العتبات النصية في المجموعة القصصية ( هوس) للقاصة / نبيهة محضور

بقلم: علي أحمد عبده قاسم.

تعد العتبات في النص الأدبي من أهم الإشارات التي تحيل إلى دلالة النص وتتوازى مع مضامينه وهي: (( من توجه القارئ لقراءة المتن القصصي وتساعده على مزيد من التلقي والتأويل وهي مجموعة العلامات التي تسبق المتن القصصي ولايكتمل المنجز إلا بها
وهي صورة الغلاف والعنوان والمقدمة ، والإهداء، والعناوين الداخلية وكلمة الناشر))1
أولا لوحة الغلاف:
(( يعتبر الغلاف واللوحة الأمامية والخلفية من اهم العتبات للولوج إلى فضاء النص ويبنيان أفق انتظاره ولايمكن للقارئ الشروع في قراءة النص دون أن يقف على هذين العتبتين إذ بها تنفك مغاليق النصوص وبالصورة تترسخ المجموعة))2
والقاص من خلال لوحة الغلاف ياتي بمضامين ودلالات تستفز القارئ وتستري انتباهه مما يجذبه للإقبال على النصوص
وإذا ما نظرنا إلى لوحة الغلاف فقد جاءت لوحة ( تجريدية) غير واقعية ولكنها تحيل للواقع من مزيج الألوان الزرقاء، والحمراء والسوداء ،والبيضاء، ورؤؤس البشر فربما جمعت اللوحة ألوان الحياة من خلال ماتحيل إليه الألوان في اللوحة فقد تحيل للحب والحرب، والياس ،والتفاؤل والأمل والصراع لتشير اللوحة إلى نفسيات كثيرة وعلاقات متشعبة وأحلام مختفية لاسيما والإنسان غارق بالألوان وهي تعبير عن الإنسان والوطن والذات لاسيما والالوان تعبير عن حياة الإنسان وصراعه الوجودي مع الحياة وصراعه مع علاقاته.
وإذا كانت الألوان قد أشارت لتلك الدلالات فإنها جزء لايتجزأ من دلالات النص ومضامينه في الحب والحرب والعواطف والفقر والفاقة وغيرها.

*ثانيا العنوان الخارجي:

يعد العنوان العتبة االتي الموازية التي تتفاعل مع دلالات النص لاسيما وإن للعنوان معنى اختاره المبدع بعناية ليتواءم مع مضامينه وأفكاره ودلالاته في مختلف النصوص .
وللعنوان (( إشكالية ترميزية وإيحائية٣) فلا لابد أن يثير انتباه القارئ خاصة وأنه لوحة إشهارية للعمل الأدبي وعليه يتوقف الإقبال على المنجز ، أو الانصراف عن المنجز لذلك ققد أولته القاصة اهتمامها وجاء مصدرا من كلمة ( هوس) وقد قال: عنه الدكتور إبراهيم أبو طالب بأنه: ( ” هوس ” عنوان إشكالي من البداية، فلعه يعبر عن الهوس بهذا النوع السردي٤)
: ( العنوان جاء محترفا فالنص السردي يحول المتلقي إلى مهووس في متابعة دلالاته ومضمون رسالته وجاء العنوان غير مغلق، بل مفتوح ومحمل بدلالات كثيرة .٥)
وقد نجح العنوان في إثارة انتباه المتلقي من خلال إشكالياته الدلالية والرمزية وربما ميز المجموعة عن غيرها وإضاف لها هويتها وقد يرتبط مع مرور الزمن العنوان بالكاتب والمبدع لما له من جده واحترافية وابتكار وجاء والعنوان: (( خطاب إبداعي له دلالته المحورية٦)) سواء على النصوص، أو مستوى التأثير في المتلقي
وقد يقول قائل : أن العنوان جاء مكشوف وجاء عنوانا لنص من داخل المجموعة ولكن العنوان لم يعد مغلقا على النص، بل على النصوص كلها ففيها( هوس) وأحيانا يقف المتلقي أمامها مندهشا. ليس فحسب تحول نص ( هوس) من دلالته العاطفية المجنونة إلى العشق للنص القصير جدا والعشق للوطن وللحياة والقيم.

