الرؤية المستقبلية لدى الباحث: أبو عبدالله المقدادي

بقلم : الأديب محمد الحراكي
ابن العابدين

 

حث راحلته في زمن البلوى والفتن، وجرع الٱلام مبتغيا مرارة الشفاء لأمته .
وأشعل في داخله ظمأ السخي الى العطاء، فاستمد من السحاب وعطب البروق شعاع همته، فأشعل عسيب الخطيئة الناتجة من جهل الجاهلين بنورٍ من الأوائل والسابقين، وأبحر في علمٍ قلٌ من تعمٌق في بحوره، وأتىٰ من الأعماق بالنفيس، والغالي الثمين وبدا في هدفه واضحا مستبشرا بهالات من نور القرٱن، والهدي المبين، وأحاديث سيد المرسلين نبينا محمد سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو الا وحي يوحى.

إنه الباحث المجتهد أبو عبد الله نصر المقداد، طالب العلم الذي شقّ أصعب السبل واهتم بالعلوم الشرعية وشابه جده (سماحة الشيخ عثمان يوسف المقداد رحمه الله) الذي تتلمذ على يد الشيخ بدر الدين الحسني محدث الشام، فكان خطيبا وإماما في عدد من مساجد دمشق.
وعاش معمراً وتوفي عن مئة وخمسة عشر عاما، في مدينة بصرى الشام مدينة الراهب بحيرة التي قدم إليها نبينا وحبيبنا وقائدنا محمد صل الله عليه وسلم، والغمامة تظله، فعرفه الراهب بحيرة وأوصى جده به.

درس الباحث أبو عبدالله المقداد حفيد هذا البيت العريق في العلم والدعوة، علوم العقيدة والفقه في أحد المعاهد الشرعية، وعلم الأصول والحديث والتفسير على عدد من الشيوخ الذين التقاهم، وقرأ القرٱن واتقن علم التجويد في المركز القرآني، ثم اختار أصعب العلوم وأهمها في زمننا المعاصر، ليتخصص في علم الفتن والملاحم وأشراط الساعة، فأعطاه كل وقته لقرابة عشرة أعوام، يغوص في كتب هذا العلم ويبحث عن العلماء المتخصصين فيه ليأخذ عليهم، وقد عرف بشغفه الكبير بالقراءة لكافة العلوم والتاريخ واللغة.

تأثر بعدد من العلماء، واستفاد منهم كثيرا، وكان على رأس هؤلاء سماحة الشيخ الشعراوي رحمه الله، فتعلم منه الغوص في أعماق اللغة والتحليل البياني، كما استفاد من جده الشيخ عثمان من خلال شرحه لكتاب احياء علوم الدين، واستفاد من شيخه سليمان المقداد رحمه الله في وسطية الدعوة العملية.
كما واستفاد بعدد من المشايخ الذين التقاهم، فأخذ العقيدة من شيخه الدكتور عامر الملاحمة، وفقه الحج من فضيلة الشيخ صالح الحموي رحمه الله.

كان الباحث المقداد قد أسس مركزا للأبحاث والدراسات وخدمات الدارسين لمدة تزيد على الثمان سنين، قدم فيها الكثير من الابحاث العلمية والاجتماعية والاكاديمية، وفي هذه المرحلة تبلورت رؤياه العلمية ونضجت تجربته البحثية.
ثم تخصص في علوم الملاحم والفتن وأخبار آخر الزمان، وتخمرت لديه النظرة الاستشرافية، واتضحت لديه الرؤى المستقبلية، فكان أن توّج ذلك عمليا فاتجه للتأليف، فصدر له كتاب: ( الخلافة المقدسية )، وكتاب ( مجمع البيان في شرح مقاصد الفتن في القرٱن ) ، وله ايضا (بين عالمية المهدي والعالمية في للقرٱن ) وكتاب ( مفاتيح الأبواب في سالبات العقول وفاتنات الألباب ) ، ورواية (مهاجر الى دابق). بالإضافة لكتاب ( شرح أحاديث الفتن في صحيح مسلم) ومازال له تحت الطباعة مالم يضع له عنوان.

لقد أعتمد ابو عبدالله منهجه في البحث على ماصح من النصوص في الكتاب والسنة ثم الربط بينهما مع تاريخ والواقع، واعتمد التوفيق بين العقل والنقل، واعتبر العقل خادما وتابعا للنقل.
فقد كان يجمع أحاديث الباب الواحد بعد الاطلاع على شروح الأئمة مثل فتح الباري لابن حجر العسقلاني ومنهاج الإمام النووي على صحيح مسلم وغيرها من كتب الشروح متبعا المنهج الذي رسمه علماء الأمة على المذاهب الأربعة.

