
كلانا في الهوى روحان في جسد غريبان
رحلنا قبل من زمن بغير اسم وعنوان
القصيدة فيها الحزن يتخلل الكلمات وتحمل بعد الرحيل حين جاء على حين غرة عنوة جاء ودون رغبة الكلمات توزع فيها الشجن واللوعة والبين فأتت معبرة وفي حلقها غصة من الألم ينتابها كمسامير خشبية مثبتة ..
– أغنية حب
ياسمائي لملمي أشواق قلبي للسهارى
واغسليها من ندى الغيم وأنفاس العذارى
ودعيها تمتطي الريح وتحكي للحيارى
كيف لا أهوى ومثلي عاشق يهوي الديار
هذه المرصعة تزخر بالكلمات العذبة وبالصوت الملحون المغرد كأنها تخرج من نغم خالطه العندليب في واحة أُغدقت بالخصب والوفر معاً .. شاعرنا هكدا قلبه وهكذا هى أشواقه المغتسلة بالغيم والرذاد وبأنفاس العذارى كم هي رقيقة هذه الأبيات فواحة الشذى ندية رابية هذا العاشق للديار منذ حلق بأجنحته كنورس مسافر لم يغيب عنه الدار ولا الديار ولا الوطن
– ياعاشق الليل
ياعاشق الليل ماذا أنت تنتظر
نامت عيون العذارى واختفى القمر
تسامر النجم والأطياف حائرة
تحوم حولك لاتدري فما الخبر ؟
أمست لياليك حيرى لايحركها
شوق ولا موعد ياتي ولا خبر
أمتزجت هذه الكلمات بنسيم الليل وشجونه وملكوته والنجوم ومن يسامرها ليرسم لنا لوحة ليلية بديعة الوجه والوجنات متفحة النجوم والسهر لقد انتزع مشاهدها من قلب العاشق الساهر عرض فيها ذلك المشهد لمن ينادم الليل والأفلاك في شجن صورة تجعلك تغوص في تفاصيلها ولاتمل التأمل لقد دخل الأستاذ أحمد الجابري الحياة الأدبية من أوسع أبوابها فأبدع وتجلى الشماريخ وأعتلاها .
وبالنسبة للشعر الغنائي فقد كتبه بكل الوانه أيضاً منه الحضرمي والصنعاني والتعزي والعدني
شفته ناقش الحنه .
يابوي من فنه
طائر من الجنه
شفته ناقش الحنه
سبحان من صور
كنه قمر نور
لابس حرير أخضر
شفته ناقش الحنه
حالي الرنا أدعج
لاشي غدر سرج
يضوي ويترجرج
شفته ناقش الحنه
ما أجمل هذا الوصف وبهذه الكلمات المحلاه باللغة والصور المكتسية بالحلل تُسكب حبات نداها في فضاء الروح دانية رابية وليس وجه الحبيبة من يُسرج لكن القصيدة يكاد زيتها يضيء في رقة بالغة الطراوة مع دقة عدسة الشاعر في التصوير الحي الجميل الأخآذ
وقصيدة غصب عني
غصب عني ياحبيبي
كل شيء قسمه ونصيب
أنت عارف أيش بقلبي
أنت ياللي مش غريب
كان هوانا حب جارف
والدموع كانت عتاب
مش مصدق بعد هذا
الحب أرجع للعذاب
غصب عني
كيف بس أقدر أسامح
أنت ياللي كنت جارح
في خصامك في كلامك
اللي قلته مش قليل
أنت تدري بشعوري
كيف اسامح ؟ مستحيل
غصب عني
لهذه الكلمات عبير العطر والعتاب ورذاذ من قطر القلب الهاطل في ورش بديع يُفجر في قلب القارئ ينابيع لاحصر لها من مواويل العتاب والحب ناهيك عن النكهة المتنيزة في أصالة الجابري وشعره
وحقيقة لست أدري كيف كان شعور تلك المدينة الرصاصية التي تقود بحر حقات لحظة ميلاد شاعرها الجابري؟ هذه المدينة الولادة الرائعة التي أحبها الجابري بكل أحاسيسه فكانت نبضه ودمه فهي مدينة الحب والجمال والطرب والبخور العدني المختلط بروائحها الزنبقية ..
