الإبداع مرآة النفس/بقلم: د ميسون حنا

 

الإبداع مرآة النفس عندما تعكس ما يمور بعقل المبدع من إرهاصات الواقع، ويتفاعل معها بأحاسيسه، ويثريها بفكره ومعرفته وثقافته، إنها بلسم الروح، ولكن عندما نشاهد على شاشاتنا ما يدور في غ ز ة الع ز ة، وحجم الإحباط الذي يكبل المبدع بقيود لم يعهدها، إنها الصدمة الحادة التي تلجمه، وتجعله يقف حائرا أمام جلل ومهابة ما يدور من قتل وتجويع واستباحة لكل حق من حقوق الناس، هدم البيوت على رؤوس أصحابها المدنيين العزل، القصف المتعنت الهمجي والوحشي الذي لا يرحم، حتى الناس الذين ينتظرون المعونة من الطحين فتطحنهم همجية العدو بقصفها لهم وهم ينتظرون فرج الله، الأطفال الذين يجلسون في مخيماتهم في هذا الشهر الفضيل، يتحلقون حول مائدة الإفطار الشحيحة التي قد تكون عبارة عن كسرة خبز وكأس ماء، وقبل أن تمتد أيديهم إليها يقصفونهم فيختلط خبزهم بدمائهم. هم المجوعون ويموتون بأيدي قوات الإحتلال الغاشم الذي سبق وقصف الأفران وعطلها عن العمل، ناهيك عن اللذين يُهجرون إلى مناطق يوجهونهم إليها ليكونوا آمنين بعيدين عن مواجهتهم مع الثوار، ومع ذلك يقصفونهم في مكانهم الجديد فيموتون وجل الشهداء من النساء والأطفال، عندما يرى المبدع طفلا يتضرج بدمائه متمددا على صدر أمه المقتولة يضيق الكلام، فننصت للحقيقة التي ستنفجر يوما ما بعد أن نستوعب الموقف عندها سنتكلم، المبدع لا يصاب غالبا بالإفلاس الفكري، ولكنه مصدوم الآن، وفي قمة صدمته يشعر أنه لن يستطيع مواصلة الكتابة على سبيل المثال إذا كان المبدع كاتبا، إنه يشعر بالعجز فيتوقف سيل مداده، وصمته لن يجني من ورائه إلا خيبة جديدة تضعه آمام المحك، ولكن بعد مرور الوقت، الذي لا يستطيع الكاتب آن يحدس كم تكون مدته، لكنه حتما سيهضم أفكاره التي تتصارع في داخله، وقد يشعر بالإرتباك والتقصير والعجز، فالواقع رهيب لا يحتمل طبطباتنا التي قد تبدو واهية، ضعيفة، لكنه برغم ذلك سيتكلم، سيتحدى صمته وعجزه، وسينبري قلمه، ويكتب ويكتب، لا شيء يثنيه عن مواصلة الكتابة، لن يبقى جامدا، عاجزا، سيشفى من الشلل الذي آصاب عقله وتفكيره وألجمه وأخرسه، لكن الكلمة تبقى سيدة الموقف، وبها فقط نشهر سلاحنا، سلاح الكلمة البتار الذي قد يحرك الضمائر فتنهض لنجدة الحق، الكلمة كالسيف تزعزع جبروت الظالم، وتجعله يتخبط مرتبكا بما اقترفه من إثم وعار، لا أعني بذلك من تفوقوا بظلمهم، وأصبحوا حالة ميؤوسا منها كعدونا الغدار، ولكن هناك من يناصرونهم وهم يعوفون أنهم يتجنون على الحق، يعلمون ذلك بينهم وبين أنفسهم، ويجاهرون بالباطل، لسيف الكلمة عليهم تأثير، ونحن نكتب ونقول لعل وعسى أن يكون القادم أفضل.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والنصر آت بإرادة شعبنا المغوار طال الزمن أو قصر، ولكن مصير الإحتلال إلى زوال.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!