استشراف جيل يطل من الشرنقة .. قراءة المؤتلف والمختلف لجيل ما بعد التسعينات في اليمن

هشام سعيد شمسان .
أديب وناقد من اليمن

□ أكثر من ثلاثين عاما مرت على ظهور جيل التسعينات في اليمن ،وعلى منجزه اﻷدبي
والشعري خصوصا، والذي مثل فارقا مهما وكبيرا في مسيرة اﻷدب في اليمن، والذي
انطلق التقاد منه في عملية فرز أدبية وزمنية للأجيال السابقة على ضوء وواقع
المنجز التسعيني : ثقافيا، و فنيا وتحوليا: زمنيا وظرفيا .

أكثر من ثلاثين عاما تمر وما زلنا بانتظار موجة جيلية تتشكل بملامحها، وتطل
على فضاء إبداعي نستشرف فيه معالمه وخصائصه المستقلة؛ ليكون مزاملا للرائد
الذي سبقه فيأخذ منه، ومنه يتعلم.
لكن يبدو أننا مازلنا بحاجة لعشر سنوات أخرى؛ كي نرى جيلا أدبيا  موحد الرؤى،
وتجمع بينهما ثقافة مشتركة، ولهم آباؤهم الروحيون وحساسيتهم الجديدة.
مع التأكيد أننا لا نؤمن بتعاقب اﻷجيال فنيا؛ ﻷن اﻷجيال تتداخل ولاتتعاقب؛
فالتجييل وفق مفهوم الحساسية الفنية أدبيا منهجية غير متطابقة مع الواقع
.فالتجايل برأيي زمني محض ، علامته بروز سياقات ثقافية جديدة  وتحولات
اجتماعية وسياسية واقتصادية، كالحروب، والمجاعات..
أما النزعات الفنية،  والقيم الجمالية فليست ميزة لنحكم بها على التجايل
والمجايلة، بدليل أن كتابا سبعينين، أو ثمانينيين  مثلا لو اطلعنا على بعض
كتاباتهم لوجدناها وكأنها تعيش معنا اليوم، ومثل ذلك قل عن حركة اﻹبداع لجيل
التسعينات، وكتابات الموجة اﻷلفية  الجديدة؛ إذ لا نرى مفارقات، أو مغايرات
كبيرة على مستوى النزعة الجمالية :شعرا ونثرا-على مستوى كتابات متقدمة فنيا –
.بل إن كتاب اللحظة الراهنة هم تلاميذ-بالتأكيد- لمن سبقهم من رواد التسعينات،
وما قبلهم .

▦ ولكي يتضح مفهوم الجيل الجديد بنيويا، وثقافيا، ومعرفيا، وتحوليا لابد أن
نرى، ونقرأ دواوين شعرية، ومجموعات قصصية، وروائية لاتقل عن كتابين لكل
مبدع-على اﻷقل- لنصل إلى المشتركات أو التباينات التي تجمع أو تفرق فيما بينهم
.
فمن منطلق ثقافي نجد أن موجة الجيل اﻷلفيني الجديد متأثر كتابها  بالتقنيات
الرقمية الحديثة، وهو جيل “انترنت” بامتياز. جيل تشكلت مواهبه، وصقلت عبر
منصات التواصل الاجتماعي : “الفيس بوك” ومنتديات ا”الجروبات” اﻷدبية والثقافية
العامة، على “الواتس” و”التليجرام” ؛ لذا نجدأن معظم ثقافته مصدرها شبكة
“اﻹنترنت”. فهو جيل غير متسلح بثقافة أدبية اطلاعية كافية .جيل متواضع لا يقرأ
– في معظمه- ولا يطلع على نتاجات من سبقه، إلا على مستوى الندرة منهم، فتجد
كتابات الكثير منهم متناسخة ومتشابهة التراكيب، بعبارات متكررة لدى هذا وهذاك
..
جيل يسمع الكثير منهم عن المتنبي، وشوقي، وحافظ، ومصطفى المنفلوطي، والمقالح
وأدونيس، وغادة السمان، وجبران خليل جبران، وزيد مطيع دماج وأحلام مستغانمي،
والشابي، والبياتي، ولطفي أمان، وشاكر السياب، ولكنه لم يقرأ ﻷحد منهم القراءة
المستفيضة المستحقة. وقد يفاجأ مستغربا من أسماء يمنية محلية كبيرة يسمع بها
ﻷول مرة  مثل: محمد حسين هيثم، وحبيب  سروري،وعبد الودود سيف، ومحمد الشرفي،
وشوقي شفيق، وأحمد العواضي، وعلوان الجيلاني ونبيلة الزبير، وابتسام المتوكل،
وأحمد الزين، والحارث بن الفضل الشميري، وغيرهم .
إنه جيل يعتمد على ملكاته ومواهبه أكثر من اعتماده على القراءة والاطلاع ،
والمتابعة .
جيل مهمش، ومهمل من قبل النقاد والدارسين، ويعتمد الكثير منهم -فحسب-
على.”لايكات” اﻹعجاب وعبارات اﻹطراء، والمدح، والثناء، والتشجيع، والتحفيز على
وسائل التواصل ، لذا نجد البعض منهم ينفر من النقد الموضوعي ؛معتقدا أن ذلك
يعد انتقاصا مما يكتبه ويبدعه، لذا تشيع في كتابات الكثير منهم اﻷغلاط
الكتابية والنحوية، واﻹملائية، والصرفية ؛ نتيجة لطريقة التحفيز، والتشجيع
الخاطئ من قبل بعضهم البعض، ولنفور أكثرهم من النقد الحقيقي المستند إلى أسس
لغوية، وجمالية محضة.

□ ومع كل ذلك نود أن نؤكد على أن هذا  الجيل لديه من الحماس والمثابرة، والجد
ما يكفي لتجاوز كثير من عثراته الفنية، والنصية، واللغوية، والثقافية، ولدى
الكثير منهم الموهبة والملكة والحدس الفطري بما يكفي لتجاوز تلك العثرات.
وقد شاهدنا كيف أن منهم من يكتب قصيدة العمود بمهارة واقتدار، دون أن يكون
لديه اطلاع بعلم العروض، والبعض- منهم – يكتب القصة، والقصة القصيرة،
واﻷقصوصة، ويتعامل مع تقنياتها البنائية بخبرة وحساسية فنية مدهشة.
وقد تسأل أحدهم :لمن قرأت من كتاب القصة المعروفين الكبار ؟ فيقول لك ببساطة
متناهية : لا أحد !!.
إنه جيل يقرأ بعضه البعض، ويأخذ من أفكار بعضه البعض، ويستفيد من خبرات بعضه
البعض ، لكنه – مع ذلك -جيل طموح ، متوثب، بالرغم مما يحيط به من صعوبات،
ومنغصات : اقتصادية، واجتماعية، وسياسية،  ويصر- مع ذلك- إلا أن يصنع حداثته،
وحساسيته الفنية الخاصة بملء إرادته، وجهاده الذاتي المرتبط بعوالمه الفردية.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!