قراءة في رواية ابن المجرم. بقلم. أحمد العربي

لصحيفة آفاق حرة:-

 

قراءة في رواية : ابن المجرم.

الكاتبة: ابتسام شاكوش.

الترجمة إلى التركية: بكير اردوغان.

الناشر: دار جانتاش  اسطنبول.

ط،١ ب د ف، ٢٠١٨م.

 

ابتسام شاكوش الروائية السورية، التي استثمرت ظروف اللجوء السوري الى تركيا بسبب تبعات الثورة السورية وعنف النظام المستبد الذي ادى لنزوح الملايين من الشعب السوري الى خارجه هربا من احتمال القتل او الاعتقال. وهي الكاتبة الروائية والقصصية من بدايات الالفية الثانية. حيث تعتبر ابتسام شاكوش من رائدات الكتابة الروائية باللغة العربية والمترجمة إلى التركية، بحيث تظهر الرواية باللغة العربية والتركية بصورة متتابعة. وهذا يعبر عن طور جديد وصل إليه واقع السوريين في تركيا حيث أصبح اتقانهم التركية ضرورة حياتية وعلمية، وأصبح ضروريا ان يصل الصوت السوري المؤمن بالثورة إلى القارئ التركي، الذي أصبح ضحية سجالات سياسية؛ كان الوجود السوري في تركيا مادتها وضحيتها. الرواية تقول أن اندماج الوجود السوري في تركيا أصبح حقيقة يجب أن ننطلق منها ونتصرف على أساسها.

ابن المجرم رواية تعتمد أسلوب السرد بلغة المتكلم على لسان مصعب الشخصية المحورية فيها.

مصعب الطفل ابن المرحلة الابتدائية في دراسته، يسكن مع عائلته أمه وا أخته وأخيه الّذين يصغرونه، إضافة لجده وجدته لأبيه، أما ابيه فهو ضابط في الجيش السوري معتقل لدى النظام على خلفية الثورة التي قام بها الشعب السوري وقواه السياسية والمدنية المختلفة في أوائل ثمانينات القرن الماضي.

يسكن في حمص، الكل في المدرسة والحي الذي يسكنه، ينادونه “ابن المجرم”، وهو طفل لم يدرك ما الذي فعله والده ليكون مجرما، يعاني من اضطهاد مُدرّسيه وإساءة زملائه والمحيطين به. يلجأ لجده وجدته وامه لعلهم يشرحون له حقيقة والده، لكنهم يلتزمون الصمت، ويوحون له ان والده مظلوم.

سرعان ما ينتقل مصعب وعائلته من حمص الى قريتهم في الساحل السوري في ريف مدينة الحفّة، بعد أن علموا بموت والد مصعب في سجن تدمر وكان مصيره الاعدام، ولا مبرر لاستمرار العيش في حمص حيث كانت خدمة والده.

في القرية تنقلب الصورة ويصبح مصعب ابن البطل بدل ابن المجرم. الكل يتحدث عن بطولات والده وأمثاله، وأن الشعب السوري قد صبر عقودا على النظام المستبد الطائفي، وان الثورة ضرورية مهما كانت التضحيات.

قرية مصعب ذات غالبية سنية، تجاور قرى اخرى اغلبها علوي، وواقع التناحر الطائفي واضح بكل قوة، خاصة و أن اعتماد النظام على الطائفة العلوية في الجيش والأمن و تغلغله في كل مراكز الدولة المهمة أصبح واضحا ومستمر منذ عقود، وان المظلومية عامة يعيشها كل السوريين. والعداء تجاه النظام والطائفة بعد ذلك كان طبيعيا.

نشأ مصعب متوزع المشاعر بين والده الذي اعتبره البعض مجرما، والبعض الآخر بطلا، وبين إبهام وعدم وضوح الحقيقة له من قبل أهله، خوفا من ان يتحدث بما يعرف ويصل ذلك  إلى مخبري النظام، وتكون النتيجة كارثية عليهم.

في المدرسة يتشرب مصعب وغيره من التلاميذ حب النظام ورمزه الأسد قائد البلاد والجيش، يتربى على ذلك في الطلائع، في الهتاف الصباحي، وشعارات حزب البعث، الذي كان ستارا عروبيا مُدّعى لإخفاء حقيقة السلطة الطائفية. اما في البيت وبحضرة أمه وجده وبعض ضيوفه وجدته فقد كانوا يسربون له حقيقة النظام الطائفي الظالم. وهو استمر ضائع بين هذا وذاك.

