يوسف السباعي بين حديث الإبداع، ومبكىَ العُشاق

منال رضوان

سيرة غنية لفارس عاشق وأديب لم ينل الحظ الوفير من الاحتفاء بمسيرته؛ إذ حاول البعض سجنه داخل إطار ما يعرف بأدب ما بعد الثورات، لكن ولا شك مَثَّل السباعي وغيره من أدباء هذه المرحلة القلب الصلب للدفاع عن هوية مصر الثقافية..
وعن ميلاده ونشأته: فقد ولد يوسف محمد محمد عبد الوهاب السباعي في ١٧ من يونيو ١٩١٧، وهو أديب وعسكري ووزير مصري سابق، وقد تولّى العديد من المناصب عقب ثورة يوليو عام ١٩٥٢ وهي المناصب التي تدرج فيها حتى وصل إلى أعلاها..
وكان والد يوسف (محمد أفندي السباعي) مولعًا بالآداب العربية شعرًا ونثرًا ومتعمقاً في الفلسفات الأوروبية الحديثة، وساعده إتقانه اللغة الإنجليزية، على ترجمة كتاب (الأبطال وعبادة البطولة) لتوماس كارلايل، كما كتب في مجلة (البيان) للشيخ عبد الرحمن البرقوقي. وكان (محمد السباعي) الكاتب والمترجم يرسل ابنه الصبي (يوسف) بأصول المقالات إلى المطابع؛ ليتم جمعها وطباعتها ويظل ملازما للمقال حتى يتم الانتهاء من طباعته مما ساهم في اطلاعه على كثير من المعارف وأصبح وجود الحرف أمامه وصناعته -إن جاز القول- من المدراك الأولى التي شكلت وعيه، وفي سن مبكرة حفظ أشعار عمر الخيام التي ترجمها والده من الإنجليزية إلى العربية.
ومن الوقائع الفارقة والتي كان لها الأثر الكبير في اتجاه يوسف إلى الكتابة فضلا عن الموهبة الكبيرة، أن والده في أخريات أيامه كتب قصة سماها (الفيلسوف)، ولكن الموت لم يمهله فتوفى تاركًا قصته التي طالما حلم بنشرها، لكن يوسف الابن والذي فقد والده وعمره أربع عشرة سنة استطاع استكمال القصة بالفعل وتم نشرها في ١٩٥٧ بتقديم من الدكتور (طه حسين) وهي القصة التي جرت في حي السيدة زينب، حول بطلها حسن أفندي وعلاقاته العاطفية والاجتماعية.
لم يتجاوز يوسف أزمة انتقال والده إلى العالم الآخر بسهولة، خاصة أنه كان أكبر أخوته، فظل عامًا كاملًا يحاول إقناع نفسه بأن والده في رحلة وسيطرق ذات يوم باب غرفته ليطمئن على أحواله الدراسية، ومع مرور الوقت تقبل يوسف وفاة والده وحاول استيعاب حالة الفقد التي عانى منها ولذا فقد كان محبا للحياة ويتمنى ألا يعيش إسماعيل ابنه حالة فقدان الأب التي كان لها تأثيرًا كبيرًا، وشغل يوسف وقته بالدراسة والقراءة حتى أنهى دراسته المدرسية والتحق بالكلية الحربية.
التحق يوسف بالكلية الحربية في نوفمبر عام ١٩٣٥ وكان طالبًا مجتهدًا عرف عنه الالتزام وترقى إلى درجة الجاويش وهو في السنة الثالثة.
