صرخة عبر المدى مجموعة قصصية: (حفنة من تراب شنكال) للقاص جوان زكي سلو

هيفا حيدر حسن

صرخة عبر المدى انطلقت تجوب الطرقات بحثاً عن الخلاص، في ذلك الزمن الذي اختارتهم سهامه التي لم ترحمهم يوما ما، وعبرت تلك الصرخة حدود ذلك الزمن ليبقى صداه عابقاً بصور الألم، التي مازالت ماثلة أمام الأعين، في تلك المنطقة التي جرت فيها هذه الأحداث والوقائع، التي توقفت عندها هذه المجموعة القصصية.

في مجموعته القصصية (حفنة من تراب شنكال)، الصادرة عن مركز (شوبدارين روجه للثقافة)، عام 2019، وتقع في 140 صفحة، من القطع المتوسط، يتوقف القاص جوان سلو عند منطقة شنكال ليروي المأساة التي كانت يوما ما، ويكتب تلك المأساة بكلمات من ألم ووجع.

مناجاة

“يا إلهي! أيّ أمرٍ جلل هذا؟ أيّ خطيئة اقترفناها حتى يتكالب علينا كل أفاق؟ يقتلنا بحجة اخترعها لنفسه، فإلى أين سنهرب هذه المرة؟”

بهذه التساؤلات تبدأ إحدى شخصيات القصة بمناجاة ذاتها، وتسأل السماء عن المصير الذي ستواجهه بعد مهاجمة عناصر داعش لقريتها، لتحمل أسمالها، وتنطلق بأبنائها تجوب المدى بحثاً عن الخلاص، لتتوالى الأحداث تباعاً من أسرٍ وقتل وسبي، وتنتهي بالعبودية، ولكن أملها بالخلاص لم يخبُ، بل ظل مشتعلا، حتى تكلل بالحرية.

استغراب

ما أصعب أن تُعاقب بقسوة على إثمٍ قام به غيرك، في حين أن المجرم يعيث فسادا وقتلا في الناس، فتنال الموت في سبيل الحرية، بينما يستمر الآخر في غيّه مستمتعا بما يقترفه، هذا ما رصده القاص، حين وصف لنا حالة الاستغراب والدهشة التي بدت على الوجوه حين حدث تفجير في إحدى شوارع المدينة، ليخلّف وراءه الدمار والخراب، وفي وسط ذلك الغبار والضياع الممزوج برائحة الموت والسقوط، تنطلق الأرواح هائمة في فضاء المكان، باحثة عن الخلاص، ومحاولة النأي بأنفسها عن المكان الذي امتزجت حجارته بدماء من كانوا هناك، ليبقى الألم قابضاً على جمر الوقت، في قلوب تلك الأرواح الهائمة على وجوهها في بلد بات النار والحديد لغة متحكمة في مصائر الجميع، وتدفع بهم نحو الهاوية كل لحظة، ليكون تمسكهم بالحياة عبثاً، وتكون النهاية الفاجعة مصيرهم المنتظر في كل زاوية، وشارع، وحتى في بيوت لا تدري متى يأتي الدور عليها، لتكون هي الأخرى ضحية موت معلن أمام أنظار الجميع.

“غبار بطعم الدم، شفاه جفت من الصدمة، طنين أذن لا يبرح الجمجمة، وأنين يخفي خلفه الألم، اختلطت معها الصرخات، فقبل ذلك كانت تصرخ للفرح، والآن باتت صرخاتها الصامتة تختنق، لتفتح عينيها على الخراب، إنه التفجير”.

أمل بالخلاص

مهما طال الليل، فلا بد للفجر أن يأتي، هذه هي سنة الحياة، وهكذا هي ليالي الظلم، كلما استمرت في سوادها، سيكون لها فجر الأمل بالمرصاد، ليزيح بنوره ظلمة الأنفس، سامحاً للأمل أن يشرق بضيائه في سمائنا، وقتها يأتي الخلاص، هذا ما أكده لنا القاص حين عبّر عن الفجر كرمزٍ للحرية الحمراء.

“ولجتْ الشمس بفجرها المنير ساحة حاجزنا، بعد دقائق لا تزيد عن الثلاثين من الهجوم، تحرق في مسيرها الأنيق جسد كل آثم، وتطهّر التراب من دمائهم، بينما أقف فوق الساتر أنظر لذلك الداعشي صريعاً بجانبي، وبيده قنبلة لم تنفجر بعد”.

اتسمت قصص هذه المجموعة ببساطة في الأسلوب، وعمق في المشاعر، فحلّقت بين عالمين، الواقع تارة، والخيال تارة أخرى، ناتجة عن رصد خبرات حياتية مثقلة بالآلام والأوجاع، في ظلّ واقعٍ مزرٍ.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!