“لا تغن للفراشات” قراءة نقدية بقلم. د. سلطان الخضور

لصحيفة آفاق حرة:

 

“لا تغن للفراشات” قصص في النقد الاجتماعي لرامي الجنيدي

قراءة د. سلطان الخضور. الأردنّ

 

هذه مجموعة من القصص القصيرة جداً للقاص رامي عبدالله الجنيدي والتي عنونها بــ” لا تغن للفراشات.
صنع القاص رامي الجنيدي من الإهداء الذي جعله في مقدّمة المجموعة, مرآة مستوية عكس من خلالها صورة للعنوان الذي قاد المجموعة وهو” لا تغن للفراشات” ليوضح لنا الإهداء أن المقصود بالفراشات هن النساء حيث قال في الاهداء:” لا تغن للفراشات, هن بنات حواء, يرسمن احلامنا بأظافرهن الطويلة على أجسادنا الخرساء, ونحن نرسم زنبقة ونسقيها من دمعتنا ونرحل.
أراد القاص رامي من خلال الاهداء أن يقول أن العلاقة بين الطرفين- الرجال والنساء- علاقة غير متوازنة, تميل لصالح النساء, وبالتالي هي علاقة غير منصفة لمعشر الرجال, لأن أحلام الرجال تلحق بمظهرهن الذي رمز له بأظافرهن, والرجال يستسلمون لهذه الأظافر وهي تحفر بأجسادهم, وقد أشار إلى ذلك بكلمة ” الخرساء” وما على الرجال إلا دفع ثمن هذه العلاقة من دموعهم ليسقوا بهذه الدموع هذه الزنبقة الجميلة ويمضون.
على غير العادة سأبدأ من حيث انتهى القاص رامي الجنيدي, ثم أبدأ بالعودة مبرراً هذا الاجراء أن ما يكتب بالتالي هو الأحدث وأنه هو الأقصر, ولذلك سأتناول الخمس الأواخر كنماذج أطل من خلالها على نصوص الكتاب.
والقصة الأخيرة التي عنوانها “مسرحية الحياة”. هكذا تبدو الحياة عند “العبليني” صعب المزاج, تبدو الحياة مسرحية, نشهدها كما الآخرون, نقبل عليها وندفع الثمن غاليا, لنصاب بالدهشة حين لا نفهم الذي يدور في أفقها وبين أزقتها, وحين ندرك أن مسرحية الحياة موجهة للصم والبكم, فاستخدمت لغة الاشارة التي لم نستطع إدراكها.
” …, رغم أن التذاكر باهظة الثمن, إلا أنني كنت سعيداً جداً, وحين بدأ العرض أصابتني الصدمة الكبيرة, لأن المسرحية كانت مخصصة للصم والبكم.”
وتحت عنوان” امرأة وحيدة” قصد الجنيدي أن يبرز صعوبة الوحدة, وأن هنالك تكاملية بل ضرورة في العيش بين الذكر والانثى, فالوحدة قاتلة وأن قلب الانثى كما قلب الذكر يحتاج إلى من يؤنسه في هذي الحياة, فألذ فنجان للقهوة هو الذي يكون مع الشريك, وأمتع لحظات النوم حين نستأنس بقرب الشريك, وحين نستيقظ, أول ما نبحث عن الشريك, فالمرأة الوحيدة كزهرة عاشت في مكان قصي لم يمر بها أحد, وبالتالي هي عاشت لذاتها, وقد جاءت البلاغة لتقول, أن كل وحيدة يقابلها وحيد.
” تجلس المرأة وحيدة, تشرب قهوتها وحيدة, تنام كل مساء وحيدة, تستيقظ كل صباح تفتش عن قلبها الوحيد.”
أما قصة “شجاعة” التي قال فيها” حين أدرك الجندي أن البندقيّة فارغة من الرصاص, وبلا تردد ابتسم للدمعة.” هذه القصة استحضرت معها مشهد المضحك المبكي, وجاءت في تناص مباشر مع المثل العربي” شر البليّة ما يضحك” إذ كيف يبكي أحدنا على مشهد مضحك؟, وكيف يضحك على مشهد مبكي؟ فإذا حصل ذلك يكون شر البليّة التي يفترض أن تسيل عليها الدموع, إلا أن ردة الفعل كانت بالضحك. هكذا هو الجندي الذي يعتز ويفتخر ببندقيته التي من المفترض أن تكون جاهزة للاستخدام في حالة تعرض ما هو مسؤول عنه للخطر, ليجد مخزنها بلا رصاص, فسالت دموعه فابتسم من شدة الألم والحسرة.
“نرجسيّة” هي قصّة أخرى تصب في النقد المجتمعي وتغير السلوك لأسباب غير موجبة وغير مبررة, فهذا الدكتور الذي ظن نفسه مهمّاً, فترفع عن الرد على مكالمة صديقة وتركة يحاول مهاتفته وبالتالي أغلق الصديق هاتفة مدحوراً من غير سبب, على أمل أن يكتب له رسالة يعبر من خلالها عن سخطه من هذا السلوك المشين, حيث ظن الدكتور نفسه أنه كبر بشهادته فاستعلى واستكبر, ولم يعمل بتواضع العلماء, أو بالآية الكريمة ” إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ” فالأولى التواضع, والتواضع من حسن الخلق.
… ألووووو ألووووو ألوووووو دكتور ل تسمعني؟… “الإهانة لا ينبت من رحمها زنبقة”
أما القصة الخامسة فقد تحدث بها القاص عن السرقات الادبيّة, وكأني به يريد أن يقول أنها عند النساء أكثر, فكتب تحت عنوان ” يدي والنص” على لسان الشاعر- لا أدري لماذا كلما كتبت نصاً أترك يدي وأغادر النص, تسرق النساء النص, وتترك يدي تلهو خارج النص”.
النساء في العادة بطبعهن يبحثن عن المعجبين سواء بمظهرهن أو بسلوكهن, وقد انسحب هذا الأمر على سلوكهن على وسائل التواصل الاجتماعي, والأدهى أن تلكم اللاتي يسرقن النص لا يشرن لا من قريب ولا من بعيد لكاتبه, فتبقى بصماته خارج النص لا يعلم بها إلا هو.
هذه نماذج تمكنت من اقتناصها مما كتبه رامي الجنيدي في إصداره الثالث ” لا تغن للفراشات”, آملاً أن أكون قد سلطت الضوء على بعض منها, وأن أكون قد عرضت صورة عن النقد الاجتماعي الذي ورد بين جنبات نصوصها.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!