النقد الآثم / بقلم : الكاتبة والشاعرة  التونسية سيدة عشتار بن علي

       قال لي يوما صديق ناصحا لماذا لا تتّجهين الى التخصّص في كتابة النّقد الأدبي ..بإمكانك ذلك ، وسوف يكون لك اذا طرقت هذا الباب سلطة أدبيّة، يحسب لها ألف حساب ..أوووووف ..السّلطة مغرية في الوسط الأدبي والثقافي تماما كما هي مغرية في الوسط السّياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وكيف لا تكون مغرية وهي الّتي تمنح الفرصة لبعضهم بتصدّر المشهد الثّقافي لامتهان الابداع وتزوير الحقائق عبر تضخيم ذواتهم وذوات المقرّبين منهم، فإذا بالعيوب والعورات بقدرة قادر تستحيل الى مزايا ..وماذا عساها تكون الّنتيجة حينئذ غير انهزام القيمة الإبداعية أمام المغالطة وانهيارها …طبعا صديقي الشاعر قال ما قاله في نصيحته أوّلا بدافع نرجسيّة الشّعراء المزمنة والمتوارثة، والّتي تجعل الكثيرين يرون كتابة الشعر حكر عليهم ولا أحد لديه القدرة على كتابة ما يكتبون ،وأمّا الدّافع الثاني لنصيحة صديقي فهو النظرة السّائدة للنقد فالنّاقد حسب هذه النّظرة قيّم مطلق على الأدب ان شاء ينزل به الى الحضيض أو يحيطه بهالة أسطورية ،مضفيا عليه من السّمو والجودة والإبداع ما ليس فيه …ومعه حق ففي غياب النّقد العلمي الّذي لا مجال للمراوغة فيه من الطّبيعي أن يتفشّى البديل المنتهك لعلم النّقد ، وكلّنا نعرف أن الكثير من الدّراسات النقدية تكتب تحت الطّلب والأهواء ،أو مع سبق الإصرار والتّرصّد ..تكتب حسب المصالح ..حسب المزاج الشخصي للنّاقد ومشاعره الذّاتية الدّفينة أو المعلنة، فنجد في هذا الاطار ما يمكن أن نسمّيه بالنّقد الانتقامي أو الإرهاب النّقدي، حيث يعمد الناقد الى اطلاق سهام حقده على ضحيته ،بنقد آثمٍ يفتقر إلى المصداقية والموضوعيّة العلميّة متعمّدا التّشهير بالمستهدف من الأدباء، قصد هدمه فيكون نقده أشبه ما يكون بفخ ينصبه في طريق المنقود واغتياله دفنا، وهو على قيد الحياة وهذا معروف في أوساطنا الأدبية والثقافية ،وعبثا محاولة انكاره واستنكاره فهو عبارة عن عمليّة تصفية حسابات ،و نقد مدفوع بالعداوة ،حيث يجد الضحية نفسه في مواجهة حملة آثمة ،الهدف منها التّحطيم المدروسِ ،و التّقزيم المتعمّد بالتضخيم في عيوب طفيفة، لو رأى الناقد الجاني مثلها في صديقٍ أو حبيب أو في سبيل مصلحة معيّنة غضّ الطّرف عنها، هذا ان لم يباركها ويجمّلها وكما يقول الشاعر : (وَعَيْن الرِّضَا عَنْ كُلّ عَيْبٍ كَلِيلَة وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَساوِيَا ) و كما عبّر تشيخوف بأن الحضارة اذا اقتربت من سافل صغير سرعان ما يتحوّل الى سافل ..هذا السّافل الّذي يصبح غولا ثقافيّا فيؤسّس باستمرار لما لقّنه ايّاه أسلافه الفاسدين من ثقافة المغالطة والنّفاق والنتيجة طبعا بيئة ثقافية فاسدة تنهش قلب الوطن ..ثقافته
وفي مقابل النقد الارهابي او النقد الانتقامي ،نجد ما يمكن ان نطلق عليه عبارة النّقد التّجميلي، وهو الّذي يعمد من خلاله صاحبَ الرّأي الأعوج والضّمير الأعوج والهمّة العوجاء ،النّاقد الكذّاب المنافق الى التّدليس والتزوير برفع الخسيسة وإخفاءها ،فنجده يمارس النقد تماما كما يمارس الجرّاح عملياته التّجميليّة ،فإذا به يتناول عملا أدبيا فارغا لا قيمة له أو نصاً بائسا لا شكل ولا مضمون له وبقدرة قادر ينفخ فيه ويضعه في مشهد الصّدارة ويلمّعه ،أما اذا ما وجد دعما وتواطؤا اعلاميا من المرتزقة فالكذبة تسري كسريان النّار في الهشيم، فيسهل عليه الأمر أكثر حتى يقتنع النّاس أنّ ذلك الكاتب أو الشّاعر صاحب النّص المهلهل البائس أديب أريب معلنين أن اصداراته حطّمت الرّقم القياسي في قائمة المبيعات في معرض الكتاب وأنّ أعماله وقعت ترجمتها الى عدّة لغات …صحيح من حق كل كاتب أن يلجأ الى الاعلام والإشهار الّذي يكفل له الحضور والتعريف بمنتجاته لكن أن تتشكّل شبكة من المرتزقة والمأجورين من الاعلاميين