قراءة لمجموعة الشاعر: سعيد عبد الغني (أفول الماهية الكبرى ) بقلم : عباس رحيمة

هنا اطرق رأسي بمطرقة وأنا اقرأ مجموعة شعر عبارة عن قصيدة واحدة من الصراخ ورفض والمعاناة وكثير من الأسئلة التي لا تنتهي دائما تنبع من الشك لعلها تنحدر الى ضفاف اليقين؛ البحث عن ماهية الوجود ما يعني الحياة والموت، وما الغاية من خلقنا إذا كانت هناك نهاية حتمية لوجودنا هل هو نوع من العبث ام هناك غاية ما؟ أترك الشاعر الذي لم ينصفه ناقد. وكأن الكل يخاف ان يطرق بابه للخوص في أعماق الشاعر العابث بالمفرد والجريء جداً في تحدي الأنظمة وقواعد الكتابة. والغور في أعماق الوجود وطرح الأسئلة الجريئة غير المبطنة عن الله والأيمان والعدم في مجتمع يقدسه وحدانية الرب ويحذر من المماس بذات الاله.

عندما بدأت بالقراءة كنت اظن أنني سأمر عليها مرورا سريعاً لكن الذي شدني إليها وجعلني أبحر بين السطور. كالغريق في بحر من الكلمات المتمردة على الواقع. أتشبث أحياناً بقشة واحياناً ادع نفسي تتحرر من القيود الاجتماعية والدين.

أركض بين سطور لعلي اعثر على أجوبة لنفسي انا الكائن الملتزم.

الشاعر هنا في هذهِ المجموعة يمسك بمعول ويهدم جدار الرتيب الذي بناه الشاعر العربي.

على الشاعر ألا يتجاوز ويخدش حياء وذائقة القارئ. ألا يتجاوز على القيم والعادات التي تربينا عليها. إن تكون لغة قالب جاهز يرضي اذواقنا، فتكون القصيدة قاموس مقدس يمجد ذات الالة والحاكم لكن “سعيد عبد الغني” يتحدى الكل ويصرخ عالياً بأعلى صوته ويخرج من المعطف المقدس ويقول

تهربين مني

لأني احكم القبضة على وجدانك ِ

الذي يتوهج عندما افهمه

ألم أعضائك في كتاباتي

عيوني على قلمي

ونهدك على الورقة

ومهبلك في فمي

فتح باب التمرد وخرج من قفص الشاعر المهذب الذي يكتب عن الأمسيات ويمجد الحاكم معطراً الوراقة بماء الورد. سعيد يمسك الفرشة ويشطب الكلمات المهذبة، يصرخ بوجه الوجود ويتمرد على ذاته الاله ويعتنق آلهة الشعر، ويدعي أنه الابن المقدس الذي خرج من رحم لغة عذراء

أنا أتكون في بطنك ِ

نفخني الشعر بكِ

ولكن الجنين أبدي

لن يهبط من جدرانك

كأنه يقول: إني المقدس الازلي الذي هبط من الأعلى إلى أرض اليباب أيها الشعراء المهذبين ها أنا سعيد عبد الغني أخرج عاريا من قاموس اللغة المقدسة، ويسأل سؤالاً محيراً يطرق جدران وجودنا وكأنه يذرو الرمال، عن الخلق والعدم. عن الحياة والموت،

أثبت الفوضى بداية

لكي أزيل السطو الأول عليّ ممن خلقني

سواء كان إله أم مادة

وكونه سيسطو عليّ ثانية

في موتي

فالله لدية نرجسية

يتشبث بالوجود عابثاً ويبرهن على أن الغاية من وجودهِ ما هي إلا تلذذ بعذاب الأخر، نرجسية الله  أنه خلق الإنسان على صورته كما يقول الكتاب المقدس، لكن كصبي مدلل وجميل عندما يرى خدش في خده يكسر المرآة غضباً. يحاول أن يخرج من الوجود إلى العدم فيقول

