انطباعات حول مجموعة (العالم لا ينتهي خلف النافذة)

آفاق حرة

بقلم/ عمر القنديل

(العالم لا ينتهي خلف النافذة) مجموعة قصصية للكاتب صديق الحلو تتألف من 72 قصة موزعة على 182 صفحة.
تصميم الغلاف أكثر من رائع ويتماشى تماما مع المحتوى.
الإستهلال الأول مقتبس من جورج أوريل، ممتاز جدا ويوحي بعمق التواصل بين القاريء والكاتب حيث جاء فيه: ” الراحة التي تشعر بها عند قراءة الأدب ليس سببها أنك فهمت، بل أنك وجدت أخيرا من يفهمك”. وهذا يذكرني مقولة ليوسف إدريس:
” أن تؤلف كتابا، أن يقتنيه غريب، في مدينة غريبة، أن يقرأه ليلا، أن يختلج قلبه لسطر يشبه حياته، ذلك هو مجد الكتابة”.
نعم فكل من حمل الهم الإنساني وتمكن من التعبير عنه فهو يمثل غيره من البشر أينما وجدوا.
(العالم لا ينتهي خلف النافذة) عنوان عميق جدا ويحمل إيحاءات ودلالات متعددة؛ دعنا نخوض غمار تجربة تفكيك العنوان:
(العالم لا ينتهي خلف النافذة) أي أن العالم يتجاوز حدود الرؤية الحسية وينفذ إلى مناطق أخرى أكثر عمقا وتأثيرا. بطريقة أخرى هي دعوة للنفاذ إلى كنه الأشياء وتجاوز الشكل المادي الظاهري ومحاولة قراءة الأحداث وفقا لمستويات أخرى من الفهم أو كشف للجانب الغير مرئي من الحياة أو العالم بحسب نظرة الأديب الخاصة؛ فالأشياء ليست تماما كما تبدو ” والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء” كما قال الفيتوري.
أهم الموضوعات التي شكلت ملامح هذا العمل:
المشاعر الإنسانية التي تقف بين طرفي نقيض، شخوص نقية وأخرى مسمومة، العلاقات العاطفية وقصص اللقاء الأول، الحنين إلى عوالم مضت والتوق إلى الآتي بأذرع منفتحة لمعانقة الحلم وبين الإثنين تتبخر اللحظة الآنية.. تنزلق بين الأصايع كسمكة هاربة من الطعم أو كفتاة متمنعة.
وأنت تطالع المجموعة ينقر فوق رأسك سؤال: إلى أي مدى يتسع عالم صديق الذي تجاوز النافذة؟ لتجد نفسك تتنقل بين عوالم شتى ودنيوات كثيرة ومحطات في الحياة وذكريات الحب وجلسات الأصدقاء وحكاياتهم الماتعة ومغامراتهم.. إرهاصات الثورة وتحققها.. وللوطن في أدب صديق مكان وللمكان حضور طاغ حيث (كترايه العظمة) والعاصمة (الخرطوم) التي أضحت مرتعا للشائعات وكذلك قرية (قلي) فهي حاضرة بقوة.
الزمن عند المؤلف يتأرجح بين الماضي الذي يمثله الحنين والمستقبل الذي يرتدي ثوب الحلم أما الحاضر فضائع بين الاثنين.
النصوص كتبت على فترات زمنية مختلفة فهي متراوحة من حيث الجودة والمواكبة والتطور وهذا بدوره يفتح لنا نافذة نطل بها على ملامح من تجربة الكاتب ورحلة تطوره وارتفاعه على مراقي الإبداع الكتابي.
الكتابة عند صديق الحلو حالة من التوتر والقلق والإرتباك الحلو والإنسياق وراء قوة لا مرئية. هي لحظة مشحونة بالإحتمالات ومحملة بالممكن. هي لحظة الخلق والتكوين والسير وفقا لطاقة رهيبة لا نمط يحددها ولا إيقاع يضبطها سوى تلك الشعلات من الأحاسيس الصادقة التي تستهدي بنورها الأفكار.
وأنت تتجول بين ردهات النصوص تقابل مريم ونهى وسارة وسوزان وإياك ثم إياك أن تتعثر بزينب منصور!.. المرأة عند صديق قوية العاطفة؛ تمتلك رؤية للعالم وتعلم كيف تعبر عنها.. جميلة ورقيقة كنسمة وأحيانا ظالمة وعاتية كإعصار.
على طول النص نترحل بين العاشق الولهان لأزمنة مسكونة بالشجن والحالم بعالم يضج بالخضرة والسلام. هي روح الفنان ولا ريب تنشد الحب وترى فيه طاقة وحيوية يمكن أن تنتشل العالم من بين براثن العتمة إلى منابع النور حيث الحياة بسعتها وروعتها وبهاءها.
القصة عند الحلو لحن مضبوط الإيقاع.. سيل من المشاعر والأحاسيس المنداحة بكل ما تحمله من تناقض وتجانس.. قصيدة شعرية عالية الوزن.
اشتغل الحلو كثيرا على اللغة، كيف لا وهي لعبته الأثيرة، رغم تشابه الثيمات في بعض القصص إلا أن الأسلوب اللغوي يختلف وهذا يبرز اتساعا في الأفق ويكسب النص صبغة تخصه وهذه برأيي نقطة حمالة أوجه؛ أي أنها قوية وضعيفة في آن:
– قوية لأنها أظهرت إمكانيات الكاتب من ناحية اللغة.
– ضعيفة لأن هذه النصوص أضحت أفكارا مكرورة لا تضيف للقاريء شيئا يذكر.
أخيرا، لا يسعني إلا أن أشكر كاتبنا الجميل الذي استضافنا في رحلة شيقة وشاقة في آن؛ شيقة لمتعة القراءة والإنفتاح على هذا الثراء والتنوع اللغوي وشاقة لثقل مسؤولية الكتابة عنها.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!