نص وقراءة / بقلم : الأديبة ناهد الشمري

 

 

النص

وشم على ذاكرة البحر

ف … هل ستحتملين كل هذا الجنون ؟

هل الوحدة نزيف الذاكرة الاعمى ؟

أم هي تجفف منابع الالم ؟

ام هي قبو الاحلام المؤجلة ؟

من هذه العتبة ، التي تتربع آخر وهدات الشرق المتطلعة الى ملامسة خيوط الشمس ،بدأت حياكة ملامح المحطة الاخيرة

لقاطرتي المنفلتة في سراب الظنون منذ اربعين قيظا .

هل هي أمل قديم أم رغبة مؤجلة أم لذعة منبت الالم الرابض – ابدا – في خاصرة الحلم ؟

كنت مندفعا كسهم أفلته مراهق من قوسه في لحظة طيش غير معنونة ..

قبل ان يلفضني جزر مضيق هرمز الى عرض البحر ، احرقت جميع مخلفاتي : اوراقي المحترقة ،كارتات احتجاجاتي الصفراء والحمراء ،والتي ظننتها – في بعض ساعات سكوني – رهانات مؤجلة او قادمة ، وبعض اوجاع الرأس المزمنة . وحدها اصوات قلقي وهواجس وحدتي التي ابت الا ان ترافقني ..

القلق حبة ما بعد النوم …، هل وحدي الذي انفرد بهذا الامتياز ؟

قائد المركب الذي وعدني باجتياز رأس الرجاء الصالح ،يكدس مسافريه فوق امتعتهم بطريقة سوريالية ذكرتني بلوحة للفنان عدي حاتم حمل فيها باصا ضاق بركابه وصناديق امتعتهم على ظهر جمل لاحد الرعاة الافارقة ،دون ان يسمي ان كانت مسؤولية ايصالهم الى اهدافهم، من حصة الجمل او الراعي .

– هل انت متوجه الى الشمال ؟ سألتني امرأة ،لم تعبث سنواتها الاربعين بنضارة جمالها .

– بل الى الغرب … الى حفافي الاطلسي ،ان شئتي الدقة .

– هل تبحث عن عمل ؟

– لا .

– سياحة …؟

– الحقيقة …. ايضا لا ..

– اذن …؟

– الحقيقة انها دعوة ..

– من صديق ؟

– بل من نفسي … اقصد من نوازعي او حاجتي ،على وجه الدقة .

– هل هذه احجية ام هو امتناع …

– ابدا .. يبدو اني لم احسن اختيار كلماتي بدقة . ما قصدته هو اني لم أيأس !

– وهذا يعني …؟

– يعني اني واصلت انتظاري بدأب ..

– أ ولهذا اراك مندفعا كسهم ؟

– بل متلهفا كسهم !

– انت متعب يارجل !

– بل بفتح العين !

على عتبة رأس الرجاء الصالح ،حدثني مساعد القبطان عن اوهام شبابه ومغامراته .. لم يستوقفني في تلك القصة شئ مهم فقلت ..

– انت ياصديقي لم تكن حاضنة جادة لفايروس الرغبة ! فسألني بسخرية ..

– هل هذه احجية ؟ ورد صوت المرأة الاربعينية من خلف ظهري بانتصار ظاهر ..

– هذا ما قلته له قبلك يارجل .

قذف مساعد القبطان زجاجته الفارغة الى دولفين أخذ يستعرض احدى رقصاته تحت قرص القمر الفضي بوداعة طفل رضيع ،فقالت المرأة ..

– هذا فأل حسن ، ان لم تكن احادي النظرة …

– ليس امري بالسوء الذي تظنين .

فجأة انعطف المركب الى جهة اليسار فتسائل كم من الاصوات المكدسة على سطح المركب ..

– الى أين ؟ فرد مساعد القبطان بضجر ..

– سنبيت ليلتنا بجانب هذه الجزيرة ،وربما اكملنا طريقنا في الصباح .

كانت الانعطافة مفاجئة تماما مما اجبرني على ان اسند جسمي الى سياج المركب بذراعي فانحسر كم قميصي ليكشف عن اثر عضة كلب قديمة تتوسط ظهر ساعدي الايسر ،فسألتني المرأة ..

– هل هو رمز لحادثة ما …؟

– العضة تقصدين ؟

– حسبتها وشما …؟

– الوشم انا في طريقي الى نقشه !

– هل انت جاد ؟

– جدا !

– على ذراعك الثاني ؟

– بل على وجه البحر وفي ذاكرة طيوره وعلى صفحات نجومه .

– ها انت تعود الى ألغازك من جديد .. اسمع ، أ تكون ذاهبا للقاء امرأة ؟

– بل لاجتراحها من ذاكرة البحر !

– وان لم تستجب لحلمك … تلك الذاكرة التي تتحدث عنها ؟

– الحقيقة انا لم اضع هذا الاحتمال ضمن حساباتي !

– انا افترض …

– …..

هنا اطلقت قهقهة سخرية وقالت ..

– هل اتهمك احد قبلي بالجنون ؟!

– اكثر من الذين اتهموني بالعقل !!

 

القراءه

         

         ( وشم على ذاكرة البحر )

****************************

 

يأخذنا العنوان إلى العمق حيث ثباتية الوشم كأثر وملازمته الذاكرة المتجذرة بالبقاء والتدفق كما البحر،

ينتقل بعدها إلى تساؤلات متتاليه قد تخالج الجميع لدى دهاليز الوحدة  لكنه سرعان ما يبصر نورا  للامل حيث تتشكل أمام وجوده ملامح يألفها ، تجعله يرى بوضوح شكلا لحياته التي كانت متخبطه بين اوهامه خلال أربعينه المنصرمه،

يعاود الكاتب التساؤل إذ توحي التساؤلات بالحيره والترقب التي يعيشها الجيل المثخن بالخيبات خصوصا إن الكاتب كان قد حزم كل هواجسه واختلاجاته التي رافقت خيباته كمشاريع حلم ثم أطلقها بعكس انطلاقته في عرض الحياة التي أسفرت له عن خاطرة  تشي بأن الأحلام ليست لها مدة صلاحيه وإن بوصلة القلب الحي تشير صوب الأمل دوما وهذا دور الأدب الذي لم يتجاوزه ، يلمح الكاتب من خلال وصف المركب والإشارة إلى اللوحه السرياليه بأن الحياة تغصّ بمرتاديها  وبأثقال مايحملون من أوزار وهموم ،ثم يوميء بذكاء إلى قلق وجودي أزلي بإزاء مجهولية المسؤل عن القيادة والعبور بجيل من الحيره إلى بر الأمان ، وقد كان للربط بين سفينتي الصحراء والبحر دلاله مهمه على التيه والتوجس الذي رافقه في رحلته ، ويعود من خلال مشاكسه حواريه مع سنواته الاربعين التي مثلتها رفيقته في السفر والتي لازال يستشعر فيها جمالا لم تنل منه الأيام يحكي لنا عن أثر الأشرار في قوى جيل بأكمله  بأشارته الى وشم ذراعه والذي تجاهل الأجابه عنه متعمدا للإبتعاد  عن محدودية الشرح وعدم قدرة الكلمات سبر غور هذا الأثر فينتقل بمناوره رائعه إلى وصف طموحات جيله وأحلامهم بالخلاص متمثلا بالهجره  ونقش بصمتهم على واجهة الوجود وفي ذاكرة الدنيا

 

ناهد الشمري

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!