في كل وجود

إله مسجون في العدم الملحق به

ما لغاية من وجدونا إذا كنا مرآة بيد الله النرجسي مثلما يقول لأنه يرى صورته بنا؟ شاعر يتلذذ بفاكهة الوجود ويعلن للملاْ أنه القاتل ويعترف

قلت لطيفك وشخوص والله

أنا القاتل

أعترافَ مع سبق إصرارٍ مرفوق بشتيمة عالناً غضبة على صمتِ الآخرين عن مهزلة الوجود فيخاطبنا

أيها المنبوذين من ثمار العالم

والمخنثون في اذواقكم

هيا نرتقي شجرة الحياة

التي طالما دخلتم في دبرها

الصعود إلى اليأس كمن يصعد سلماً من الضباب إلى المجهول

“سعيد” يحاول أن يذرو الرمال بوجه القارئ، يأخذ منه عصا الأمل يتركه يتكئ على الوهم؛ ليخطو خارج رحم الشعر إلى مروج الوجع وفوضى الطفولة: إنه يحاول أن يجعل من الورقة بساط للحلم يفرشه وينام عليه حالماً بالقصيدة، حبيبته، أمه التي أرضعته مأساة العالم ليشب شاعراً خارقاً بالمأساة وينحت صخرة الوجع فيكتب عن الوجود، عن الانسان كما هو على فطرته.

سأفرد الورقة الذي أكتب عليه لك

لأنام عليها عارياً تماماً

هنا يريد ان يكون حراً ويتحدى الوجود المحتشم

نحن جداران عظيمان

نتوج الحرية

ارفض كل شيء الله الوجود الشعر

يتمرد على الشعر الذي هواه وزاده كقسٍ متمرد على ذاته، فيقول لنا نحن المتفرجون والممثلون الفاشلون أن الحياة زائلة لا معنى لوجودنا في هذا المسرح فيقول:

تشبهين المسرحي

الذي أعصيه

ولكن أدفع تماثيله في القرابين

التي أقدمها كل يوم للعدم

الشاعر يرسم لنا لوحة مضطربة الألوان، مشوشة، كاتمة، وجوة تضحك لعدمٍ، وأخرى تبكي فرحة بالبقاء، عيون تتلصص في كل زاوية من الوجود فيقول:

جربت الحياة في الواقع

فشلت فشل ذريعاً

الغرفة مليئة بالعيون

بالوساوس

أسبح في المتاهة

يا إلهي لعنة أبدية تلبس الشاعر في الرفض والاستمرار. بدأت اشعر بأنفاسي تضطرب من الخوف مما يحل به في المقطع الأخير من المجموعة؛ بعد هذهِ الوساوس والوجع والشك بكل شيء:

مرة حلمت أن أبي يغتصبني بوحشية

ما قسوة الحياة على المرء حينما يخاطب الطمأنينة لعله يهدى او يهتدي الى بر الأمان:

(تعالي أيتها الطمأنينة المختلسة في سلامي لتري

كل ما أكتب عن مخازن الضياع في الوحدة)

هل وجود الشاعر حقيقي أم عدم؟ هل هو حي أم ماذا بعد كل هذا الكم من الوجع وصراع؟ أسئلة محيرة لكن “سعيد عبد الغني” يجيب عليها بدلا عني أنا القارئ المتشتت الفكر المصاب بالفزع والذهول من كلماته وكأنها سوط يجلدنيِ بالشك وأحيانا يلبسني ثوب اليقين بلعنة الوجود فأخرج من معطفي الوقور أنا البسيط المؤمن بالقضاء والقدر. يدعوني أن أكتب  شعراً وأنا عارٍ مثلما يرثيني الشاعر

ألا أظن أيضا

هل أفرح لهم أم أبكي عليهم

هل أرثيهم

دع القصيدة تلبس ثوب الوقار وتخرج من معطف الحزن، عانق الحياة يا أيها الشاعر، أرفع يدي مست

عباس رحيمة

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!