ثم لست أدري كيف كانت تستقبل هذا النتاج الشعري المتميز والغزير للأستاذ الجابري وكذلك الساحة اليمنية طولاً وعرضا..
يامركب البندر
سنتين وباستناك
في بك حبيب الروح
واقف على مرساك
يامركب البندر
الحلو والأسمر
الورد يتمخطر
يسري على خدك
الله من صدك
يامركب البندر
لله درك يامركب البندر ولهذه المدونة الشغوفة الملتاعة من قلب ينسج القصائد كالحرير الناعم المتناغم وبصوت طروب شجي رائب في مشارب الخلجات ونبضاتها هذا الغيم لعمري يتساقط علينا فيزيدنا نخوة وانتشاء
وفي أغنية المي والرملة
المي والرمله
شاهد على حبي
نِبله على نَبله
مغروزه في جنبي
المي والرمله

باذكرك بالبحر
والليل على صيره
أخاف عليك الجسر
يفلت من الغيرة
المي والرمله
أحاور نفسي كيف للجسر أن يسقط من الغيرة؟ هذا اللغة الغنية بالمفردات ذات الفصوص المرجانية الوهاجة والقدرة العجيبة لدى شاعرنا الثري الغزير الإنتاج في صياغة هذه الدرر النادرة لايمكن أن تكون إلا لدى دوح محبة وصومعة شعرية شامخة
– أشكي لمن
غناها الفنان المبدع ايوب طارش
ومن النصوص الغنائية الرائعة
ظما الغيد
من اجل عينيك شاسقي حاليات اللمى
واروي ظما الغيد واستبقي لروحي الظما
شاعيش ياحب عمري مثل طير السما
ماناش سائل بروحي..برد وإلا حما
وهاهو يحتضن الأرض والجغرافيا في
قصيدة كلهم حلوين
طير من صنعاء وطائر من عدن
بينهم قلبي معلق ماسكن
مادرى لاوين يتوجه لمن
كلهم حلوين والعشقه يمن
لاعبر في الليل من صيره غزال
شدني في التو للآخر ( أزال)
حرت في الأمرين من ذاك الجمال
كلهم حلوين والعشقه يمن
هي اليمن حبه وأرضه وعشقه أحب ترابها وسهولها فأنشد هاجسه لها ولم يبخل فكانت غصون كلماته الوارفة تمد بظلالها في كل الأرجاء من ربوع الخضراء وما الشاعر إلا انتماء وحب
ونراه يمطر دموعه في قلوبنا حنايا وشجن
في قصيدة ياليل
أحباب يا أحباب لاجاكم مطر بالليل
لاتحسبوه انه مطر ذا دمع عيني سيل
سَقيت كم من ربى وأجريت كم من غيل
ماعاد فيني سلا أوعاد عندي حِيل
لقد سالت القصيدة أودية في قلوبنا مضمخة بجمال راوي وبأمزان الودق منها يلامس الوجد تتسلل قطراته الفنية إلى أعماق القارئ وتشحن وجدانه بكبريت مشتعل من الأحاسيس لاتنطفي
قصيدة دندني
دندني يالنجوم في السماء دندني
بامعك ياحبيبي وين تبا شلني
لادنانير بَا منك ولا بَا جِنِي
مثلما نا بحبك ياقمر حبني
يكتب القصيدة وينفخ فيها من روحه فتدب فيها الحياة ومنها ينطلق لسان حالها فتخبرنا بما تتمناه أرواحنا
أن يملأ الشاعر حياتنا بالأنغام الناضجة الجميلة المفعمة بالحب والدلال والجمال فهذا رصيده تحمله مشاعرنا له طيلة العمر
ومن همسه؛ أعطيت قلبي
أعطيت قلبي لمن يسوى ومايسواش
كل من جهش وخذ من لوعتي مجهاش
كلي أنا حب مثل الطير له أرياش
لاحَب حِلق بني في داخلي أعشاش
لايخالجني شك بأن الجابري فعلاً اعطى لكل من حوله ولم يبخل فكان عبقه الفواح يلامس الجميع لكل من يستحق أولا يستحق الرجل أعطى ولم ينتظر وفي قلبه مرابئ وأعشاش للحب يهديه لكل من حوله رغم تنكر البعض له وقسوة الحياة والأهل
ومن قصائده الغنائية لا
الحصر
