قراءة في رواية: شظايا الجنوب. بقلم أحمد العربي

لصحيفة آفاق حرة

 

قراءة في رواية: شظايا الجنوب.

الكاتبة: نغم خيطو.

الناشر: كتاب سراي – اسطنبول.

ط١ . ورقية . ٢٠٢١م.

 

نغم خيطو كاتبة سورية، رواية شظايا الجنوب أول عمل أدبي اقرؤه لها.

شظايا الجنوب، الصادرة عن دار كتاب سراي، هي رواية أخرى تتحدث عن تداعيات الثورة السورية التي حدثت في ربيع ٢٠١١م، والتي واجهها النظام المستبد المجرم بالعنف المسلح، وادى ذلك الى قتل المتظاهرين وتدمير المناطق الثائرة وتهجير أهلها. تعتمد الرواية في سردها أسلوب المتكلم حيث تتعاقب شخصياتها المحورية على منصة السرد.

كما تعتمد الرواية أسلوب الخطف خلفا من خلال البداية عام ٢٠١٨م على لسان “سما” التي تحتسي القهوة على شرفة مسكنها في مدينة ألمانية بعد رحلة لجوء سابقة، حيث تعود سما لتتحدث عن سنوات سابقة في حياتها قبل الثورة السورية.

سما فتاة سورية من ريف دمشق، تابعت دراستها اللغة الانكليزية في جامعة دمشق تعرفت على صالح زميلها في الجامعة وحصلت بينهما علاقة حب أدت بعد ذلك للزواج. أثمر هذا الزواج طفلا اسمه تيم. لم تكن العلاقة الزوجية على ما يرام، رغم أن زواجهم قام على الحب المتبادل. صالح بدأ يتأخر في المجيء الى البيت، يسهر في الملاهي، يشرب الخمر، له علاقات نسائية كثيرة غير شرعية. كان يعتدي بالضرب على زوجته سما عندما تواجهه بذلك، وفوق ذلك كان يهددها بالطلاق. لم تكن سما جاهزة لان توصم انها مطلقة، وكذلك كانت حريصة على عدم بُعد ابنها تيم عن والده الذي يحبه كثيرا، قبلت بالعيش في كنف رجل فيه كل هذه المواصفات.

عندما بدأت “الأحداث” كما تذكر الكاتبة، قاصدة التظاهر في الثورة السورية، انقلبت حياة سما وبلدتها رأسا على عقب، حيث بدأت الأجهزة الأمنية تداهم البيوت تبحث عن المطلوبين لها. ومن بينهم كان صالح، حيث تم اعتقاله من عمله وأودع السجن. انقطعت اخباره عن زوجته سما التي لجأت لصديقتها سمر تشتكي لها حالها وتكون سندها في مواجهة مصيبتها. لم تتوقف الأحداث عن التصعيد فقد بدأ النظام في استعمال الاسلحة بكل اشكالها في مواجهة البلدات الثائرة، حيث بدأ حصار بلدة سما، وقصفها بالطيران والمدفعية والصواريخ، لم تسلم المدرسة التي تدّرس بها سما اللغة الانكليزية من القصف، حيث أصابت بعض الصفوف، وقتل كثير من التلاميذ وبعض المدرسين، وكذلك قصفت مدرسة تيم ونجى من القصف. لم تستطع سما البقاء في بلدتها، بسبب استمرار القصف والحصار وانعدام سبل الحياة، غادرت الى بلدة سمر صديقتها التي كانت عرضة لعنف النظام أيضا لكن بوتيرة أقل.

سمر صديقة سما تعيش وحيدة بعد موت والديها، علاقتها وطيدة مع سما منذ أيام الجامعة، وتعلم بقصة صالح وسجنه، استقبلت سما في منزلها، وبعد ذلك جعلتها تدرّس معها في مدرستها، عاشتا أختين يرعيان تيم الذي كان يفتقد والده، ويعاني رهاب القصف وأصوات الأسلحة النارية.

لم تسلم بلدة سمر من امتداد القصف والحصار لها حتى أصبح العيش فيها مستحيلا. وأصبح التفكير بمغادرة البلدة أمرا حتميا. لكن إلى أين؟ . في ذات الوقت كان يتواصل مع سما ايهم صديق زوجها الذي يقيم في تركيا، حيث كانا يتبادلا السلع التجارية. لم يتخلى ايهم عن سما وابنها بعد سجن زوجها، كان يدعوها للخروج من سوريا والذهاب اليه، كان مستعدا لتقديم المساعدة. وعندما أصبحت الظروف سيئة ومستحيل عليها استمرار الحياة هكذا هي وابنها تيم وصديقتها سمر، استجابت لطلب ايهم لتسافر الى اسطنبول مع ابنها وصديقتها. خرجت بأعجوبة معهما من بلدة سمر الى دمشق ومنها إلى بيروت ومنها الى اسطنبول، كان ذلك بعد مضي سنوات قليلة على الثورة السورية. كان استقبال ايهم لسما وابنها وصديقتها طيبا، تصرف معهم وكأنهم اهله، احتضن تيم بكل عطف وحنان، كما حصلت مشاعر ود بينه وبين سما، لكنها بقيت حبيسة النفس فهي متزوجة من صديقه.

