الصراع بين الخير والشر في رواية (ملائكة فى الجحيم ).للروائى نشأت المصرى

رؤية نقدية للأديبة السودانية..أريج محمد احمد .

مدخل :
عن طريق متابعتي لصفحة الاستاذ نشأت قرأت منشورا يشير فيه الى صدور روايته ( ملائكة في الجحيم ) ووضعت تعليقاً أشرت فيه إلى العنوان اللافت للانتباه وكيف أنه وبرفقة صورة الغلاف يضع القاريء أمام حالة من التشويق لسبر غور المحتوى
تلا ذلك اطلاعي على بعض المقتطفات من نفس الرواية وشدني الأسلوب المتميز وروعة التفاصيل وأيضا وضعت تعليقاً فحواه أمنيتي أن أقرأ الرواية كاملة وبمبادرة كريمة من الأستاذ نشأت قام بارسالها الكترونيا في التفاتة كريمة منه .

ملائكة في الجحيم الرواية التي أعادت إلى ذلك الشعور الرائع الذي كان يعتريني في بدايات شغفي بالقراءة مع روايات كبار الروائيين الذين شكلوا جزءاً أساسياً من ذائقتي الأدبية ، بدأت القراءة والانغماس في التفاصيل ومابين السطور فجاءت الرواية متناسبة تماما مع عنصر التشويق الذي بشرني به عنوانها …
اعتمد الكاتب بالنسبة للتوقيت الزماني الوقت الحاضر أو المعاصر مع بعض حالات الاسترجاع والتي كان لواحد من أبطال الرواية المحوريين الدور الأكبر في طرحها ، وهذا يقودني إلى الإشارة إلى توزيع الأدوار في الرواية بصورة تكاملية وكل شخصية كان لها دورها الفاعل والمؤثر في سير الأحداث
أما فيما يتعلق بالفضاء المكاني فقد ترواح مابين القاهرة وبعض الدول والمدن التى تظهر تباعا حسب تنقلات أحد أبطالها ، وتجدر الإشارة الى قدرة الكاتب على رسم المكان بالكلمات رسماً دقيقاً وكأنه يستخدم كاميرا تنقلك إلى هناك وباهتمامه بأدق التفاصيل حتى تكاد تشم رائحة كل مكان وتتنسم هواءه .
عقدة الرواية كانت قضية الفساد في المجال الصحي او الحقل الطبي من خلال قصة الطبيبين بهجت ويحيى بكل منحنياتها وتداعيات هذه المشكلة وتأثيرها على المجتمع ككل وطرح ذلك من خلال شخصيات الرواية التي ترواحت مابين الأطباء والممرضين وذويهم والمجتمع من حولهم في صراع محموم بين الخير والشر ، مثلت شخصية الدكتور بهجت عنصر الخير والنموذج الأمثل للطبيب( الإنسان ) وذلك من خلال اشتغال الكاتب على مشاركة الكاتب للقاريء فى تصورالكثير من تفاصيل الشخصيته المهنية والاجتماعية وكيفية تعاطيها مع الحياة من خلال هذه المهنة التي تفرض
سلوكاً اجتماعياً أساسه الرفق والرحمة وعلى النقيض تماماً تأتي شخصية الدكتور يحيى هذه الشخصية التي هي من السوء بمكان والتي نشأت أساساً على تراكم من الأحقاد في مراحل مبكرة من العمر تجاه شخصية بهجت أدخلنا الكاتب في تفاصيلها عن طريق استرجاع الدكتور يحيى لها وكيف أنها وبالرغم من كونها تصرفات واحداث عادية إلا أنها شكلت منه شخصية حاقدة أنانية وتجلى الكاتب في التحليل الذهني وعكس طريقة تفكير الشخصية وكيف أنه سخّر كل حياته للانتقام من بهجت والتفوق عليه مع ملاحظة أنه في قرارة نفسه وفي كل مقارنه يعقدها بينه وبين بهجت كحديث للذات يكتشف أن بهجت دائماً في مكان أفضل .