– ولِيلُوه.. ياماه وقولي لابي ماعدنيش راعيه تحاكي القرية وحال الراعية المنهكة المتعبة في حالها وهي تفني عمرها في نكد وتعب لوحة بديعة للبيئة اليمنية وواقعها
فشاعرنا ابن بيئته التي تربى فيها وهذا النوع من الشعر يجسد مدى الإلمام بقضايا البيئة والمجتمع وهذه حنكة ذات مهارة عالية لكم نحن بحاجة إليها والشاعر اللبق ينتج قصائده ويحاكي واقعه ولايبتعد عنه
– الو جوال
وياعاشقين غناها الفنان محمد مرشد ناجي
وأغنية هوى الأيام غناها أيوب طارش
-وقلبي مع الغيد يقول فيها
مامثل قلبي أنا عاشق لمعنى الجمال
مفتون بالحسن مغرم بالغصون الطوال
لاهزها الريح مالت واحتمت بالظلال
قلبي مع الغيد ياللغيد حالي الدلال
قلمي ذهب يتأمل ولم يعود إلى ورقته البيضاء كي يكتب فالقصيدة بديعة تتحدى بياض الورق وقلب شاعرنا يرتسم من خلال حروفها كلها تدله نقرؤها ونأوي إلى أفيائها نستزيد
ملذات ومغذات من هوى معتق بالحب المصفى
– وكذلك ظبي رامه
مر بي يخطر بتيه مثلما غصن الجرع
قلت للمه هكذا تمشي وتكثر بالدلع
إلتفت ما جر كلمه قلت مالك ؟ قال لي مِع
يوه ..ماحلى رجع صوته حين جوب وامتنع
وقصيدته الغنائية اعطيني قلبك
طير ياللي في العلالي اللي بي ماهو بيش
في العناء قلبي وقلبك في الهنا فارد له ريش
اعطني قلبك وخذ قلبي وخليني أعيش
زي قلبك زي حبك حب فيه ماينتهيش
إن الصور التي أبدعتها أنامله الفنانة أجمل وأثمن من التماثيل المرمرية القديمة ذلك أن تمثاله الشعري تحتله روح ملائكية خالدة لاتموت ولاتنتهي ..أما تلك التماثيل فلا أظن بأن آلهتها أستطاعت أن تخلق فيهما الحياة لقد اجتمع في ذلك التمثال الشعري المتميز الحياة الناطقة واللذة البريئة والخلود فجاء أزكى من كل التماثيل وأوفر لذة وأشد جاذببة .
– وخليك لاتسأل
خليك لاتسأل وانا بسأل عليك
مادمت أنا حبك وقلبي في يديك
حتى ولو قاسيت في الحب أوعانيت
باسكت ولابزعل
خليك لا تسأل
لكني اسألك أيها الجابري من أين ياتي قاموسك الحنك المتجدد السائل سلسبيله في القلوب؟ فما أشجى عصافير قلبك حين تغرد بورك القلم والبرشوان ما غدير إلا غديرك البارد الشراب المنهل وهده الورود البيض .
– وضاعت الأيام بصوت أيوب طارش
– وقسمه ونصيب
– وماتفتكريش
ماتفتكريش بأن الحب
لعبه صغيره في يدك
تخلي الناس مش حاجه
يهمك أنت بس وحدك
ماتفتكريش
خصامك كان من كلمة
أنا قلته مجرد غلطة أونسيان
ودا يحصل وكان ممكن
على فكره نداريها ومابتبان
ماتفتكريش
– وأغنية الحصاد
– ورجِعوني
رجعوني العيون الحلوة تاني فكروني باللي راحوا من زمان
بالحبايب واللي غايب بالمودة والحنان
رجعوني
غيروا طعم الليالي صحوا في الذكريات
أيش بس خلانا أرجع وافتكر كل اللي فات
بعد ما كنا افترقنا وانتهت كل الآهات
رجعوني
القصيدة بنكهة الحب النقي شجوى بلاحدود مع لوعة تنهيدة طويلة وفيها موسيقى عذبة من نوع خاص تخرج من حنايا الوجد الحنين المختبئ في رفوف الذاكرة الشاعرية المُحبة أنا حقيقة فتنت بالقصيدة هذه وبدمها المشروب بكؤوس الورد لقد أصبحت أسير هواها بين كلماتها أحتسي عُسيلات الكلام وخمرة جداولها تذهب بخيالي بعيداً ثم أعود فأقرأ هاطلها وأُثمل ثانية لقد نسى شاعرنا بأن قلوبنا من قراطيس وماء تذوبها بريق كلماته .
