الأنا الفخيم والآخر المليم:قراءة في نص أسفار النبوءة للشاعرة العامرية سعد الله .

بقلم منصور ابو نضال

كلما اعترضني نص للشاعرة المبدعة العامرية سعدالله وقراته ثم حاولت ان اغوص فيه تملكتني رهبة شديدة ان اخدش بلور مبناه أو اخمش لحم معناه ليقيني بحجم مادته الادبية وادراكي بقصوري عن السباحة في يم النقد وافتقاري لادواته الفنية ، الاّ أنني في كل مرة أتجاسر وأفعلها لما اجد فيه من الحاح عليّ للمغامرة لما يتركه فيّ من أثر الدهشة وتمكن صاحبته من انفاذ سحر البيان في ّ .
العنوان وهو العتبة الاولي المغرية : أسفار النبوءة
معجم لصيق بالميتافيزيقيا في صيغة اضافة جمع لمفرد حتى كأنه نداء خفي للآخر (الجماعة) لادراك الفرد (الأنا/الشاعرة) ومن ثم تحقيق كينونته بها وذاك لعمري تصرف في ناموس علاقة الافراد بالتجميع بواسطة مفهوم لغوي هو المضاف والمضاف اليه . فالشاعرة مدار العمل الشعري مهما اخفت عنا تضخم هذه الأنا وحاولت تمويهنا ببث مطروق لضمير الخطاب أو الغيبة طي ما سيأتي من المقطوعة .
المقطع الاول : اخباري في الظاهر عن الشاعرة اختارت له نمطا متحركا بقوة الافعال “المفتوحة” بالدلالة المنسوبة اليها : أشرع نافذة .. امد ساقي في سماء …فكل من الاشراع والمد تطاول على المكان عصي التحديد فيه الاول على الهواء والثاني على سماء وتقفل بحلم مصرح بافلاته من القيس هو أيضا “لا حدود لأحلامي” … هذه الزئبقية المقصودة الغاربة عن الملموس عينة تقول انني أكبر من الحجم والكتلة والفضاء تدعوك ان تكون صائغا مشاركا للنص لكن بالرجوع الى منظومة اختارتها لك الشاعرة ذاتها لانها كما قلنا في بداية التحليل هي مدار الحكي وقطب الرحى فيه فتلزمك باستنفار الاسئلة متى وكيف والى أي حد ؟؟؟ وبذلك يتزاوج الاسلوب وحدّ الاخبار ليصير في عمقه انشاء .
المقطع الثاني : يتوكأ من مفتتحه على الصدم والرهبة : نيزك ملتهب / تتشظى / جند … في استحضار آخر لمعجم ميتافيزيقي : الهدهد / ملكة سبأ ..لتسهل لك عملية ولوج الباب او “النافذة المشرعة” على قدر من تأمين خروجك بمعجزة من جولة استكشافية راصدة لحرب مندلعة تدور على نيزك مشتعل متقد الأوار وعساها نفس الشاعرة. وبقدر ما ترهبك الشاعرة ترغبك في خوض التجربة لاقتحام النص معها وبها واهبة لك عهد أمان مغريا … الم نقل انها مدار فعل الكتابة والقراءة معا .؟؟
المقطعان الثالث والرابع : امعان في أخذك بقوة جانحة مرفوع عنها القلم : أمواجٌ جانحةٌ / تجتاح /فأس / تقرع / عاصفة….. لكن في ثنائية ألزمت بها خطها الابداعي : معارج القلب / جنح فراشة /السكينة / المطر / النهر ….. كل ذلك لتحفيزك ان تغامر لتوغل اكثر في النص .. ولا تأخذك الريبة . وتعرج بك الى :
المقطع الاخير : أسطره الأربعة الأولى كيل من القول متوازن النصاب سطران منفران وسطران مبشران للآخر ، من (الأنا) المربية الأنا الكوتش وهي تمنحه الفرصة الأخيرة ليكون شريكا فعليا لخامة النص وملامح الرؤية لنحت الكينونة الخاصة أولا والمصير المشترك آخرا :
” ماؤك الراكد يفور
على شفا بركان أهوج
فهيّئ نفسك للغوص
واغتسل من هيئة الظن ”
فهل يجرؤ هذا الآحر على المقاسمة في عمقها ؟؟؟
كلا . فكأني بالشاعرة تعززت لديها قوة الايمان بفرادتها .. وقطعت مع سيرورة محاولة الاندماج في الآخر أو معه وأطردته من مملكتها المخصوصة في لهجة تقريرية آمرة زاجرة مفاجئة متخلية عن أية أداة للربط لكي لا يستبطن المخاطب أي استباق طامع في التجاوز : “دعني أرسم نبوءتي الجديدة” … هذه النبوءة انفتح بها النص لينغلق عليها معلنا أن تطهير العالم من حماقاته هو عمل مخصوص بالأنا الشاعرة دون رفد أو سند من خارجها ..
” الشاعر منصور أبونضال / غمراسن في : 09 / 07 / 2023
…………………………………………………………………..
………………………………………………………………………………………………………………………
النص
……………..

أسفار النبوءة
أشرع نافذة
أمدّ ساقَيّ في سماء بلا غيماتٍ
الغيماتُ عقيم
ولا حدود لأحلامي.
* *
رأسي نيزكٌ ملتهب
تتشظى فيه ألف حكاية
نسجها هدهدٌ
وخبأها عن جند بلقيس.
* *
نظراتي أمواجٌ جانحةٌ
تجتاح جسرا
يعبر معارج القلب
باتجاه عاصفة الرّيح
تحت جنح فراشة
أغواها دفءُ النار
فارتمت فيها..
* *
يداي فأس تقرعان طبول
سكينتك
فتمطر على ضفاف نهر
بسط كفيه لغنائي..
* *
ماؤك الراكد يفور
على شفا بركان أهوج
فهيّئ نفسك للغوص
واغتسل من هيئة الظن
دعني أرسم نبوءتي الجديدة
وكلما تذكرت تعاسة العالم
أرقم أسفارها من جديد
وأقدّ طائرة من ورق
تحطّ بي على البحر الميت
الذي يتوسد نافذتي
تحت سرير بلا غيمات

“”العامرية سعد الله “”

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!