تابع ايهم البحث عن صديقه صالح عبر علاقاته في سوريا، جاءه خبر يقين عن موت صالح في السجن، فُجعت سما بهذا الخبر، ولكنها تقبلته في النهاية، حيث فتح الطريق أمام ايهم وسما ليتقبلا فكرة الزواج، وهذا ما حصل.

عملت سما وسمر في تدريس اللغة العربية  للأطفال السوريين في اسطنبول، لكن مع مضي الوقت بدأت سما وزوجها ايهم وصديقتها سمر بالتفكير بالهجرة إلى ألمانيا، بحثا عن فرص حياة أفضل. خاصة أن ظروف عمل ايهم في تركيا أصبحت صعبة، وحصول علاقة بين سمر ويوسف الشاب المقيم في ألمانيا والذي وجد في سمر الزوجة المناسبة له.

قرر الجميع السفر الى المانيا عن طريق مهربين بالزوارق المطاطية الى اليونان ومنها الى المانيا. ركبوا البلم المطاطي وتعطل بهم في عرض البحر وتحطم بعد ذلك، غرق الكثير منهم سمر واستطاعت سما وزوجها وابنها النجاة ووصلوا إلى ألمانيا، حيث استقبلوا في مجمعات اللاجئين وبدأوا رحلة تعلم اللغة الالمانية والتأسيس لحياة هناك. نجحت سما في التأقلم والتكيف، وأصبحت نموذج يحتذى.

وما أن بدأت حياة سما وزوجها وابنها في الاستقرار في ألمانيا حتى بدأ ظهور قيس في حياتها، انه زميلها في الجامعة، حدثها على الايميل، انه يحبها وانه كان سببا في حبس زوجها، وأنه هو من أشاع وفاته، وأن زوجها ما زال حيا، وأنه يبحث عنها ويريد الزواج منها، صدته بداية ثم اخبرته انها متزوجة وأنها سعيدة بحياتها، لكنه لم ييأس، تواصل مع تيم الذي أصبح شابا كان ذلك سنة ٢٠٢٥م. وأخبره ان والده حي وأنه كان سبب سجنه، وأنه لن يغفر لنفسه ما فعله، لقد أدمن المخدرات مات نتيجة جرعة زائدة من التعاطي.

أكد عدم موت صالح احساس تيم أن والده حي…

هنا تنتهي الرواية.

في التعليق عليها اقول:

يحضر في الرواية الجانب النسوي بشكل طاغي، بحيث يظهر أن ما عاشته سما بصفتها الذاتية وكونها امرأة، كان همّها الأول ذاتها وعائلتها وما تعانيه، وان كل ما حصل في سوريا قبل الثورة وبعدها على امتداد سنوات كان هامشا لحياتها بكل معنى الكلمة، لقد فقدت زوجها في السجن، دُمرت بلدتها وغادرتها، كذلك دُمرت البلدات الاخرى، غادرت الى اسطنبول ومنها إلى ألمانيا، لم يكن ذلك يعني اكثر من أقدار تمر عليها. لم تقف عن تساؤل إنساني ملح؛ لماذا حصل ما حصل ؟!.ولا حول كارثية ما حصل ؟!. كان هاجسها كيف تعيش ؟، وهذا حق، وأن هناك من يفكر رغم كل ما حصل معهم ان يلاحقها لمدة تزيد عن عشرين عاما، يدمر حياة زوجها ويفكر بالزواج منها لانه احبها منذ سنين بعيدة . يبدو ذلك غريبا لكن يحق للروائي ما لا يحق لغيره.

كان غياب التحدث عن السبب الأساسي فيما حصل مع بطلة الرواية وكل من حولها غريبا وغير مبرر وغير مفهوم. انه حدث الثورة السورية. المظلومية المجتمعية، النظام الاستبدادي المجرم، خروج الناس كاسرين حاجز الخوف مطالبين بحقوقهم الإنسانية بالعدالة والكرامة والحرية والديمقراطية والحياة الافضل، لقد قدموا ثمنا غاليا لذلك الخروج، هي تلك التضحيات التي قدمها الشعب السوري: مئات آلاف الضحايا والمعتقلين و ملايين المهجرين، مدن وبلدات مدمرة، وحياة السوريين المأساوية داخل سوريا وخارجها، أصبحت سوريا بلاد مقسمة بين احتلالات عدة.

كلها أسئلة مشروعة ومبررة…

 

احمد العربي.

١٢ . ٨ . ٢٠٢٢م.

 

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!