فتحي المقداد

كتب محمد فتحي المقداد. إضاءة على كتاب”إطلالات على الرواية الأردنية المُعاصرة”

لآفاق حرة

إضاءة على كتاب
إطلالات على الرِّواية الأردنيَّة المُعاصرة. للدكتور سلطان الخُضور
بقلم الروائي. محمد فتحي المقداد

المُتتبّع لمسيرة الدكتور “سلطان الخُضور”، يستطيعُ تشبيهه ببستان مليء بأنواع الأشجار المُثمرة والورود؛ فقد كتب الشِّعر والقصَّة والخاطرة الرواية، كما أنَّه نحا منحى الدِّراسات النقديَّة لأعمال أدبيَّة على اختلاف تنوَّعها الأدبيِّ. والكتاب الذي بين يديَّ هو “إطلالات على الرواية الأردنيَّة المُعاصرة”، فقد سلَّط الضُّوء على عشرة أعمال روائيَّة صدرت حديثًا، وهو بذلك جزء من تاريخ الحركة الأدبيَّة الأردنيَّة على وجه الخصوص، والعربيَّة عُمومًا، وقد وصف كتابه. بقوله: (الباحث إذ ينظر إلى هذه النصوص بعين الناقد، لا يدَّعي بأنَّ ما سيقدمه في هذا الكتاب هو الأفضل، فالنقد الأدبي كما هو معروف يختلف في طرائقه وأساليبه ومُحدداته ونتاجاته من ناقد إلى آخر، مما ينتج بالتالي تباينا في وجهات النظر، ويعود ذلك إلى اختلاف الرُّؤى، وتعدُّد القراءات، وبالتالي اختلاف في النتاجات النقدية، لأن الأمر لا يناقش قاعدة علمية أو رياضية ثابتة ومتقاربة الاستنتاجات).ص9. وهو بهذا يُقرِّر بأنَّ قراءاته ما هي إلَّا رؤى شخصيَّة تستند إلى فهمه ووعيه للنُّصوص التي قام بدراستها، ويقول في موقع آخر: (ولا نُبالغ إذا قُلنا إنَّ النَّاقد قد يشطحُ شطحات في التَّعليل والتَّفسير، لم تكُن قد دارت في خَلْد الكاتب).ص97.
ويُبيَّن كذلك المنهج الذي اتَّبعه في مساراته النقديَّة، بقوله: (اعتمد مؤلِّف الكتاب على المنهج التفكيكيِّ التحليلي، الذي يعتمد التَفسير بناء على ما يرِدُ في النصِّ من مُفردات، حيث تعامل مع كلِّ نصٍّ كجُزء عن الكاتب، إلّا مما تفرضه المُعطيات الدَّالَّة الواردة في بعض النُصوص).ص97.
وكلمة إطلالات مفردها إطلالة، وكما وردت في لسان العرب: (أطلَّ على الشَّيءِ: أشرف عليه :-مدينة تُطِلّ على البحر، – شُرْفتُه تُطِلُّ على الحديقة). وبذلك تطابقت مع المقصود من إيرادها مُفْتَتَحًا للعنوان، وكأنَّ “د. سلطان”. أراد لنا الوقوف معه على شُرفته، لتكون الرُّؤية واضحة تمامًا بلا غَبَشٍ ولا شَوَشٍ.
*..*

وباستعراض لمادة الكتاب: المكوّنة من عشر إضاءات على عشر روايات، لندخل من خلال بُوّابة العنوانات، وملاحظة غناها التنوّعي بانتقالاتها المُؤشّرة على مواضيع جديرة بالتوقّف عندها، وهي دالّة شخصيّة على كاتبها “د. سلطان الخضور”:
*الشاعر الدكتور راشد عيسى يقدم مساقًا تربويًا على أوراق رواية “لم أكن أتوقع”.
*دلالات المفردات في رواية بأي ذنب أحببتك لأريج صافي الخصاونة .
*رواية (ثقوب سرية في غابات الأمازون) لمحمد ثامر عرض متسارع للأحداث .
*الدكتورة سوزان خلقي تمتطي صهوة الدراما في رواية (روت لي حكايتها).
*انعكاس المسمى والغلاف على المحتوى وعلاقته بنفسيّة الراوي في رواية بنش مارك لتوفيق جاد.
*مؤشرات الانتماء في رواية (لعنة الفراعنة) للدكتور حسين منصور العمري.
*رواية(يعقوبيل) لناصر القواسمي أطروحة تعالج عشرين مسألة
*(فلستيا) الرواية الممسرحة للدكتور حسام عزمي العفوري.
*التراكيب والمعاني في رواية السجينة والسجان لحسن أبو هنية
*الوهم في رواية تقاسيم على جدار الوهم للدكتور أنور الشعر..
بعد اِسْتعراضي لهذه المواضيع، وقراءتها بالتفصيل لمرّتين سبقتا هذا، أتوقّفُ عند دراستين تُعدّا نموذجًا مُشرقًا وازنًا في الكتاب. جاءت الأولى في المجال التربويَّ، والثانية في رحاب التاريخ، وهما:
*الشّاعر الدكتور راشد عيسى يقدم مساقًا تربويًّا على أوراق رواية (لم أكن أتوقّع).
*رواية (يعقوبيل) لناصر القواسمي أطروحة تعالج عشرين مسألة.
*..*

