روايات ممنوعة من التداول لكتاب عرب داخل بلدانهم : السعودية نموذجا

غادة سعيد
اكاديمية وناقدة
بورتو – البرتغال

من شدة الوسوسة والهرطقة يغسلون الديك من الجنابة حين ينكح الدجاجة كي يتطهر…
هي جملة وردت على أحد ابطال الرواية وتُلخّص واقعا أصوليا حدّ التطرف.
و ما أضحكني وأبكاني (الراوي) حدّ السخرية و الاستهجان، وهو يصور مشهد طفل يمتطتى دراجة هوائية في مدينة (بريدة)، وحين شاهده أحد السلفيين استوقفه وقمعه واقنعه ان الدراجة الهوائية هى (حمار الشيطان )..
هي مقطعين فقط من مئات المقاطع التي تحتويها رواية:
الحمام لايطير في بريدة
للكاتب يوسف المحيميد من السعودية، والصادرة عن المركز الثقافي العربي.
رواية ممنوعة على غرار روايات أخرى كثيرة، في بلد حكامه يتبجحون ويتشدقون بحماية الدين… وخدمة (الاسلام المعتدل)، وإحتضانهم لثورات الربيع العربي..
ربما هي رواية استشراقية لما سيقع في مملكة (خادم الفخدين)..
تروي قصة عالم المدينة التى تفرخ السلفيين وإستلهام لحادثة إحتلال الكعبة، وكيفة ربطها بأحداث اليأس الكثير.
يوحي الكاتب “يوسف المحيميد، أن الدنيا لن تكون بخير يوما مّا، حين كشف الجانب القذر لمن يصدح باسم الدين لتغيير العالم وفق أهوائه.
لكن مع محاولات التصدي لهؤلاء المدّعين يقابلها فشل ذريع وانكسار لسبب واضح – وفقا للكاتب- هو سماح أصحاب السلطة لهؤلاء المدّعين ومنحهم حرية مطلقة لنشر سمومهم. وقد سلط السارد الضوء وبقوة على هذا الوباء وسلبياته داخل المجتمع بشكل جريء خاصة عند الحديث عن علاقات “فهد” مع نسائه وعلاقتهن مع بعضهن نهاية الرواية التي لم تكن مفتوحة كعادة الروايات.، فالهروب إلى الأمام لم ولن يستأصل الوباء من المجتمع إلا أنه “بنج” موضعي ومرحلي حين نأخذ “المصالحة” والتستر على دين أضحى دمويا بدل القطع والفصل بين الموروث والتاريخ، لندرسّه لابناءنا في أفق إعداد أجيال متنورة، عكس ما اتبعه الحاكم عن طريق لسان الكاتب حين تصالح مع السلفيين ووضع لهم خطوطا حمراء لا يمكنهم الاقتراب منها وكأن الحاكم وضعهم في مخازنه الاستراتيجية لمأموريات سيأتي وقتها.
الرواية تتبع خطين متوازيين : خط (الأب) الذي انخرط في نشاطات بعض الجماعات الإسلامية المحظورة في نهاية السبعينات، وخط آخر يتبع (الابن) الذي نشأ في الثمانينات محملا بخطايا إرث والده.
شخصيا أعتقد بأن السارد (يوسف المحيميد ) فشل في الرواية لأنه حاول أن يقول كل شيء بلا تركيز، فلو اكتفى بتقديم قصة (الأب) بتركيز أكبر وترك للقارئ حرية ربط ما حدث في تلك المرحلة بما نعايشه اليوم لكان العمل أكثر نضجا.
مواطن الضعف في الرواية تظهر في الإسهاب في وصف الأماكن والتنقلات داخل مدينة (الرياض) بشكل ممل جدا وغير مبرر، وكذلك محاولته استخدام لغة رمزية لوصف المواقف الحميمية إلا أن تلك المواقف تارة، إلى وصف العلاقات الجنسية بشكل مقتضب وكأن السارد يضع عليها برقعا وحجابا او خوفا من الرقابة..
على أيّة حال، كانت الكثيرة من التفاصيل، أساسا محشورة في الرواية: (كيفية الوقوف السيارة في الشارع.. أو شوارع المدن التي مرّ منها الأبطال مرور الكرام.. وصف أوتستراد. او الطريق السيار.. إلخ) ولم يكن من المهم الدخول في وصف مفصل، إضافة إلى وجود بعض التناقضات في النص مثل السيارة التي تتعرض لحادث ثم نفاجأ بأنها تقف أمام باب البيت..
الرواية بـاختصار صورة لمجتمع يقوم حراس الفضيلة بحمايته من التغيّرات والتمرد وكسر حرياتهم بـاسم الدين والدولة والفضيلة، متجاهلين تماماً أننا بشر وأن كل أنسان مخير وأن آثامنا ونوايانا وكل أفعالنا هي لنا.
النص الروائي حمل أيضا هموم أفراد عاشوا في هذا المجتمع منهم من تكيّف مع القوانين (سواء قوانين عامة صادرة من الدولة أو قوانين السلفيين أو قوانين الخوف النابعة من الأنا وقلة الثقيف للمواطن) ونسى تماماً أمر أحلامه وحريته، ومنهم من رحل وهاجر عن بلده.
أتفق مع من قال إن (يوسف المحيميد) صوّر لنا حالنا بكل وضوح، صور لنا مجتمعنا وما يحتويه بكل صدق، رضي من رضي وغضب من غضب من خلال تصويره للمجتمع السعودي المحافظ وإن اختلفت بعض تفاصيله.. لكن المشترك هو ذاك التصوير العام والذي يسكنه (الدين) داخل أروقة المجتمعات الشرقية.
مشاهد الجنس احتلت مساحة كبيرة في الرواية، حيث أوغل المحيميد في التفاصيل إلى حدّ الجرأة واحيانا حدّ التباهي بأنه يكتب فقط ككاتب متحرر وجريئ..
أكثر ما أعجبني في هذه الرواية فصلها الأول الذي كان قويّا ولم تكن بقيّة الفصول بمثل قوّته وإثارته. اختلف معه في كثير من آرائه التي أوردها، نظرته للدين، وللمتدينين وتصويرهم كأنهم أبالسة، إضافة إلى وصف بيت فهد بعد احتلال عمّه للمنزل بالحزن والكآبة حينما استبدل (العم) أغاني فيروز بآيات القرآن الكريم. .
لغته بسيطة، سرده أحيانا ممل ومفرط في وصف التفاصيل. لكنها رواية تستحق الوقوف على صفحاتها واستخراج صور التاريخ الحالي منها، والذي يعتمد على تاريخ السعودية القديم خاصة في شقه الديني ومكانة “مكة” و”المدينة المنورة” في تصدير “إسلامها الجديد وبطريقة جديدة الى نفس الشعوب التي اكتوت “بالاسلام القديم”
*******

24/07/2018

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!