إدلب الإيبلائية. بقلم. نجم الدين سمان

لآفاق حرة

إدلِب.. الإيبلائيّة
بقلم. نجم الدين سمّان. سوريا

بعد اكتشاف مكتبة إيبلا.. بدأ عالِم اللُغات الساميّة القديمة “ألفونسو آركي” في بعثة التنقيب الإيطالية برئاسة عالم الآثار الايطاليّ “باولو ماتييه” بإعدادِ أولِ مُعجَمٍ.. لأول 100 كلمةٍ إيبلائيةٍ ترجَمَها من الرَقِيمَات الطينيّة إلى ثلاث لغات: الإيطاليّة والعربيّة والإنكليزيّة؛ فاستعصَت عليه الكلمةُ.. رقم 99؛ سألَ عنها بحضوري في خَيمتِه.. أستاذَ التاريخ عبد الله الحيّاني.. من مدينة سراقب الذي نظرَ نحوي مُبتسماً.. فقلت: – الرقم 99 هو مُعضلة هذا الشرق؛ وبخاصةٍ.. حين صار في استفتاءاتِ المُستَبِدِين: 99 فاصلة 99 .
لم يُجِبهُ الحيّاني على الفور؛ أخذنا إلى أول مجموعةِ أطفالٍ يلعبون الدَحل “ الكريّات الزجاجية ” في حارات “ تلّ مَرديخ” من اسم الإله ” مَردوخ ” بينما أحدُهُم يختلف مع صبيٍّ آخر على مُلكية إحدى الكُرات؛ فاستخدم الكلمة المُستعصِيَة على الإيطالي:
– كل واحد يشوّفني “ كَيّاتو ”..
فأخذ كلّ طفلٍ يُلملِمُ “ كَيَّاتَهُ ”: كُراتَهُ الزُجاجيّة المُلوَنة أمامَ دَهشةِ الإيطاليّ.
وفي مكتبةٍ “مملكة إيبلا” التي بلغت 20 ألفَ لوح طينيّ.. تمَّ اكتشافُ واحدةٍ من أقدمِ قصائد الحبّ في العالم:
“حبيبتي الباسقة..
أيتها المرأةُ المنقوشُ اسمُها على فؤوسِ المُحاربين.
عندما أحببتُكِ.. أيقنتُ أنّ النورَ
سيكتبُ على باب بيتي عباراتِ التمجيد
وسيُكتب اسمي على أذيال الشمس.
فماذا أفعل.. يا حبيبتي
لأكون جديراً بكِ؟.
هل أنشرُ الأبيضَ على أبوابِ المدينه وأسوارها؟.
أُعاهِدُ نفسي.. ألا أُحزِنَكِ يوماً”.

وتكشَّفَ مع ترجمة رَقِيمات مكتبة إيبلا.. مَدَى القرَابةِ ما بينَ اللغةِ الايبلائيّة.. وبين اللغة العربية؛ مِن مِثلِ: إس- مَع – إيل؛ وتعني المُفردَةُ في الايبلائية: “الإله إيل يسمَعُني”. ومثيلُهَا في العربيّة “إسماعيل” حيث تُكتَبُ الكلمةُ في العربيّة مَوصُولةً.. بينما تكتَبُ في الإيبلائيّةِ كمقاطعَ صوتيّة.
را- عي – نا – حَدَد: راعينا هو الإله حَدَد.
دا – بي – حا – ما – لك : ذَبِيحَةُ المَلِك وأُضحِيَتُهُ للآلهة.
دِل – حِي – ل : صاحب الحِيل والعَزم والقوة؛ ونستخدم المقطع الثاني والثالث في عاميّتنا.. فنقول: انهَدَّ حِيلِي .
لكنّ أطرفَ تفسيراتِ اسمِ “إيبلا” بأنها.. عَبلَة: المرأةُ البيضاء المُمتلِئة؛ على طريقةِ تعريبِ اسمِ “شكسبير” هكذ ا: “الشيخ زبير”؛ بينما كلمةُ إيبلا مِن مقطعين: إيب: إياب – عودة؛ و إيلا: الإله السوريّ إيل؛ وتعنِيان معاً: مُستقرَّ الإله إيل؛ وفي المعنى المجازي: الجنّة.
تختفي حضاراتٌ.. بسبب الكوارث الطبيعية؛ أو.. الحروب؛ وتختفي مَمَالِكُها أو تُطمَرُ تحتَ أتربةِ السنين؛ لكنّ شيئاً منها؛ واحداً على الأقلّ؛ يبقى بعدَ آلافِ السنين؛ في الذاكرة الجَمعِيّة للبشر.. وخارجَ كُتُبِ التاريخ.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!