النموذج الأول. التربوي:
*الشّاعر الدكتور راشد عيسى يقدم مساقًا تربويًّا على أوراق رواية (لم أكن أتوقّع).
-(الراوي قد قدم على أوراق روايته مساقًا تربويًا خالصًا مُتنوّع المذاق، يصلح ليس فقط للناشئة كما خطّ على مقدمتها، بل للناس كافة على مختلف الأعمار ومختلف المستويات) ص11.
-(أن بطلة الرواية المتفوقة “دانة” هي ابنة واحد من العبيد وأن السيدة التي كانت تعيش معها والتي كانت تناديها “سيرا” في إشارة أنها ابنة خادم أي سيريلانكية، والتي تعاني من نوبات الصرع لم تكن أمها، بل هي ابنة سيد أبيها)ص11.
-(طرق الكاتب مسألة العبد والسيد، وبيّم نظرة المجتمع السلبيّة تجاه من يطلقون عليهم لفظ العبيد) و(أن معايير المجتمع في الحكم على الأشخاص تعتمد المظهر والحالة الاجتماعية من فقر وغنى، والكيد لمن يشعرون بتفوقه عليهم، والأهم هو غياب البعد الإنساني في التعامل بين الناس) ص12.
-(نلاحظ الأثر التربويّ والنفسي على لسان بطلة الرواية: “كان موقف المديرة غيثًا وقع على كل عشبة جافة في حقل نفسي، وأصبحت خلال أيام قليلة مسؤولة الإذاعة المدرسية”)ص13.
وفي العناوين الداخلية لرواية “د. راشد عيسى”. جاء على تأصيلها “د. سلطان” ضمن مفاهيم دراسته عن الرواية:
-(من عناوين المساقات التي تتحدث عن الأمل في المستقبل وعن الحرية)ص13. (وفي عنوان آخر، جعل الكاتب بطلة روايته تعدل من سلوك صديقاتها في كتابة الرسائل على الهاتف المحمول)ص13.
-(والعنوان التالي على لسان البطلة أيضًا حين قالت:” إذن من أسباب ضعف الطلبة في اللغة العربية قلة دافعية المعلم والمعلمة” ص14.
-(أما العنوان التالي من عناوين المساق، فقد جاء على لسان “دانة” أيضًا: “ليس بالضرورة أن يكون العبقري أين يكون ابن أسرة غنية. العبقرية موهبة خاصة يضعها الله فيمن يشاء”) ص15.
-(سبعة من العناوين متتالية، وردت من الطالبات المشاركات استجابة لاقتراح من بطلة الرواية في فن كتابة العبارة القصيرة، يصلح كل منها عنوانا لجلسة عصف ذهني يستنهض الأفكار لدى الطلبة على مختلف مستوياتهم، أوردها كما هي:
الاعتذار ممحاة الضغينة. لسانك صورة قلبك ومرآة عقلك. هكذا قال الصمت. لأن سمعي ثقيل فلا أسمع إلا ضجيج الفراشة. ليت المدرسات والمدرسين يدركون أن التعليم طريقة تفكير وليست معلومة. يدا أمي تضعهما على شعري.. (سشوار) حنون. لا تراهني على رجل في أيام الحب بل بعد الزواج. مشكلة الوردة أنها لا تعاتب قاطفها)ص15.
-(ذكر الكاتب مهارات الاتصال الأربع بقصد تعليمها: القراءة. الكتابة. التحدث. الاستماع) وأورد عبارة من الرواية على لسان. “د. راشد عيسى”: (قرأت نقدا مباشرا للمناهج التي تقدم المعلومة، لكنها لا تعلم الطلبة مهارات الحياة، وفن بناء الشخصية، وتحقيق الأهداف، وقلما تلتفت إلى قيم التسامح والمحبة واحترام الرأي الآخر وفن الحوار وتشجيع المواهب)ص16.
*..*
النموذج الثاني. التاريخي:
*رواية «يعقوبيل» لناصر القواسمي أطروحة تعالج عشرين مسألة . يشير “د. سلطان الخضور” إلى شدة إعجابه بالرواية، فقد وصفها. بقوله المجمل جاء على فكرة الفكرة التي قامت عليها الرواية بشكلٍ عامٍّ: (وإني لأغبط ناصرًا حيث تنفست روايته (يعقوبيل) وإني لأراها رواية تشهق وتزفر عشقا للوطن والأمة، وتؤكد على عمق الروابط التي تجمع بين أبناء الأمة العربية، وعلى عمق ثقافة الشعب الجزائري، وأصالته ومناصرته لقضية فلسطين ولكل قضايا الأمة والوطن الممتد من المحيط إلى الخليج)، و(ناصر القواسمي مؤرخا لتاريخ الكنعانيين حين رسم بيديه الواثقتين رواية «يعقوبيل»، فقد حفرت روايته في أعماق التاريخ، وقلعت أوتاد الطارئين على تاريخ كنعان، وعرت أحلامهم)ص61. أستعرض بهذه العجالة أفكار أطروحة الرواية العشرين التي عالجتها كما حدَّدها “د. سلطان الخضور”. وتتمحور حول: ارتباط المسلمين الروحيِّ بمقام إبراهيم، والارتباط بالوطن. عدالة الضّمير والضّمير الزَّائغ بين الأخوة. خصلتا الخير والشرِّ المتأصِّلتان في الإنسان، حتميَّة العودة للوطن. الصبر على هجران الوطن. العلاقة العميقة الرَّابطة بين الأم وابنها. ضرورة تحمُّل المسؤوليَّة عند اتخاذ القرار. مناقشة مبدأ تشاركيَّة الحياة. وأحلام اليقظة وتشابكات العقل الباطن مع العقل الظَّاهر. مناقشة قضيَّة أسرية مهمة الجمع بين الأختين. مسألة الاستقلال وعدم التبعيَّة. قضيَّة الإيمان والتوحيد وصراعها مع الوثنيَّة. تعميم فكرة الختان. اختلاف الرُّؤى بين البشر باختلاف طريقة تفكيرهم. رواية قصة سيدنا يوسف عليه السَّلام بأسلوب شبيه أو قريب ممَّا ورد في القرآن الكريم. *..*

