مناقشة ديوان ( حالة استثناء ) للشاعر المبدع د . سمير منتصر

الورقة الثانية

بقلم أ . متولي بصل
في البداية أبارك للشاعر الرائع د. سمير منتصر، فوز ديوانه ( حالة استثناء ) بالنشر الإقليمي، وأقدِّر وأثمن طرح الديوان للمناقشة، وأرجو أن يحظى الشعر ببعض ما يحظى به السرد من مناقشات ونقد، وقراءات انطباعية، وقراءات منهجية، خصوصا أنه في الفترة الأخيرة يمر بأزمة كبيرة، ألا وهى تقلّص عدد قرائه؛ لدرجة أن جمهوره أصبح يقتصر على الشعراء أنفسهم ! ففي كل ندوة أو أمسية أو احتفالية شعرية نفتقد العنصر الأهم وهو الجمهور .
لذلك فإن عقد مناقشة لديوان، أو عمل نقد انطباعي أو منهجي، أو حتى قراءة عادية لقصيدة شعر ربما تعيد إلى الشعر بعضا من جمهوره .
توجد تجارب شعرية ناجحة، وتستحق تسليط الأضواء عليها؛ مثل التجربة الإبداعية التي أمامنا .
عند تصفح الديوان، وتأمل عناوين القصائد نجد أنها بسيطة ومباشرة، حتى إن معظمها عبارة عن كلمة أو سطر من القصيدة نفسها؛ وهو ما يُسهل على القارئ التحليق في أجواء كل قصيدة دون عقبات، وتبصّر معانيها، وفهم الرؤية والرسالة التى عمل الشاعر على توصيلها .
اشتمل الديوان على 19 قصيدة؛ هى :
– حالة استثناء
– فلترحلي
– يا بحر بلغها اشتياقي
– لا تنتظر ما كان
– إن بعض الظن إثم
– عيناك
– لا تغيب عن المدار
– كيف تكون إنسانا ؟!
– سلوى !
– مثل الحجر
– حلما لا أكثر
– سأموت من الآن
– في مثل هذا اليوم
– سنسافر عبر خيالاتي
– فلتسألي التاريخ عني !
– خذيني !
– عيدك يا ملك
– أراك تشبه القمر
– كيف لو أني اقتربت ؟!
تمتاز بأنها قصائد رومانسية، ذاتية نابعة عن تجربة الشاعر، معبرة عن مشاعره وأحاسيسه من حب وغرام وشوق وحنين وعتاب، ومَن يتأمل صورها وصياغتها يعرف أنها بعيدة كل البعد عن التقليد والمحاكاة؛ فمن القصيدة الأولى ( حالة استثناء ) إلى قصيدة ( كيف لو أني اقتربت ) نجد عالما شعريا صنعه الشاعر من يانه ووجدانه، ليعبر عن ذاته وعن مكنوناته، عن نجاحاته وعن كبواته في الحب والعشق، ومشاعر الشوق والحنين التي مرت به ومرَّ بها.
حنين وشوق وعشق وبوح وذكريات وعتاب .. ..
التزم الشاعر بالخصائص الفنية للشعر الحر ( شعر التفعيلة ) في معظم قصائد الديوان؛ مثل :
• وحدة التفعيلة العروضية، وعدم التقيد بعدد معين من التفعيلات في كل سطر شعري .
انظر مثلا قصيدة ( كيف تكون إنسانا ) ص 27 تجد :
ألا إني ألا إني 2 تفعيلة
أبي الدمع لكنِّي 2 تفعيلة
تراني ضاحكا والحزن مفترش على عيني 4 تفعيلات
تراني حالما والغيظ مكظوم على حزني 4 تفعيلات
لأرسم بسمة جبرا لخاطر من يصافحني 4 تفعيلات
ولست أفرق الأعلى من الأدنى 3 تفعيلات
ويكفي الحسن بالظن 2 تفعيلة
وكذلك في قصيدة ( عيدك يا ملك ) ص 57 إذ نجد :
اليوم عيدك يا ملك 2 تفعيلة ( مستفعلن مستفعلن )
والشمس تحتضن النجوم بليلة 3 تفعيلات ( مستفعلن مستفعلن مستفعلن )
كسرت قوانين الفلك 2 تفعيلة ( مستفعلن مستفعلن )
وسيهبط الوحي الذي من خاطري 3 تفعيلات ( مستفعلن مستفعلن مستفعلن )
من لهفتي من لوعتي 2 تفعيلة ( مستفعلن مستفعلن )
