التقنيات السردية في المجموعة القصصية” معزوفة المجداف للقاص / فاروق مريش.

آفاق حرة

كتب :علي أحمد عبده قاسم. اليمن.

لايخفي على أحد من ماللفن القصصي من فنيات وتقانان سردية وهي تلك العناصر القصصية تتميز بها أجناس السرد من زمان ومكان وشخوص وعنونة ونهايات ومفارقات وغيرها ومن خلالها يستطيع المبدع أن يتميز وأن يتلاعب بالقارئ من خلال تناول قضاياه من تلك الفنيات ويستطيع أن يتميز كمبدع من خلال التلاعب بالفنيات السردية أثناء تناوله لفكره ما.
وإذا تاملنا المجموعة التي بين يدي القراءة من خلال تلك الفنيات والتي سنتاول بعضها من خلال هذه القراءة .

أولا العنوان: يشكل العنوان أهمية كبيرة وقد أولته الدراسات اهتماما كبيرا بوصفه العتبة الأولى التي يلتقي بها القارئ وتلك العتبة تتفاعل مع بقية الدلالات التي تشتمل عليها مضامين النصوص، ومن خلال العنوان يستطيع القارئ أن يسبر أغوار النص ويولج إلى دهاليزه جاء مركبا من المضاف والمضاف إليه” معزوفة المجداف” وكل طرف من الاسم المركب يكمل الآخر في الدلالة والمضمون، فإذا تأملنا الأصل اللغوي” للمعزوفة” فسنجد أن أنها تأتي من الجذر اللغوي” عزف” والعزف هو( صوت الدف، وصوت الرمال إذا حركتها الرياح وهو الوتر المتكرر بألحان معينة، وعزف الموسيقى: تكرار ألحانها
وعزف بآلة موسبقية لعب بأوتارها فأصدرت صوتا.
وعزفت الرياح: تحركت.
وعزف لحنا: أداه بآلة موسيقية.
أما الجذر اللغوي” للمجداف” فإنه يأتي من الأصل ” جدف”.
فيقال: ” جدفت السماء بالثلج” رمت به.
وجدف الرجل بمشيه: أسرع
وجدف الطائر بجناحيه .
وجدف الحادي: قطع صوته.
جدف الملاح: سير السفينة.
ومن خلال الدلالات يمكن استخلاص مايلي:
– أن المعزوفة للمجداف هي تلك الأحلام التي والقضايا التي يرغب أنةتتحقق.
– غلب على الدلالات الصوت والتحريك والتسيير وكأن المبدع يحيا ومعه في عالم راكد محتاج للتحريك.
– في الدلالات طرب وموسيقى وكأن الحلم الذي يبحث عنه مضمون النصوص حلم وأمل فيه من السعادة والطرب والأنس الكثير.
– في الدلالات انتقال من حال إلى حال التجديف بالقارب فالنصوص غير متقبلة للحال في الوقت الحاضر.
ومن خلال تلك الدلالات يمكن القول أن العنوان العام للمجموعة وفق نوعا في اختزال مضامين النصوص خاصة وأفكار النصوص التي جاءت في المجموعة قضايا اجتماعية ووطنية وإنسانية فالعزف والتجديف منشغل بالهم الإنساني والقضايا الاجتماعية.

ثانيا التنقلات السردية: نعلم أن القاص الحاذق هو من يتلاعب بالقارئ من خلال التنقلات السردية مابين الماضي والحاضر والمستقبل ويخلل تلك أما بمشاهد وصفية أو اقتطاع زمني من خلال الحذف وغيرها من التقنيات وعلى سبيل المثال في نص” قبصة الاستقلال”
هذا النص الرمزي الجميل استطاع القاص أن ينتقل بالقارئ من الماضي في الحديث عن الخطيب في منبر الجمعة” قبصة الرجل العجوز ألهبت جسدي حين سمع وشوشتي وهو يصرخ( الوحدة أو الموت”
كان ذلك حين في الصف الخامس، وكانت الأستاذة سامية تحدثنا عن العلاقة الحميمية بين ثورتي سبتمبر وأكتوبر)
ينتقل للحاضر حين يتحدث الراوي عن قرار الأسرة زيارة الجد محمد في عدن:(( بعدها بعامين قرر الأهل زيارة الجد محمد في الذي يعمل صيادا في صيرة منذ أكثر من خمسين عاما”
يأخذ الراوي المتلقي للحاضر المرتبط بالمستقبل” رمقته ذات غروب مع صحيفة أشبه بعشيقة يقلبها بين يديه، كتب على واجهتها قبصة الاستقلال”
وهنا مفارقة مابين الحديث عن الوحدة من الأستاذة سامية إلى الحديث عن الاستقلال وهي مفارقة رائعة تظهر غلبة المصالح على مصلحة الشعب.
ويأتي بالاستباق وهو توقع أحداث جديدة تجعل من المتلقي يتابع أحداث القصة حيث يوجه الجد محمد إلى بطل القصة بعد أن قرأ عنوان الصحيفة ” تعال ياليد بهبلك شكليت.”
لتأتي النهاية من ذلك الاستباق” قطعت كل سعادتي قبصة سقطت على ذراعي كمذنب أصطدم بالأرض فأوقف دورانها حول الشمس مفادها” ياليت لاتأخذ الشكليت” ليشير إلى خيبة فلن يحدث ماتمنى الجد والصحيفة.
وبعض النصوص لاتختلف عن تلك التنقلات الرائعة.