وقصيدة جوال
قلبي مع الشوق في درب الهوى جوال
بامشي لأخر مدى عمري وانا جوال
ماهمني الشوك يدميني وَلا النار
باكمل المشوار
جوال
ليل النوى ياهوى
غربة سفر وأبعاد
فيه الظما والجوى
من غير ماء أوزاد
جوال
سيظل الجابري ذاك الجوال مع عناقيده الملونة في عالمنا يحلق في سمانا بلاتوقف هامي في وابله يُرقش ساحات أشجاننا من شبارق الحسن من كل شيء أعذبه ..تركيب لغوي وتدفق في الصور الشعرية مع رسم منمق في ريشة فنان وشاعر أحسن تقويم قصائده بإمتياز ..
– وقصيدته حبوب
حبوب ليش استويت حساس أكثر من اللازم
من شان كلام الناس تصد وتخاصم
من كلمة تزعل زعل تجرح شعوري دوب
لكن مهما حصل باقول عليك حبوب
حوار شاعري شعري ممتلئ بالعتاب وخطاب راقي وراقي جداً من روح يفوح عبهرها وتجيد اللغة الموصولة إلى الأعماق وتسبر هناك وما أجمل المدخل ..حبوب ليش أسنويت حساس أكثر من اللازم .. لغة من رحمها ولد شاعرنا وتفنن بها ورقى حد البلوغ .
– وأغنية أشتي أسافر غناها الفنان المبدع الصديق الغالي والحبيب عبدالباسط عبسي
– وسَلام يقول فيها
عرج على أحبابي ..وحي الجمال في شامخات الجبال
حيث الهوى والحسن في الغيد حالي الدلال يفوق حد الخيال
ماحب مثلي وهام
عاشق محبه ..وسلام
سلام مني سلام
– وعلى امسيري غناها فنان العرب محمد عبده رقص منها العروس وأشجى مسامعها وهي تتربع على هودجها في ليلة هي أجمل ليالي العمر أخنلط فيها رائحة العطر والعود والبخور وهاتوا العطر ياهل البيت ..
وأغنية أخضر جهيش
– وياغارة الله غناها المرشدي باللون الصنعاني
– والا ياطير لو تندي الجناح
– وعدن عدن ياليت عدن مسير يوم ..معشوقته الأزلية وحبيبة قلبه الذي مانفك يحن إليها حنين المفارق عدن الشاطئ والبحر والرمل والناس والمدينة برائحتها الزنبقية الآسرة
– وكان ياماكان
– وشي لله
– ويابلبل الوادي.
– وأحبك رغم نار البعد ياقاسي
– وحبيبي يا أسمر
وكثير من القصائد الغنائية التي هيجت المسامع والقلوب والوجدان منها
– متى بالقاك
الا ياطير يالخضر متى بالقاك الليله
أنا ماوِاي بالجبال ومأواك أنت بالسيله
متى بانلتقي قل لي ترى الأحباب ياخلي
واحط الحمل في رحلي سرى ياطائر الليله
هذه الأغنية التي رقص لها الخال والخلخال في كل المناسبات فشنف بها الآذان وأطرب بها النفوس والأرواح في البادية والحضر
– وغصب عني غناها الفنان أحمد بن أحمد قاسم والفنان محمد عبده زيدي.

كثيرة هى تلك القصائد التي أنتجها شاعرنا الجابري والتي تمتلك من البوح والشجوى مايكفي لعالم، وبكل معانيها الساحرة التي تسبر في أغوار النفس وتتغلغل في اعماقها..
ولم تكن القصائد الغنائية وحدها هى نتاج عمله طيلة مشواره المتقد ،بل هناك العديد والعديد من القصائد الأخرى والتي لاتعـــــد وقد صدر له ديوان عناقيد ملونة يحوي غزارة الشاعر وتنوع أدبه المتعدد
وله من الشعر الحديث الكثير كما أشرنا سابقاً ففي قصيدة في داخلنا يموت الشعر يقول في مقطعها الأول
الشعر
في عيني حبيبتي..