الخاتمة:
إنَّ الفوائد التي يتحصَّل عليها الكاتب النَّاقد من كتابة مواضيع نقديَّة لأعمال أدبية، ربَّما تكون معدومة له شخصيًّا بلا على الأغلب، لكنَّ النَّقد في مجمله هو السَّبيل لتطوير أداء الأساليب الكتابيَّة، والمُفاضلة بين الغثِّ والسَّمين، والكتاب الذي كنَّا بصدده، وكما أشار مؤلفه “د. سلطان” لذلك، على أنّه قراءات انطباعيَّة، لم تكن تسير وفق مناهج النَّقد الصَّارمة، ونظريَّاته العديدة المعروفة لدى الجميع، وآثر وَضْع بصمةٍ خاصَّة به حسب رؤيته، وقد أشار لمحاسن الأعمال التي كتب عنها، ولم ينس الإشارة إلى بعض مواطن الخلل البنائيَّة واللَّغويَّة والتعبيريَّة الشَّاردة عن مسارها الحقيقي والمُفتَرَض. هذه بعض جوانب الكتاب، وهناك الكثير ليُقال عنه، ولا حيلة لي مع الوقت المُحدَّد في مثل هذه الاحتفاليَّة الاِحَتفائيَّة. وهو ما جعلني أركِّز باختياري على القراءتين. فإن كنتُ قد وُفِّقتُ فمن الله، وإن جانبتُ الصَّواب فمن نفسي والشَّيطان. تحياتي لكم.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!