ومن خلال هاتين الشخصيتين المتناقضتين تماماً عشنا تفاصيل هذه القضية الشائكة مابين عنصري الخير والشر وكيف استغل بهجت مهنته ليكون رسولاً للإنسانية بين مرضاه وخاصة الفقراء منهم رغم فقره وتجاوز محيطه عند انتقاله للعمل الطوعي في غزة والصومال وملبيا نداء الواجب في الصعيد دون تذمر فالطبيب يبقى طبيباً في كل مكان وزمان ومع كل إنسان أينما وجد ،وبين أسرته التي تمثلها أخته التي كان لها خير معين وسند ومن ثم زوجته،مع التطرق لبعض حالات الضعف والإرتباك التي واجهته ليُخرج الكاتب الشخصية من إطار المثالية المطلقة ويجعل منها نموذجا انسانياً واقعياً للنزاهة وموجودا بيننا .
يعمل بهجت على محاربة موجة الفساد التي اجتاحت هذا المجال الانساني والتي كان يقودها بجرأة ووقاحة الدكتور يحيى وفريقه وقدموا لنا النموذج الفاشل على كل الأصعدة أخلاقيا ومن ثم مهنياكنتاج طبيعي لهذا المناخ.
الحب في ملائكة الجحيم كان حاضراً وبشقيه حب المصلحة وحب الذات وحب الشهوات والحب النقي حب الآخر وإيثار الغير على الذات حب البلد والأسرة حب الحبيبة وتلك القصة المنسوجة في لطف وتأني بكل منعطفاتها بين الدكتور بهجت والدكتورة نرجس
ونجاحها رغم الكثير من المؤمرات التي واجهتها ، كذلك تلك العاطفة التي نشأت بين الدكتور بهجت وفكرية في الصعيد ، وكيف أنها جاءت كلمسة حانية على قلب بهجت في فترة انقطاع العلاقة بينه وبين نرجس . إن شخصية فكرية بنت الصعيد (الجدعة) المتفهمة الواعية رسمها الأديب نشأت المصرى في صورة راقية جدا فتعاطفت معها كثيرا.وهكذا تتوالى الأحداث حتى تصل بينا إلى زمن جائحة الكورونا ، وقد راق لي هذا الجزء إذ كنت في شوق لأن أقرأ عن هذه الجائحة في عمل روائي ولم يكن ذكرها في الرواية اعتباطا اًو حدثاً القصد منه فقط التوثيق ، بل على العكس تماماً تمكن الكاتب من فتح طاقة نور في هذا الظلام المخيم بظلاله على هذه المهنة ليعكس لنا همة وعزيمة الأطباء وكيف انه هناك رغم الفساد الكثير منهم من يتفانون في درء هذه المحنة ويقدمون كل شيء ويضحون حتى بأرواحهم
في سبيل مراعاة وانقاذ المرضى بمالا يدعوننا إلى التعميم .
هى رواية جامعة ، قدمت نموذج الفساد في المجال الصحي في مصر ولكنه وللأسف نموذج يمكن تعميمه في معظم الدول العربية ، دقت الرواية ناقوس الخطر وشرحت الداء بطريقة واضحة دون مواربة ، كما قدمت لنا عنصري الخير والشر في تركيبة النفس البشرية وكيف أنه من الممكن ان يصنع كل فرد من حياته وباختياره نموذجا يرفعه أو يؤدي به إلى الهاوية كل ذلك من خلال التربية والنشأة والإيمان والقناعة وألا يمحور أي فرد حياته أوطموحه حول شخص بذاته سواء بالرغبة في تحطيمه أو أخذ مكانته وما له ، الرواية أسست جيدا لفكرة العطاء وكيف أنه بامكان اي شخص أن يبذل ويعطي بغض النظر عما يملكه فالعطاء سلوك قبل ان يكون مالا أو مقتنيات ، كما عززت مفهوم الرحمة والشعور بالآخرين .

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!