استمر مصعب على هذا الحال حتى انتقل للدراسة الثانوية وأدرك اكثر واقع المصلحية وان الانتساب للشبيبة والحزب هو طريق الحصول على الفرص المستقبلية، علامات تضاف في البكالوريا وفرص عمل ومكتسبات إن كان من اذناب النظام، كان في قريته واحد من هؤلاء الانتهازيين لقبه الناس “الشب البستوني” سخرية منه ومن تبعيته للنظام، حاول التأثير كثيرا في مصعب ليلتحق بحزب البعث، ويبحث عن مصالحه الخاصة، ويصبح عدو لأهل قريته ولذكرى والده. رغم أنه أدرك ايضا واقع الهيمنة الطائفية والمظالم المجتمعية والسياسية، وأن والده راح ضحية قتل ظالم في تدمر، وكذلك أخاه الذي دهسته سيّارة عسكرية ومات ولم يُحاسب أحد على ذلك. وان لدى أهل قريته الكثير من الحكايا التي يرونها له عن مظالم النظام من الثمانينات وما قبل ذلك. لكنه كان يستمع لصوت مصلحته الخاصة، وأنه لن ينحاز للضعفاء والضحايا، ولن يكون مثلهم. والحقيقة أنه يعيش تناقض ذاتي بين انتمائه لاهله وارث أبيه، وبين نوازع المصلحية في نفسه.

حصل على البكالوريا بعلامات تؤهله للدخول الى كلية الطب لكنهم تلاعبوا بأوراقه، وقبل في قسم التاريخ. درس وتخرج ولم يكن له فرصة عمل عند الدولة. رغم أنه استمر في حزب البعث وأصبح عضوا عاملا. لكن النظام لم ينسى أصله وابن من هو.

توفي جده المعيل الأول للعائلة، وأصبح لزاما عليه أن يعمل، عمل في مهن يدوية مجهدة وأدرك ولو متأخرا حقيقة التمييز الطائفي والمجتمعي، والمظالم التي يعيشها كل الناس، ولو متأخرا.

وما أن بدأ حراك الربيع السوري في ربيع عام ٢٠١١م سلميا، حتى وجد مصعب نفسه منخرطا فيه، وعندما اعتمد النظام على العنف المسلح ضد حراك الشعب السوري، حتى انخرط مصعب مع الثوار على جبهات الصراع مع النظام في جبل الأكراد في الساحل السوري. لقد هاجم النظام قريتهم واحتلها. وهربت عائلته الى جبل الاكراد ومنه الى تركيا. وهو بقي يقاتل مع شباب الثورة في جبهات المواجهة ضد النظام، حتى أُصيب وحوّل الى مشافي انطاكيا التركية، وهناك اكتشف حقيقة انتمائه إلى عمقه الإسلامي، وأعاد تقييم المرحلة العثمانية في تاريخنا، وأنها لم تكن استعمارا، وان العثمانيين حموا البلاد الإسلامية من التغلغل الاستعماري الغربي لمئات من السنين كما أوضحت حقيقة اتفاقيات سايكس بيكو بين الفرنسيين والانكليز، وتقسيم بلادنا الاسلامية غنيمة للغرب عدونا الاول. وان الاتراك كانوا الحاضنين الحقيقيين للشعب السوري المنكوب و ثورته المغدورة، كما اكتشف هناك بعض التصرفات الطائفية الداعمة للنظام في تركيا أيضا.

تنتهي الرواية وعائلة مصعب قد استقرت في تركيا واحتضنت من قبل الأتراك الذين قدموا لها العون المادي والاثاث والاحتضان الإنساني، وهو يعالج في احدى مستشفياتها وينتظر أن يشفى ليعود الى جبهات المواجهة مع النظام الطائفي المجرم، انتصارا لثورة السوريين الحقة.

توضح الرواية أن العمل الثوري ضد النظام الاستبدادي الطائفي في سوريا بدأ منذ ستينات القرن الماضي ولم يتوقف حتى ثورته الحالية، مظلومية الشعب أمام القهر والاستبداد والفساد والمحسوبية وغياب العدالة والاعتقال السياسي والتبعية للخارج والصمت عن احتلال الأرض السورية في الجولان، واستدعاء المحتلين الروس والايرانيين و المرتزقة الطائفيين، والصمت الدولي عن المذبحة السورية واستشهاد مئات الآلاف وتشرد الملايين من السوريين، والدعم الامريكي للانفصاليين الاكراد… كل ذلك حاضر في ثنايا العمل الروائي…

الرواية تنتصر لحق الشعب السوري بالكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.

 

احمد العربي.

٢٤/١٢/٢٠٢١م.

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!