قراءة في رواية (رسالة لن تصل) بقلم. أحمد العربي. سوريا

لصحيفة آفاق حرة

 

قراءة في رواية: رسالة لن تصل.

للكاتبة: سنا دركل. سوريا.

 

بقلم أحمد العربي. سوريا

 

الناشر: مركز التفكير الحر.

ط١/ورقية/ ٢٠١٦م.

 

سنا دركل كاتبة سورية، تنتمي للثورة السورية، هذه اول رواية اقرأها لها.

رسالة لن تصل رواية تعتمد أسلوب الكتابة بلغة المتكلم على لسان صالح الشخصية المركزية في الرواية. وهي عبارة عن رسائل موجهة الى صديقه محروس المعتقل في سجون النظام السوري، صديقه الذي سيعلم لاحقا أنه قد تم قتله تحت التعذيب، ومع ذلك سيبقى يكتب له رسائل يعلم انها لن تصله. رسائل يتحدث بها عن حاله وما حصل معه، بعد خروجه للمرة الثانية من المعتقل وهروبه إلى اسطنبول حيث عاش عند جده والد أمه، الضابط التركي المتقاعد .

صالح شاب سوري من مدينة دمشق، والده كان قد عاش لفترة في اسطنبول وهناك تعرف على أمه التركية، التي تزوج منها، وكان هو ابنهما الوحيد. الجد كان ضابطا تركيا، رفض تزويج ابنته للسوري الغريب، لكنها باصرارها عليه جعلته يقبل، تزوجت وانتقلت مع زوجها الى دمشق واستقرت مع زوجها، أنجبت ابنهما صالح، وعلمته اللغة التركية بتفاعلها اليومي معه. كبر صالح واصبح في الجامعة، وعندما حدثت الثورة السورية في منتصف آذار ٢٠١١م، كان صالح واحدا من شبابها الناشطين بالتظاهر، اعتقل مرتين بتهمة التظاهر، وعند خروجه الثاني من المعتقل، ارسلته العائلة خوفا عليه من الاعتقال مجددا الى اسطنبول للعيش عند جده الضابط التركي المتقاعد. جاء الى اسطنبول على أن ذلك لن يستغرق وقتا طويلا، حيث ستنتصر الثورة ويعود إلى سورية ويتابع دراسته وعلمه. وصل الى بيت جده الذي يعيش وحيدا وفق قواعد صارمة، أولاده اثنان يسكنان ويعملان في أنقرة، الكبير متزوج وله ابن عمره اثنا عشر عاما، سيتعرف صالح عليه ويحصل بينهما كثير من التعايش ويوضح صالح لابن خاله الكثير مما يحصل في سورية. أما الخال الصغير فهو غير متزوج بعد. الجد يعيش وحيدا منذ سنوات، كان قبل ذلك يعيش مع جدته، التي توفيت قبل سنوات. تأقلم صالح رويدا رويدا مع جدّه وعاداته الصارمة والمضبوطة، تفاهم معه بصعوبة، تحدث له عمّا يحصل في سورية بكثير من التفاصيل. كما ساعد الجد صالح على استيعاب المخفي عنه في الحدث السوري. حدثه عن النظام العالمي، ورفض إسقاط النظم المستبدة التي تخدم مصالح دول ذات تأثير ولها مصالح في المنطقة العربية، مثل امريكا وروسيا وايران وحتى الكيان الصهيوني. وان مجرد وجود ارادة شعبية لإسقاط النظم المستبدة غير كافي لاسقاطها. فهناك توازنات دولية وميزان قوى، وان القضية السورية ستستمر طويلا، ومن الصعوبة أن تتحقق مطالب الشعب الثائر الذي قدم الكثير من التضحيات. كان ذلك مؤلما لصالح. واستمر يأمل بنصر قريب للثورة والعودة مجددا إلى سورية واستكمال علمه والتحاقه بوالدته ووالده. لكن التطورات اكدت ان الحال في سورية يزداد سوء، واعتقل والده المعلم وتعرض للتعذيب، وخرج بعد ذلك مع العائلة هاربا من سورية. التحق والده ووالدته وجدته وعمته بهم في اسطنبول. وبدأوا رحلة الاستقرار هنا. صالح يتأقلم أول بأول مع العيش في اسطنبول، تفاعل مع خاله الأصغر، بعلاقة نديّة تنافسية حديّة، تارة متوائمين وتارة متخاصمين، لكنهم يحبون بعضهم في كل الأحوال. تفهم صالح معاناة جده من الوحدة، وأخبر خاله بذلك، حيث نقل عمله من أنقرة الى اسطنبول وهنا بدأ يجهز نفسه ليتزوج ويسكن جوار والده. وتزوج لاحقا. كذلك بدأ والد صالح يتعلم التركية ليتمكن من التعايش مع محيطه. وبدأ يعلّم العربية في احدى المراكز التعليمية، وبدأ يحصل على دخل يعيل عائلته وأمه واخته ايضا. تعرف صالح على بعض السوريين القادمين من المدن السورية الثائرة، توطدت العلاقة وخطب احد اصدقائه عمته الشابة وتزوجا لاحقا. كما أقتنع  صالح مع خاله بضرورة تسجيله بالجامعة وان لا ينتظر العودة الى جامعته في دمشق. فالأيام تمر والفرص تمضي. سجل في فرع العلوم السياسية، تعرف بالجامعة على الكثير من الطلبة من كثير من البلدان العربية. ووجد له أجواء تفاعلية. كما وطد علاقته مع أصدقائه السوريين الذين يدرسون في الجامعة أيضا. كانوا ينتمون للثورة ويفكرون كيف يقومون بواجبهم بحق الشعب السوري. كان قد مر صالح بمرحلة تقلب نفسي وفكّر أن يعود الى سورية ويلتحق بالجيش الحر. لكن جده اوضح له ان هذه الموضوعات لا يتم تناولها وفق العواطف، بل تحتاج لدراسة وتمحيص. اوضح له انه لا يتقن أي تدريب و فنون عسكرية، كما أنه لا يدرك لعبة المصالح والدول التي تلعب بالقضية السورية، وأن السوريين مرتهنين لقوى متصارعة ولا يملكون من أمرهم شيئا. وان الافضل له ان يتعلم ويدرك ما يحصل ويخدم الشعب السوري والثورة عن وعي، وبما يستطيع والممكن المتاح. وبالفعل تعرف صالح على شباب سوري ينشط في الدعم الإغاثي للسوريين المتواجدين في تركيا. لقد جمع واصدقائه بعض الحاجيات والملابس وقرروا الذهاب إلى مدينة أورفا التركية حيث يوصلها معه الى تجمعات السوريين هناك، ويطل صالح عن كثب على واقعهم. كما يكتب بحوثا تفيد دراسته الجامعية حول ذلك. استشار جده ووالده ووالدته وخاله. واخذ موافقتهم وذهب مع صديقه إلى اورفا ليوصل المواد التي جمعوها ويدرس حالة السوريين في اللجوء عن قرب.