فلقتا حبة من عنب
وخصلتا
شعر من حرير
وقطعتا شال من كتان
فيهما ..تطل أطراف
أصابعي
تنقش بالضوء
المخلوط بلون الحبر
مقاطع من قصيدة
غنائية
لم تكتمل بعد

وفي المقطع الخامس
من قوس قزح
تتجمع الألوان في كفي
ويتساقط رذاذ المطر
من وجهي

تتحول أشعة الشمس
ساعة مغيب
إلى قصيدة شعر ملونة
تتساوى فيها عندي
كل الألوان
شاعرنا الجابري رغم محافظته على الأسلوب البيتي في القصيدة العمودية نجده شاعر مجدد ليس في محتويات قصائده فحسب بل في بناء هذه القصائد القائم على تعدي النمط التقليدي إلى ابتكار جمل وصيغ شعرية نامية
وفي قصيدة مقاطع من سفر الخروج
المقطع الأول
تساقط المطر في عيني
كسحابة مثقلة بالبكاء
وكان الطقس استوائياً
ينضح بالرطوبة
ويزكم أنفي بالرذاذ
2
في المساء
كانت نافذتي تطل على
البحر
وترقب السفن في المرفا
وهي تناَى وتقترب
في حركة دائبة
– وكذلك مسار الوحدة
وفي المساء
كانت النجوم تلبس الحداد
وزرقة السماء قد تحولت
إلى رماد
لو أنهم توحدوا
يحملهم على جناح غيمة
مدار
إلى مشارف الذرى والحب
دونما شجار
وله من الرباعيات مايفيض ذكرنا منها أنفاً وفيها كانت تجربته الشعرية أكثر أيغالاً في الذاكرة كما يقول لأنها تمتد به إلى الطفولة حيث كان للبحر وصفاء وجه السماء الملبد ببخار الماء تأثيره في تكثيف الصور الشعرية والتقاط المفردات ذات الإيحاء المعبر والمدلول النفسي الخاص والصدق في التعبير عن الغربة التي عاشها الشاعر .
وكذلك من روائعه الموشيحات الجميلة والتي يحويها ديوانه المتميز أيضاً ذكرناها سابقاً
أذكر منها
قصيدة في أمسية حالمة
يَانجُوماً عانقت زهر الرُبى
فأنتشت ليلاً بِطيبِ الأترجِ
*
لاتغيبي عن سمائي ريثما
أرتوي منك وأسقي مُغرما
بات مثلي يشتكي ليل الظما
*
كلما مرت بنا ريح الصبا
وأثارت بالنوى قلبَ الشجِي
أي ليل للندامى إن خََبا
ضوءُ قنديل بجفن أدعجِ
*
من غزال شارد حالي اللمى
نَد كالبرق وولى مُرغما
عن سماك ..ليس لليل سما
كتب الموشحات التي أتسمت بالتعبير عن قضايا لغوية وفنية وتاريخية كانت تمثل رؤى مخزونة في ذاكرته الثقافية

أعود وأشير هنا إلى أن الأستاذ الجابري لم يكتب قصائده في بلاط مجالس الخلفاء والملوك والسلاطين مبتغياً المال والشهرة كما فعل البعض لكنه عاش حياته بشرف ومعزة رغم الظروف السيئة التي تكتنفه معظم الأحيان هكذا عرفناه واثباً متجدداً فوق كل الظروف ولم تقع حوافر خيله الشعرية على حوافر خيولهم بل ظل نفساً مميزاً وأسلوباً لايدل على غير صاحبه .
ستبقى قصائده تتردد على جنبات الشاطئ المديد ولن تستطيع أمواج البحر الصاخب مهما تعاظمت أن تمحو أو تبتلع شيئاً من تلك الأصداء الجميلة.
كما أنها ستبقى في قلوب كل أبناء الوطن وفي عبق التراب الأصيل لهذا الوطن…
ولم يتعب شاعرنا أن يواصل مشوار حبه وشعره ومهما تعبت قدماه وتعاظمت ظروف المعيشة فهو لايزال يملئ مشاعرنا وعواطفنا حباً ولايزال خصبه يتجدد ومزنه يروي عطاش قلوبنا وسهول الخضراء وروابيها بحصاد الرحلة كلما طالت وتعمقت المحيطات والأسفار..

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!