شهوة التأليف !/ بقلم الشاعر والناقد السعودي سعد عبد الله الغريبي

ذات مساء – وبصحبة بعض الأصدقاء – تابعنا حوارا في إحدى القنوات الثقافية مع أديبة معروفة – حسب تقديم مدير الحوار – بمناسبة إصدارها ديونا شعريا، واسترعى انتباهَنا جميعا إجابتُها حين سألها المحاور عن قراءاتها الشعرية وبمن تأثرت، إذ كان جوابها أنها لم تقرأ شعرا مطلقا!
وتساءلنا: أيعقل أن من لم يقرأ الشعر، ولم يطِّلع على دواوين الشعر العربي يمكن أن يصبح شاعرا؟!
لا أحد منا يعرفها، إذ لم نقرأ لها نتاجا شعريا أو نثريا منشورا في الصحف والمجلات، ولذا كنا في شوق لانتظار أن تشنف أسماعنا حين يطلب منها المحاوِر كالعادة قراءة أنموذج مما تضمنه ديوانها، وعندما استمعنا إليها عرفنا أيَّ طريق يوصل إليه الاعتماد الذاتي على النفس في كتابة الشعر دون مثال!
كنت أنتظر من المحاور أن يسألها كيف صنفتْ ما كتبته بأنه شعر وليس قصة أو خاطرة، ولِم لَم تصنف ما كتبته بأنه نوع جديد من الكتابة يمكن أن نسميه (هذيانا)!
هذا الكتاب أدرج ضمن الحركة الشعرية في المملكة العربية السعودية، وهذه المؤلفة صارت الآن في عداد (الشاعرات) السعوديات! وهذا مع الأسف هو مطمح كثير من فتياننا وفتياتنا أن يتحول الإصدار الأول إلى جواز سفر يستطيع صاحبه التنقل كيفما شاء بين مدن الشعر.. ومن ذا الذي يستطيع بعد هذا الإصدار أن يشكك في شاعرية شاعر أصدر ديوانا؟!
وإذا كانت حماسة الشباب ومنافسة الأقران هما من يدفع هؤلاء الذين يتسابقون إلى تأليف الكتب والدواوين والروايات دون أن يَصدروا عن قاعدة متينة؛ فما الذي يدعو كهولا لم نعرف عنهم يوما ما أنهم كتبوا أو نشروا إلى تجميع خربشاتهم التي يحتفظون بها من أيام الدراسة، مضيفين إليها مقتبسات من مواقع التواصل الاجتماعي ليودعوها دفتي كتاب ويدعوننا لمشاركتهم فرحتهم بإصدارهم الأول؟ بل إن منهم من استمرأ الأمر واستسهله واستظرفه وبخاصة بعد أن حصل بفضل ذلك على لقب أديب؛ أن يواصل الدرب موقنا أن من سار على الدرب وصل، ناسيا أنه يسير عكس السير!

وأكثر عجبا من أولئك وهؤلاء حين تتنافس الأسر على دفع أطفالها لارتقاء منصات التوقيع في معارض الكتب لقصص وكتب لم يكن لأطفالهم من نصيب فيها سوى أسمائهم.
إن تشجيع الصغار يكون بتحبيبهم للقراءة أولا حتى إذا أصبحت لديهم القدرة على القراءة والفهم والاستيعاب والتفكير بدأنا في تمرينهم على الكتابة شيئا فشيئا.. لكننا بدفعهم للتأليف قبل القراءة نهون عليهم التأليف، وكأننا نقول لهم: إنه لا يحتاج إلى عوامل مساندة سوى التشجيع!
التأليف فكر وثقافة وعلم وتربية وإبداع، وفاقد الشيء لا يعطيه..
وفي الوقت الذي أعبر فيه عن رأيي بأني لست مع التسرع في التأليف، فأنا أيضا لست مع الإحجام عنه عندما يملك الكاتب القدرة عليه، لأن إحجام القادرين يفتح المجال لتصدر غير المؤهلين.

عن / الفرقد

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!