تنتهي الرواية حيث صالح وصديقه في طريقهم الى أورفا حيث ينفتح على عالم جديد في واقع السوريين في بلاد اللجوء، وهو في يعيش تطور علمي عملي.

في التعليق على الرواية اقول:

نحن أمام رواية انتهت كتابتها عام ٢٠١٥م. وهذا يعني أن الكثير من واقع الثورة السورية ومآلات ما حصل مع السوريين لم يتضح بعد تماما؛ التدخل الروسي، انقلاب ميزان القوى لصالح النظام. ونشوء ظاهرة إرهاب داعش والنصرة، التدمير والقتل ولجوء الملايين من الشعب السوري للخارج بعد ذلك. البعد الطائفي للتدخل الإيراني مع المرتزقة حزب الله وغيره… الخ.

كما تتابع الرواية الطويلة نسبيا ٤٧٠ صفحة، محاولات تكييف السوريين في غربتهم ونموذجها تركيا.

كما كانت الرواية مغرقة في تفاصيل يومية ولحظية، في الحياة المشتركة لصالح وجده وعائلتهم الواسعة. بحيث بدت لوهلة ما انها اقرب للحشو الذي لا فائدة منه.

استمرت الرواية وفية لذكرى الشباب الثائر المضحي، الشهداء في المعتقلات بسجون النظام.

لم تتوسع الرواية حول أسباب الثورة وموجباتها وكأنها من البديهيات التي لا تحتاج لإيضاح. رغم أن العمل الأدبي مطالب ان يجيب عن اسئلة روايته ضمنا، فالثورة السورية البديهية الأسباب عند السوريين. تحتاج لوضوح عند من لا يعرف عن السوريين وسورية الا القليل…

مهمة الأدب أن ينور واقع الشعوب التي يتحدث عنها. يعطيها المشروعية والمصداقية والديمومة وان لا تدخل مع الزمن بالنسيان.

اخيرا نحن أمام رواية جديدة تنتمي لروايات الثورة السورية، تسلط الضوء عليها وتجعلها حاضرة كل الوقت…

تماما مثل كل تضحيات السوريين…

دم الشهداء…

صرخات المعتقلين و عذاباتهم…

الأمل بانتصار الثورة…

ولو بعد حين..

٣٠/٨/٢٠٢١م.

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!