بالحب يقصد منزلك 2 تفعيلة ( مستفعلن مستفعلن )
فسيخبرك 1 تفعيلة ( مستفعلن )
ومن ثم نرى أن السطر الشعري ليس مقيدا بعدد محدد من التفعيلات العروضية .
• كما التزم الشاعر أيضا بعدم التقيد بوحدة القافية، بل أتاح الفرصة لتعدد حروف الروي؛ ففي قصيدة ( إن بعض الظن إثم ) ص 19 نجد أن القافية تتغير، وكذلك في قصيدة ( لا تغيب عن المدار ) ص 25 .
في قصيدة ( كيف تكون إنسانا ) ص 27 نجده هنا يسلك دروب الناصحين، ولهذا جاءت مباشرة، وبأبسط المفردات لتصل الرسالة للجميع .
يتحدث عن نفسه، وعن نظرة الناس إليه، فهم لا يرون ما يحمله من هموم وأحزان، لا يرون إلا ما يرسمه على وجهه من ضحك وفرح وابتسام، يجبر به خواطر من يصافحونه، ثم يبادر إلى نصح من حوله بالتزام الخلق الكريم، والتحلِّي بالمعاني والصفات السامية الإنسانية، ويحث غيره على الإحسان للغير، ويحذرهم من أن يركنوا إلى الدنيا الفانية، ويحضهم على الاعتصام بحبل الله، وبهدي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان قرآنا يمشي بين الناس .
هذه هى القصيدة الوحيدة التي خرجت عن الإطار العام الذي جمع مجمل قصائد الديوان، إذ أنه في صورته العامة يتميز بالحب والرومانسية، ويربط بين قصائده موضوع واحد يدور حول مشاعر الحب والشوق والحنين .
• وإذا تأملنا قاموس المفردات التي تم استخدامها، نجد أن الشاعر لم يأت بكلمات بعيدة أو غريبة عن الحياة اليومية، المفردات فصحى بسيطة قريبة لا تنكرها الأذن، ولا تنفر منها، كما تنوعت الأساليب لتخدم السياق العام لكل قصيدة، ففي ( قصيدة خذيني ) ص 55 نراه يستخدم أسلوب الأمر أكثر من مرة، بكلمات؛ مثل : ( مريني ، خذيني، ضعيني، دعيني) وأسلوب الأمر هنا ليس أمر الغالب، بل طلب المغلوب الذي وجد نفسه قد تحوَّل بسبب العشق والغرام إلى عبد أسير عند الحبيب الذي أُغرم به، ثم نرى بعد ذلك محاولات لاستعادة الذات في السطور التالية، يسوقها الشاعر في أسلوب خبري مباشر؛ مثل :
أنا القدر الذي لن تهربي من ملكه إن شئت ذلك أم أبيت
أنا الملك الذي بجيوشه من حيث لا تدرين يوما قد أسرت
• ونلاحظ العديد من الصور الجميلة، فنجد :
درب الأبجدية .. حرم الهجاء ص 6
وأنا الذي لو رحت في خبر لكان بلا ابتداء ! ص 8
وزرعت فيك تواضعي حتى جنيت الكبرياء ص 11
هى أكبر معتقل في الدنيا ص 23
حتى قلمي قد بات يعانده الحبر ص 32
وعلى يديك تلونت بالشعر صفحات المطر ص 46
فأقبل رأسك في بيت
وأعانقه باقي الأبيات ص 49
فلتسألي عني قصائدك التي رسمت على دربي عناقيدا ونيلا ص 52
فاليوم موعدنا ولا أدري غدا هل تنسخ الأقدار ماضينا الجميلا ص 54
ديوان ( حالة استثناء ) هو بالفعل استثناء بين دواوين شعر الفصحى التي ظهرت في هذه الفترة، التي يعاني فيها شعر الفصحى من ازدواجية اللغة، والافتقار اللغوي الذي جعل الشعر الفصيح يبدو وكأنه في عزلة عن مجتمع فقد هويته، وابتعد عن لغته، وأصبح من يتكلم فيه الفصحى وكأنه غريب قادم من كوكب آخر .

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!