وبعد تخرجه من الحربية عُيِّن في سلاح الصواري وأصبح قائدًا لفرقة من فرق الفروسية، كما كان له الفضل في إنشاء سلاح المدرعات. وظل يجمع ما بين كونه ضابطًا بالجيش المصري وشغفه الشديد بالأدب وإن كان قد بدأ منذ منتصف الأربعينات في التركيز على الأدب، وليؤكد وجوده كقاص فقد نشر عدد من المجموعات القصصية وأعقبها بكتابة عدد من الروايات. كان السباعي في تلك الأثناء يجمع ما بين عالم الأدب ولم يؤثر حبه الشديد للأدب ونشره لعدة مجموعات قصصية على عمله العسكري بحال، وفي فترة أعقبت ذلك الاجتهاد العسكري الذي أظهره السباعي بدأ مسيرته في العمل الثقافي العام لاسيما أن الدولة المصرية كانت تشهد العديد من التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ليتجه السباعي إلى مضمار آخر يحاول إرساء دعائمه وهو مضمار الآداب والثقافة فينشىء العديد من الكيانات الأدبية التي تساهم في تشكيل الوعي بأهمية الثقافة ودورها الكبير في مواجهة التحديات المحلية والأقليمية والدولية والتي واجهت مصر في مراحل كثيرة.
بدأ يوسف السباعي مسيرته في العمل العام بإنشاء نادي القصة، واتحاد كتاب مصر. ثم تولى مجلس إدارة ورئاسة تحرير عدد من المجلات والصحف منها: روزااليوسف، آخر ساعة، دار الهلال، والأهرام. وفي عام ١٩٧٧ أصبح يوسف السباعي نقيبًا للصحفيين. كما تولى السباعي وزارة الثقافة المصرية، وعلى الرغم من عشقه للأدب فقد اختار دراسة بعيدة كل البعد عن ميوله الأدبية وهي الدراسة العسكرية والتي ربما تكون إلى جانب طبيعته قد منحته هذا النشاط والقدرة على تنظيم الوقت ليستطيع أن يجمع بين هذه المناصب ومسؤولياتها وبين الأدب عشقه الأول؛ وعلى الرغم من ذلك الانشغال في العمل العام إلا أن السباعي كان غزير الإنتاج الأدبي، وتميز أدبه بالرومانسية والرقة حتة أنه لقب بفارس الرومانسية
وكان إنتاجه يتصف بالزخم والتنوع، فهذا المبدع الذي كتب في عامين ثلاث مسرحيات أم رتيبة ووراء الستار ثم جمعية قتل الزوجات على سبيل المثال، كان مثالا في الوفاء للحرف.. هذا الثراء والتنبؤ بمستقبل البلد الذي أحب، ودافع عنه كضابط ثم أديب ثم وزير للثقافة، ولعله سجل هذا الوفاء في مجموعة من المقالات عقب هزيمة يونيو ضمها كتابه “من وراء الغيم” وعد فيه أبناء الوطن بأن الانتصار آت لا محالة.. وقد كان فتحقق نصر أكتوبر المجيد في عام ١٩٧٣ لتخوض الدولة المصرية معركة استرداد الأرض ثم معركة أخرى لا تقل ضراوة عن المعارك العسكرية وهي المفاوضات من استرداد باقي الأراضي المصرية، ومع تلك الخطوة التي أثبتت الدلائل ومجريات الأحداث سلامة إتخاذها، لم يحدث الوفاق المطلوب وقتها..
ليظل القدر صاحب كلمة النهاية، ومؤلف حبكتها، فكما كانت حياة يوسف السباعي قصة إلهام، كانت النهاية نهاية درامية، ففي فبراير من عام ١٩٧٨ وتحديدا في اليوم الثامن عشر من ذلك الشهر اتجه السباعي بوصفه وزير الثقافة المصري إلى قبرص لحضور أحد المؤتمرات، وهناك تم إغتياله بالرصاص، ليرحل بطريقة مفجعة صاحب أكثر الروايات التي انتهت بالرحيل المأساوي!
وكأنه كان يتنبأ بذلك الرحيل الحزين. وفي ذكراه التي تتزامن كل عام والاحتفال بشهر عيد الحب، رحل الأديب يوسف السباعي فارس الرومانسية الذي نثر بكلماته الورد في طريق العشاق الملآنة بالدموع.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!