ثالثا العنونة الداخلية:

( يجب أن تحقق العنونة الداخلية للنصوص القصيرة جدا ميزة التكثيف والاقتصار على كلمة٧)
وأيضا يجب أن(( تأتي ملفتة وليست رقما أو أرقاما٨)) وأن تكون غير مغلقة وقابلة للتأويل، وألا تكون كلمة من النص حتى لاتكون مكشوفة مفضوحة ليس فحسب ، بل ويجب ( أن تحقق الخاتمة الصادمة مع النهاية٩
)
وإذا تأملنا العنونة الداخلية يمكن أن نجمعها في حقول دلالية كالتالي:
1- حقل الوطن وانشغلت النصوص التالية: ( منفى ، موكب، فقد شعارات ، استغلال ، مصلحة ، حصاد، حقد، سياسي ، سفاح . تهاون، أفق، عقيدة ، هوان، ضلال، وطن ، بطولة .يمن . بغي، خيبة، نفاق ))
ومن الملاحظ أن العنونة الداخلية تناسبت مع مضامين الوطن وقضايا ففي نص منفى يتحدث عن فكرة الاغتراب وحين يتحول الوطن إلى منفى ويشعر المواطن بأنه ويظل عالقا في الحدود أو في مطارأت يتسول وطنا فلم بسمح له بالعودة فلم يعد يمتلك وطنا
(( منفى
أغلقت أمامه الحد، صار عالقا، وعلى رصيف الغربة .. يتسول وطنا.٩))
فالمفارقة مابين الحق وضياع الحق وبين الشعور بالانتماء واللا انتماء ولم يعد الوطن ملكا للجميع.

٢- الحقل العاطفي وانشغل بالعناوين التالية: ( إغراء، نسيان، رومانسية ، صقيع، تنازل، غرق، تطهير ، ارتواء، صدى، جزاء، ميت، وفاء، خيانة، عقاب، حكم ، إهمال ، كيد، طموح ، قبلة، استثناء ، ترقب، سجن، حكمة ، تواطؤ ، سقوط ، نكران، فيدرالية، فلانتاين ، هوس ، هيام … الخ..)
ولايختلف هذا عن الحقل السابق فقد تناسبت العناوين مع القضايا العاطفية كاالخيانة والوفاء وزيف الحب ومنها نص (( قبلة
توضأت بالحنين، أحرمت بثياب الشوق ميممة بإتجاه فؤاده، طافت في محاريب محبته.. بينما كان ساجدا في قبلة أخرى١٠))
الحقل الاجتماعي وانشغل بالنصوص الآتية : (( حرمان، عقوق.، حنين، خيانة، عقاب، أناقة، ترقب ، سجن ، مسؤولية ، التزام، جشع، حلم، مساومة، الخ.))
ولايختلف هذا الحقل عن الحقول السابقة فقد تناول قضايا اجتماعية كالفقر والجوع والطفولة وزواج الصغيرات وغيرها
ومن ذلك نص( فاقة
تنكر بزي شحاذ خجلا ليشبع صغاره.. وجد الكثير يشحذون بوقاحة باسم الوطن.١١ ))
ومن خلال الحقول يلحظ القارئ بأنها جاءت من كلمة واحدة، وتميزت
بالكثيف والاختزال اللذين تتميز بهما القصة القصيرة وجاءت مثيرة وملفتة ليس فحسبت توازت العناوين مع الدلالات فالمتلقي يلحظ ان حقل الوطن العناوين متناسبة مع دلالات الوطن ( منفى ، استغلال، موكب .. الخ) ومتناسبة مع الأحداث ولاتختلف عنها العنونة في الحقل الاجتماعي فقد تناولت هموم الإنسان الحياتية وانشغلت بالمراة والطفل والحياة الاقتصادية ومن دلالتها أنها أوضحت رؤية المبدع تجاه الحياة والهموم الإنسانية وتناولت الظواهر والقيم وعلاقات الإنسان لتخلق مفارقات مستفزة
أما في الجانب العاطفي فقد تواكبت العنونة مع المشاعر والعواطف ( إعراء ، رومانسية ، صقيع ..)) مما يدل على احترافية عالية.
ولكن هل جاءت عناوين مكشوفة؟
جاء نزر بسير من العنونة المكشوفة ولكن أن العنوان المكشوف مفتوح قابل للتأويل وغير مغلق ويتراابط مع الخاتمة والمفارقة والنهاية.

رابعا الإهداء:

يعد من العتبات من أهم العتبات التي تربط المتلقي بالمبدع وهي عتبة مضمرة وتعبر عن علاقات المبدع بمن يحب او تعبر عن المقامات والمنازل المختلفة التي أخذها أحباب المبدع في نفسه وقد جاء الإهداء في المجموعة لأعلى مقامات المحبة الأبوين ( لك الشروق الذي لايغيب …
إلى من سقتني العزة من حليبها لأبقى شامخة ( أمي) .
إلى الجبل الذي استند على ذكراه كلما غزاني الوهن ( أبي) ))

 

خامسا الاستهلالة (( المقدمة )):

