البحث العلمي في ألفيته الثالثة/ بقلم :د. مصطفى الضبع

من قضايا البحث العلمي
1- الدوائر الضيقة (المراجع).

منذ سنوات وصلتني خطة بحث مقدمة للتسجيل لدرجة الدكتوراه، كان موضوعها – على ما أتذكر – “السرد عند جبران خليل جبران ” ، نظرة واحدة على الخطة تكشف أن صاحبها لم يقرأ جبران قراءة الباحث ، فالمخطط مجموعة افتراضات لا صدى لها في إنتاج الشاعر ، ولم تكن هذه المشكلة الوحيدة فنظرة أخرى إلى قائمة المراجع تتكشف عن مشكلة أشد ، الباحث بكل بساطة نقل قائمة المراجع من رسالة أخرى (نوع جديد من الاستلال قد يمر بسهولة على التحكيم والفحص ) ، وقد تأكدت من ذلك حين عرضت الخطة بكاملها على برنامج Turnitin ، وهو شكل من أشكال التدليس العلمي له ممارسوه وما أكثرهم .
الواقعة تمثل مظهرا من مظهرين لحركة الباحثين في دائرة ضيقة، المظهران هما:
– استلال قائمة المصادر والمراجع في الخطط أولا وفي الأبحاث ثانيا ، بعض الباحثين يعتقد أن كثرة المراجع وطول قائمتها نوع من الجودة فلا يتورعون عن إضافة مراجع لم يعتمدوا عليها لتنمية القائمة ويعتمدون على أن كثيرا من المحكمين لا يدققون ، وقليل منهم من ينتبهون للمفارقة القائمة بين المراجع الواردة في متن البحث والمراجع الواردة في قائمة المصادر والمراجع .
– تكرار بعض المراجع في موضوعات معينة رغم وجود مراجع أخرى، يتذرع البعض بعدة ذرائع من بينها:
1- قلة المراجع في موضوعات بعينها.
2- صعوبة الحصول على مراجع معينة يعرفونها ولكنهم لا يستطيعون التوصل لها.
ظاهريا هي أسباب منطقية، ولكن من الصعوبة بمكان قبولها علميا ، في المناقشة على سبيل المثال إذا كان الباحث لم يعد لمرجع معين معروف وأساسي في الموضوع فالباحث لديه خياران أحدهما مقبول (أن يرد بقوله : اطلعت على المرجع ولم أجد فيه إفادة لي فهذا رأيه ولا تثريب عليه ) ، وثانيهما غير مقبول (لم أستطع الحصول على المرجع ) ، مما يعني أن هناك مراجع أساسية في الموضوع على الباحث التوصل لها مهما كانت درجة صعوبة التوصل لها ( في ظل ما تتيحه المكتبات الالكترونية لم يعد من المقبول تذرع الباحث بصعوبة الوصول للمرجع) وهناك مبدأ أساسي حاكم في هذا الجانب : أن تطلع على المرجع ولا تفيد منه خير من ألا تطلع عليه وتتذرع بصعوبة التوصل له.
في تصميمها استمارات التحكيم تدرج المجلات العلمية المحكمة بندا أساسيا من بنود الاستمارة ” حداثة المراجع وتنوعها “، فهو واحد من أهم بنود جودة البحث ووعي الباحث وسعة اطلاعه التي تترجمها تنوع المراجع وحداثتها وليس عددها فقط.
نعم هناك مراجع أساسية في موضوعات بعينها، ولكن هذا لا يعني مطلقا أن تتكرر المراجع مستلة من أبحاث أخرى مهما تقاربت موضوعاتها ، فحركة الباحث وما يبذله من جهد أو يتكاسل عنه ينتج عنه نوعان من الباحثين (ولاحقا الأساتذة ):
– الباحث الكسول: يتعود على التكاسل المعرفي في بداية حياته يظل على حاله حين يكون أستاذا مشرفا (من شب على شيء شاب عليه، وفاقد الشيء لا يعطيه).
– الباحث النشط: يبذل جهدا في البحث في مراحل حياته العلمية الأولى، تتوافر له خبرات غاية في الأهمية والإفادة في قابل مستقبله العلمي (العرق في التدريب يوفر الدم في القتال).
مجرد مثال:
في موضوع المكان مثلا يكاد كتاب ” جماليات المكان لباشلار” يمثل مرجعا أكثر تكرارا ، يعود إليهم الباحثون على اختلاف مناهج البحث ، فالكتاب يخدم المناهج الموضوعية أكثر من خدمته المناهج النصية ، وإذا كنا في منتصف التسعينيات على سبيل المثال نعاني في دراسات المكان التي لم تكن بهذا الكم من الكثرة كما هو الوضع الآن حيث تعددت المراجع والأبحاث الأحدث في المكان (يكفي الإشارة على سبيل المثال لكتابي الدكتور صلاح صالح : قضايا المكان الروائي الصادر عن دار شرقيات بالقاهرة في طبعته الأولى 1997، وفي طبعته الثانية عن دار فواصل 2019، وكتابه الثاني الرواية العربية والصحراء الصادر عن وزارة الثقافة في دمشق 1996) .

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!