ثالثا النهايات: القاص المتمكن هو من يستطيع خلق البداية المشوقة التي تشد القارئ لمتابعة النص حتى النهاية وقد تأتي البداية وصفية او فلسفية أو حتى واقعية حسب تمكن المبدع وكذلك النهاية من الضرورة أن تاتي النهاية والتي قفلة صادمة أو مضمرة أو مفتوحة او فلسفية فالنهاية تترك في ذهن القارئ آفاقا للتأويل ولاتكون نهاية سعيدة باردة ترضي القارئ البسيط.
وإذا تأملنا نص ” قبصة الاستقلال” فإنه جاء بنهاية رمزية تحيل لانتهاء الفرحة وخيبة الأمل لاسيما والعبارات التي سبقتها
أما في نصوص القصة القصيرة جدا والتي تضمنت المجموعة عددا منها قد تصل العشرة فجميعها جاءت بنهايات صادمة وساخرة
كمثل نص” سلمية”
( كان العربي يبحث فقط عن ” القول”
وبعد ثورات وردية ….
صفق لها العالم!
لمحناه يجر خيمته مطالبا ب” حرية البول.”
النهاية الصادمة جاءت من التشابك من المفارقة في البحث عن حرية القول والديمقراطية إلى التحول المطالبة بحرية التبول التي لاتحتاج لمطالبة فهي حق ودافع لكل الناس يمارسونه متي ماجاءتهم الساعة البيولوجية. فالنهاية من التجانس مابين دالالة حرية القول ودلالة المطالبة بالحرية البيولوجية.
وتأتي صدمتها في استمرارية الاستبداد من شديد إلى ماهو أشد منه.
وكذلك في نص ” بحرء”
” رحل الجبل، تسلل بصمت
عاش خفيف الظل غادر بشكل اخف… ظن أنه سيبربح من انزياحه.
اشتدت الآه هوت في أعماقهم… لم يظهر جبل جديد.”
المفارقة مابين الرغبة في الانزياح ليس لظلم الشخصية بل بغرض الربح الذي يتحول إلى خسارة وآلام فجاءت النهاية تشير للخسارة المصحوبة بالحسرات والآلام
لكن في نص مروءة والذي فكرة الخسة بقالب الشهامة جاءت النهاية غير موفقة
وكذلك في نص استلاب.
ملاحظات.
– العنوان موفق نوعا في اختزال مضامين فما من حيلة للإنسان سوى التجديف بالأمل، وجاءت العنونة الداخلية موفقة في كثير من النصوص كمثل” استلاب. سلمية ، إيثار، أدوية، فقر وغيرها. لأنها جاءت تفتح آفاقا للتأويل ومفتوحة على القراءات المتعددة فهي من كلمة أو كلمتين وإن بعضها مفضوحا، إلا يفتح إنه آفاقا للتأويل.
– أحيانا القاص يأتي بنهاية صادمة ويكون النص في كلمة ما نصا مكتملا إلا يواصل ليأني بنهاية جديدة وهذا قصور يخل بكثيف النص” لحن الحرية”
” لحن واحد ورقص مختلف ، لعصفور يشعر به أكثر من شعور الإنسان بمثيله في قفص.
كل يوم وبنفس الموعد، والمارد نائم. وهو خلف القمرية مستمرة قيوده… وهو مستمر بالغناء.”
النص اكتمل هنا ولكنه يواصل ليأتي بنهاية جديدة.
– النصوص واقعية اجتماعية في مجملها ولكن في القلة من النصوص ينقل الواقع بحذافيره وهذا قصور لأن ذلك يحول النص إلى حكاية فمن الضروري أن يمزج الواقع بالخيال والتنقلات فالمتلقي تغريه الكذبة السردية أي نمزج الخيال بالفتنازيا لنصل إلى الصدق وإلى ماوراء الحقيقة وليس الحقيقة فقط ولعل أبرز مثال الكذبة السردية المدهشة هو نص” بحر”
وهنا لا أقلل من قوة المجموعة في مجملها والتي تعد إضافة سردية جديدة للسرد اليمني، ولكن كي يتلافى القاص الهنات مستقبلا.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!