الّذين ينسون أدوارهم الحقيقيّة ويتنكّرون لها وتصبح مهمّتهم الأهم إبراز اسم ذلك البائس الذي لا مكان في الحقيقة يليق بهلوساته غير العيادات النفسية والّتي ينطبق عليها قول غوته: نكتة الغنيّ مضحكة فبالتّأكيد هم بذلك مجرمون ليس في حق الثقافة بل في حق الوطن ككل. فانتهاك القيم الأخلاقية وشرف الكلمة عبر التّعظيم للأشخاص على حساب الجودة هو تضليل للقارئ وهدم واع للإبداع والثقافة ومظهر من مظاهر الفساد التي لا يجب ان تغفل عنها السّلط المختصّة وكم خدع الناس بمثل هؤلاء بسبب عمليات النقد الخاضعة للمصالح او مدفوعة الأجر بأي شكل من الأشكال …صحيح كثيرون يصنعون مجدهم بجهدهم ويفرضون وجودهم لكن بعد تاريخ من المعاناة وهؤلاء هم العصاميّون وفي المقابل هناك الكثيرين أيضا يتسوّرون المجد كاللّصوص ويدخلون من الأبواب الخلفيّة وهؤلاء لا يحقّقون ما يريدون الّا بتهشيم عظام غيرهم ….انها محنة كبرى يعاني منها النقد … النّقد الآثم وهو النقد الذي يفتقد الى المصداقيّة والنّزاهة العلميّة …كم من عناوين زور خطّت على بناءات وهميّة و مكذوبة باسم النّقد ..كم من مبدعين وقع تحطيمهم وتقزيمهم وتهميشهم حتّى أن الأمر وصل ببعضهم الى الجنون أو الانتحار بسبب الاحساس بالظّلم والقهر ..كيف لا وهم يرون الحقائق تزوّر أمامه جهارا نهارا باسم النّقد الّذي يفتقر الى الدّقة والعلمية فيتعامل ممارسوه مع النّص الأدبي مكبّلين بالأفكار المسبقة والمصالح الآثمة الّتي تشلّ عملية الاستكشاف .ولم يخطئ مونتسكيو حين شبّه هذا النّوع من النّقاد المزوّرين بالجنرالات الفاشلين الّذين حين يعجزون عن الاستيلاء على بلد ما يلوّثون مياهه فالناقد الحق كشّاف مغامر يخوض مغامرته متسلّحا بمنهجية واضحة وبأدوات استقصاء ملائمة محترما فكره وثقافته وقلمه دافعه حبّ الأدب والرّغبة في تذوّقه وفهم آليّاته ومحاولة المساعدة على تطويره والنّهوض به من النّص ينطلق واليه ينتهي وما بين النصّ والنصّ يختار المقاربة والمنهج الّذي يراه ملائما لخوض رحلته الاستكشافيّة فالنّقد ليس مجرّد كلام على كلام نسبة الى ما قاله أبو حيّان التّوحيدي الكلام على الكلام صعب بل هو نشاط ابداعي مثله مثل أيّ عمل أدبي سواء كان شعرا أو نثرا والعلاقة بينهما تكامليّة ولا غنى للواحد منهما عن الآخر فلا قيام لنقد مبدع إلّا بوجود أدب مبدع ولا تطوّر لأدب مبدع الّا بوجود نقد مبدع..
لمن وجد نفسه يوما ضحيّة من ضحايا النّقد الارهابي ان لم يجد من يشدّ من أزره في محنته مع الجناة المتقنّعين بأقنعة النّقّاد لا أملك الّا أن أقول له إنّ الجالس على الأرضِ لا يسقط فاصمد أمام هؤلاء الّذين يستهدفونك بقصد تشويهك وهدم بنيانك وثق بنفسك وسوف تتكسّر هجماتهم عليك كما تتكسّر حبّات البرد على الصّخرة المهيبة ..سوف تفرض بقاءك واستمرارك رغم كيد الكائدين .
وللآثمين من النّقّاد ومشاركيهم في جرائمهم في حقّ الأدب والثّقافة وحقّ الوطن أقول أنتم لستم بمأمن عن الانكشاف ان آجلا أو عاجلا فهناك قرّاء يفهمون ويتذوّقون ..يرصدون أكاذيبكم ومغالطاتكم واعتداءاتكم العلنيّة الهدّامة على الأدب والثّقافة وثقوا أنّكم قد تنجحون في استغفال المتلقّي البسيط والسّاذج لكنكم لن تنجحوا مع غيره بتزييف الحقائق عبر بثّ المدائح والموشّحات المغالطة لأعمال لا تتجاوز مستوى الجمل البسيطة السّاذجة بهدف التلميع والتعظيم وفي المقابل رشق أعمال ابداعيّة حقيقيّة بسهام الحقد لقصم ظهور أصحابها وتحطيمهم.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

تعليق واحد

  1. لا أملك الّا أن أقول له إنّ الجالس على الأرضِ لا يسقط فاصمد أمام هؤلاء الّذين يستهدفونك بقصد تشويهك وهدم بنيانك وثق بنفسك وسوف تتكسّر هجماتهم عليك كما تتكسّر حبّات البرد على الصّخرة المهيبة ..سوف تفرض بقاءك واستمرارك رغم كيد الكائدين .
    الله !!!!!!!!!!!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!