رحلة الباص القديم في رواية “كويت بغداد عمان” لأسيد الحوتري

بقلم: الروائي مصطفى القرنة

الباص القديم الذي سينقلنا بين هذه العواصم هو ذاته هذا الكتاب. وسنكون محكومين برؤيا هذا الطفل الذي يحتضر في داخل المؤلف والذي لا يزال يحيا على أرض الكويت، الذي خرج مسرعا لا يعرف إلى أين يذهب، وستكون منطقة حَوّلي هي أم البدايات، وسنجد مع هذا الطفل إجابات لكثير من الأسئلة، ولن يتسرب شيء إلى عالم النسيان من كل تلك الذكريات. سيحكمنا التاريخ قبل الجغرافيا في هذه الرواية التي تتحسس مواضع الوجع في كل تلك العواصم التي جابتها. قد نحاول أن نفض الاشتباك بين الرواية والسيرة الذاتية لنصل إلى حقيقة مفادها أنّ الحوتري استطاع الولوج إلى جنس أدبي فريد يجمع الأجناس الأدبية جميعها في هذه الرواية. باختصار كان الباص القديم ينقلنا بين ثلاث عواصم أثارت إعجابنا، وحمل تاريخا طويلا كان شاهدا على العديد من الأحداث والتغيرات في هذه العواصم وحولها. في الكويت مر الباص في حولي والنقرة والمنصورية والقادسية، وانطلق إلى الجابرية لكنه يفيق على طفولة سعيدة تشرق من بين تلك السطور التي اكتنفت روحه في حديثه عن الكويت. أما في بغداد فيمر الباص مسرعا يسكنه عدم اليقين مما حدث ويحدث، والواقع أنّ وجهات النظر متباينة نحو تلك الأحداث لكن الكاتب استطاع بحنكته الخروج من كثير من المطبات التي مر بها الباص، وأيضا يحسب للمؤلف نظرته الشاملة للأحداث دون أن ينسى شيئا ودون أن ينحاز إلى وجهة نظر بعينها نظرا لوعورة المسالك وصعوبتها. أما في عمان فقد رأى فيها المستقبل الواعد الذي يقترب أكثر من فلسطين التي لا ينساها ويفرد لها الكثير من السطور في هذه الرواية الجميلة التي ابدعها الحوتري بكثير من الوجع وربما كانت الأبيات التي خطها الكاتب للشاعر الكبير محمود درويش تختصر ما يمر به بطل الرواية من معاناة إلى الآن:
سجل:
أنا عربي
ورقم بطاقتي خمسون ألف
وأطفالي ثمانية
وتاسعهم .. سيأتي بعد صيف!
فهل تغضب؟
ويستمر الباص في سيره، ويترك البطل في موقف بلا ركاب، يتأمل الشارع إلى أين يمكن أن يوصله؟!.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!