وغالبا ماتأتي تعبيرا عن الكتابة وعشق الحرف وفي القصة القصيرة جدا تأتي ( تنظيرا للقصة القصيرة جدا))١٢》 مضمرات القصة القصيرة جدا محمد يوب ص٢٨
وجاء استهلال القاصة كما يلي: (( عندما يغص بها الوجع اكتب .. وعندما يضيق بك المكان سافر في أعماق الحرف١٣ )) ص١٢
ويعد إهداء وتعبيرا عن علاقة المبدع بالحرف وعلاقة الآخرين بالإبداع بوصفه متنفسا
وجاءت المقدمة بقلم الأستاذ الدكتور والذي أوفى المقدمة من الجوانب كلها ، فقد تحدث عن مفهوم القصة القصيرة جدا وقال: (( فن سردي عجيب ومدهش وخطير يجرح كأنه مبضع طبيب حاذق ويداوي وكأنه بلسم كأنه صيدلي خبير١٣))
وتحدث عن الخصائص هذا الجنس وقال: (( فن يستهوي القارئ لسرعة عطائه التي الوقت القلق العجل … وهو فن يكون يكون الاعتماد على خاصية مركزة جدا تنبي أساسا على خاصية الشعرية الأدبية١٤.))
وباختصار أوفى أبو طالب المقدمة فقد تحدث عن مفهوم والخصائص والنصوص والعنونة فلم يترك شيئا إلا وعرج حد أنه تحدث الذين يركبون موجة كتابة هذا الفن ويخفقون في كتابته(( وربما لم ينجح فيها الكثير ممن يحاولون أو يتصدرون لكتابتها.))١٣

سادسا الرؤية البصرية وفضاء الورق.

النص الأدبي حي ومفتوح وليس مغلقا ميتا وهو (( ليس عالما مغلقا ولا علامات بدون
ذات.)) مضمرات القصة القصيرة جدا . محمد يوب ص٥٠
خاصة وأن(( التوزيع والترتيب للكلمات والثبات والحذف وعلامات الترقيم تتحول مضمرات ودلالات من دلالات النص وسالته١٥))
خاصة (( وأن الخط وتناثر الحروف وشكل الورق يحول النص الأدبي دالا لمدلولات خفية.)
وتأتي علامات الترقيم وتوزيع الكلمات داخل لتشكل علامات ودلالات وربما صورا أيقونية لاسيما وأن علامات الترقيم : (( ذات خصوصية جمالية في النصوص القصيرة جدا ، حيث يتم التركيز على الحذف الذي ينجز من علامة الحذف والتركيز على التاثر وغيرها من العلامات حتى كتابة العنوان بالبنط العريض وهذا من شأنه توسيع مساحة القصة القصيرة جدا))
وإذا تأملنا نص واحدا من نصوص (( طموح
بعد عشرين سنة من التعليم حصلت على الدكتوراة بدرجة
ع
ا
ن
س. )ص ٣٧

– العنوان بالخط الواضح والبنط العريض
– توزيع الكمات بشكل مشتت وكأن الكلمة صرخة مدوية
نهاية الكلمة بنقطة ودون استخدام علامات ترقيم إلى النقطة
– فضاء البياض الورق الذي يريح النفس فالنص ومعظم النصوص في صغحة واحدة.
– الحذف من الكلمات ومن مساحة وكأن الأنثى محذوفة من الحياة في حالة عنوستها.
والنص يرسم قضية المتعلمة التي بددت عمرها حتى يعزف عنها الزواج.

ومماسبق يمكن استخلاص التالي:

– جاءت العتبات علامات سيميائية تحيل إلى دلالات مختلفة وتصب في قضايا الإنسان المختلفة.
– العنوان الخارجي مثير وملفت وموجز ومفتوح على القراءات المختلفة.
– العنونة الداخلية للنصوص جاءت من كلمة واحدة ومختصرة وتتناسب مع القصة القصيرة جدا وإن جاء نزر قليل من العنونة المكشوفة فهذا لايقلل من قوة المجموعة وجدية قضاياها وجرأتها المختلفة في طرح القضايا التي تهم الإنسان وتنشغل بهمومه وقضاياه العصرية.

الهوامش

1- د / محمد يوب مضمرات القصة القصيرة ص١٩
٢- نفسه محمد يوب 19
٣ د. حسين المناصرة القصة القصيرة جدا رؤى وجماليات ص١٣٥
٤- د. إبراهيم أبوطالب مقدمة المجموعة القصصية ( هوس) ص٣
٥- أ/ علي أحمد قاسم مقدمة المجموعة القصصة ( هوس) ص ٧
٦- د. حسين المناصرة القصة القصيرة جدا رؤى وجماليات ص١٠
٧- نفسه القصة القصيرة جدا رؤى وجماليات ١٠
٨- محمد يوب مضمرات القصة القصيرة جدا ص٢٨
٩- نبيهة محضور ( هوس) ص١٢
10- نفسه محموعة ( هوس) ص٣٨
١١- نفسه مجموعة (هوس)ص٩٩
١٢- مضمرات القصة القصيرة جداص٢٨
١٣- د . إبراهيم أبوطالب ( مقدمة المجموعة( هوس)ص٣
١٤- محمد يوب مضمرات القصة القصيرة.
١٥- علي أحمد قاسم القصة القصيرة في اليمن ١٣٦
١٦ – نبيهة محضور( هوس) ص٣٧.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!