كما درس الباحث المقدادي نبوءات أهل الكتاب وعكف عليها دراسة وتحليلا وعلى ما كتبه أهل الكتاب قديما وحديثا، مبيناً ما يتفق منه مع تراثنا وما يتعارض.
كما خدم كتاب الفتن للإمام نعيم بن حماد رحمه الله ، من خلال جمع وترتيب رواياته في فصل ( السرد القصصي ) من كتابه ( الخلافة المقدسية ).

لكن ابو عبدالله الذى تخصص في علم الفتن والملاحم والمستقبليات وهو ما يعرف ب (علم الاسكاتولوجي ) راح يتعمق في هذا العلم الذي قل من تبحروا فيه حيث غاص وابحر في الأعماق حتى استخرج اسراره وخفاياه وبدقة متناهية بين الموازنة والمقاربة التي برع بها بشكل لم يُسبق إليه، فاستطاع ان يصل الى الترتيب المنطقي الأقرب للأحداث والفتن الكبرى من خلال ورودها وحدوثها، والفترة الزمنية المتكرره عبر التاريخ.

لم يتوقف الباحث ابو عبدالله فكان لابد أن يمر بالفتن الاجتماعية والأخلاقية والأسرية، التي وردت في النصوص وكيف اشار اليه القرٱن والحديث النبوي الشريف ومعطيات ما نشاهده اليوم ونلمسه في واقع الحال، فكان نعم الموجه والمحذر من المطبات القادمة والفتن التي باتت تأخذ شكل ظواهر اجتماعية أكثر انتشارا في الأمة.

لقد حباه الله ملكةً استقرائية للمستقبل، فأعطي من خلالها نظرته الثاقبة ورؤيته المنطقية للأحداث القادمة، والتي لاتخرج عن مبادىء العقل والتحليل المنطقي العميق في رؤيته المستقبلية ولعلها من الأهمية بمكان في هذا الزمن الذي يعج بالفتن والأحداث والنزاعات والصراعات الحالية التي نشهدها، والمستقبلية التي استقاها من الأحاديث الشريفة والقرٱن.

لم يقف الباحث أبو عبدالله عند فتن الصهاينه التي حذر منها في كتبه، وبين حقيقة الصراع معهم من خلال معتقدهم وتطلعاتهم لما يسمونه هرمجدون، وفتنهم وجدالهم كما ذكرها القرٱن الكريم، وماحدث مع نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم من خيانتهم للعهود والمواثيق معه، وزرع الفتن أينما وجدوا وأينما حلوا.

كما حذر من فتن الحروب والصراعات الأهلية التي لاينفك اعداء الله من افتعالها لتفتيت الأمة وتباعد جمعها وتفرق أهلها وتضعيف قوتها واقتطاف ثمراتها.

ثم استقرأ الباحث ابو عبد الله تشكل كيانات جديدة وغياب تحالفات لم تكن في الحسبان، ووقوع تقسيمات جديدة في جسد الأمة الاسلامية، ثم بشًر بأن الله سيرد الأمة مردا جميلا في خلافة مقدسية قادمة، فتقوى من بعد ضعف، وتستلم الزمام من جديد وتنهض كالبركان المتقد الذي تخرج حممه لتجعل الطغاة والقلة كعصف مأكول او أثرا بعد حين.

وقد اورد ابو عبدالله المقدادي سلسلة من الدروس على قناته في اليوثيوب حيث بيّن وفصّل استقراؤه للمستقبل كما تحدث فيها وشرح بالشواهد والدلائل ما يراه كائن والعلم عند الله.
ورد في هذه القناة المباركة على المكذبين بعودة المسيح عليه السلام، وبين زمن المهدي الحقيقي .
كما وكشف زيف الحركات المهدوية التي تخدع الناس وتوهمهم بأنها أتباع المهدي وأن المهدي فيهم.

لقد بين الباحث المقدادي في دروسه على قناته الكريمة (قناة الملاحم والفتن) كيف نتعلق بالله في زمن الفتن حتى ننجو من شباكها، فتحدث عن سبل النجاة من الفتن.

لقد كان لعلم الملاحم والفتن والمستقبليات (الاسكاتولوجي) من فائدة عظيمة في توضيح الحقائق ونشر البشارات لكي تعيها الأمة.

فالنجاة منها هو معرفة كنهها وتشكلها واسباب حدوثها، فحين تعرف عدوك تستطيع ان تتقي شره.

ولعل الشرح يطول عن هذا الباحث الذي تفرد بهذا العلم، فإن كان القليل من البحوث التي تقدمت ناقصة وغير مكتملة الأركان متصفة بالألغاز أحيانا، فقد بين الباحث المقدادي بعض هذه الاسرار وكشف الله في أبحاثه بعض ما خفي وأشكل على العامة.

فكل الاحترام لهذا الباحث الكاتب ابو عبدالله المقدادي وكل التقدير لجهوده التى وصل بها إلى كشف الكثير من الحقائق مستندا الى منطق القول والعقل في شرح النصوص وتخريجها وترتيبها.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!