قراءة لديوان (قطوف دمشقية) بقلم. د. سلطان الخضور

لصحيفة آفاق حرة:…

 

الشاعر محسن الرجب يهدي سلالاً من القطوف الدمشقية للأهل والأحبة

 

بقلم. د. سلطان الخضور

 

بعيني قرأت قطوف الرجب الدمشقية, تذوّقتها فطاب لي المذاق, كتبها محسن شعراً ووزع قطافها على مساحات من الوطن العربي الكبير, كانت قطوفاً دانية, شربت من بردى فلذّ طعمها وصار فراتا.

  وجلستُ في ظل دالية في ساح دار عتيقة, في ساح دار دمشقية, تنسمت هواءها فاستعذبت نسماتها, هذي النسمات اللاتي اختلطت برائحة الياسمين, فأقمت وطاب بي المقام.

    ولما نظرت إلى غلاف اصدارك يا محسن, وجدت أغصان دالية تتدلى, وجلسة هادئة وادعة, فقلت في نفسي, لله درك شاعرنا كيف جمعت فيء الداليات وجعلتهن يتنفسن عبق التاريخ الدمشقي العتيق, وسقيتهن عذب الماء من بردى, فاستطاب المذاق لكل صديق.

    زرعت واعتنيت بزرعك فقطفت, ولا يقطف إلا ما نضج من الثمر وما يقطف إلا ما طاب من العسل.

تلكم هي قطوف الرجب التي استوت على سوقها, فجمعها في سلال من غباغب المدينة التي رأى من بين جنباتها شمسه الأولى, وراح يرسل هداياه إلى الوطن الذي أحب, أرسلها للقدس للبنان, لحوران للشام لعمان.

   وفي ليلة قمرية من ليالي إربد الشماء, أربد التي تفتحت قريحته الشعرية بين جنباتها, فصادق أدباءها وشعراءها, واختلط في إربد هدوء المكان بقساوة الزمان, فأفرغ جزءاً من قلبه ليُسكن فيه من أحب.

نظم الحرف وخاضت مراكبه بحوراً شتى, ففعّل وقفّى, وما بين الشوق والحنين والحزن والأنين, استذكر الأم والزوجة والأولاد والبنات وسال الدمع على زمن حزين.

سقطت على صحن الخدود فأورقت    سحراً ندياً ناصع القسمات

تمضي الحياة وكل شيء دونـــــــها   والدمع يبقى سيد الهمسات

 

 كلما التقينا أسمع نبض قلبه يدق, سمعت صوت دقات قلبه تقول غ با غب, وذات ساعة عزفت نبضات قلبه على وتر الشوق والحنين, فخرجت آهاته والأنين فقال :

  وآهاتي يضج الصبر فيـــها   كأن الصبر في صوتي أنيـن

  فيا أشواق عمري قد شكتنا   دموع البعد لا زالت تبـــــين

  إلى دار نبتنا في رباهـــــــا   غصـــوناً من ثراها نستعيـن

 

     راق للرجب طعم القطوف الدمشقية, إلا أنه لم يستسغ مذاقها دون أن يكون للقدس نصيب منها, فالقدس, كما كل العرب وكما كل المسلمين, سكنت قلبه على مدى السنين, فشده الشوق والحنين, كان للقدس حصتها من القطوف الدمشقية, تناولت خصلة من قطوفها, فلذ لي مذاقها, هاكم بعضاً منها:

  جرحان في قلبي على همّ طوى   جرحاً بأقصى قد يطول ويصرفُ

  والآخر المقدود من جمر اللظى   لا زال يهتف بالعيـــون ويخفــق

  أيطول صــبري أن أراك ببردة    يا قدس قولي قل قضى المنصرف؟

       وحين استذكر جرح فلسطين, آلمته جرح تمدى وألم تعدى, فاستدعى مجداً تبدى وقال: 

ألا والعصر والأقصى المفدى   فلسطين الحبيبة سوف تندّى

فلســــطين الحبيبة أنت نبضي   فيا وجعي على دهــر تعدّى

على الرايات ننقش عهد مـجد   لنا في الأمس من نور تبـدّى

 

     وشاعرنا الذي تربى في أكناف أقدم عاصمة في التاريخ, خفق قلبه ذات يوم حين استذكر نسيم الزهر, وحين جالت في خاطره رماح العروبة وسيوفها, منصوبة على جبالها, حين تلتهب ترد الضيم وتصير ناراً على العدا, فتذكر عمان وقال:  

عمان يا عمان يا عطر الندى      يا نسمة الزهر المعتق بالهــدى

فيك الأحبة روضُ طلٍ باســم       يسري كما الانهار وحيا للصدى

فيك الجبال رماحها منصوبـة      سيفا يرد الضيم نارا للـــــــــــعدا

 

     وحوران التي فاضت عطاءً مذ زمن, والتي أشبعت حنطتها القاصي والداني, وتوزعت مساحاتها على عدد من الأوطان, حوران أيضاً, طابت له بيادرها, فذرّى زوانها واستخرج حباّ مجبولاً بحب, وأخرج رغيفاً من حنطتها وتناوله مع خصلة من قطافه, وضع مذراته وقال شعراً يستذكر شمائلها التي امتدت على مدى البصر  

في أرض حوران هذا البوح والشذر    إلى رباها يفيض الشوق والنظر

فيها الرمــاح على عهد الوفا أبــــدا    كالنبل مسنونة تيجانها الشــــرر

إن جئت بيدرها تأتيـــــك باسمـــــة     والحب ينضح فيها والســــنا قدر

 

أما شام الحب والندى, فكانت شامة طبعها على سويداء قلبه, فأسكنها محرابه, لتنبض ما نبض القلب, ولتعلن في كل لحظة أن بينهما علاقة حب أبدية.   

يا شام أنت حبيبتي  محراب قلبي تهجدي

ولكم رمتني غوطة  في ضفة النهر الندي

يا شام يا شام الهوى أنت الهوى فتوردي

 

ما أصعب الفراق حين يكون, وما أصعب الذكرى في ليالي السكون, والحديث عن الرجب ذو شجون, فسلام عليكم, وسلام عليه حيث يكون. 

…..

 إربد. الأردن

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!