الزلزال ومصائب أخرى. مقالة. نجيب كيَّالي

 

 

الزلزال ومصائب أخرى
مقالة
نجيب كيَّالي.

آفاق حرة

 

فاجأ الزلزال السوريين المساكين الموجودين بين سوريا وتركيا بهزَّاته اللئيمة العنيفة في السادس من شباط، وهم الذين ينتظرون الفرَج منذ أكثر من عشر سنين!
وفضلاً عن مصيبة الزلزال والخراب والضحايا كان هناك مصائب أخرى، سأتوقف عند إحداها، وهي المتمثلة في القول: إنَّ ما جرى كان عقاباً من الله أو ابتلاءً أو رسالةَ تحذير.
هذا الكلام يأتي- للأسف- من جهات مشيخية، زعيقها يرجُّ أطرافَ المعمورة، ويكاد يسبب زلزالاً آخر. سأذكر سريعاً ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: إنَّ هؤلاء يتدخلون- بشكل سافر- فيما لا يعنيهم، وفيما لا يفهمون فيه، فما وقع هو حادثة جيولوجية بحتة يستطيع أن يفسرها الجيولوجيون وحدهم، ولا علاقة لأهل اللغة أو أهل الدين بها. يقول المختصون: إنَّ سببَ الأمرِ وقوع الأمكنة المنكوبة على خط الزلازل، ومنذ أيام الرومان وما قبلهم تتعرض هذه الأمكنة لحالات مماثلة، بعضُها هدمَ حضاراتٍ بكاملها أو أضعفَها إلى حد كبير، ومن النكبات الشهيرة زلزال عام ١٩٣٩ في تركيا الذي دمَّرَ مئة مدينة وقرية، وأدى إلى مقتل أكثر من عشرة آلاف إنسان!
النقطة الثانية: مسؤولية ما جرى تقع على عاتق الحكومات التي تتراخى في اعتماد شروط حازمة لإقامة أبنية جيدة مناسبة بحيث تتمتع بكفاءة عالية لمقاومة الزلازل(1)، وأسسُ ذلك معروفة في علم الهندسة، وأحياناً تتوفر الشروط دون الالتزام بتطبيقها، وهكذا.. فالفساد وخرابُ الضمائر أوصلا الناسَ إلى الهلاك، وإلى مهرجان الموت الذي شهدناه!
النقطة الثالثة: يتصرف الله بشؤون العالم من خلال قوانين ثابتة لا تتغيَّر، ولو كان سيغيّر كل يوم تلك القوانين لأسباب تتعلق بأمزجة الشيوخ أو بالثواب والعقاب العاجل لاختلَّ نظام الكون، وجرت فيه حالة من الفوضى تشبه الفوضى العارمة القائمة في بلادنا العربية، حيث تنعدم القوانين والضوابط، ويسود مزاج الجالسين على الكراسي.
إنَّ الحقيقة الجغرافية تؤكد أنَّ هذه الواقعة لا بدَّ من وقوعها ولو كان مكان الحدث مسكوناً بالصحابة أو الملائكة أو الأنبياء الأطهار، والأماكن الأخرى التي لا تعرف الزلازل كبعض مناطق أفريقيا وشمال أوربا لن يحدث فيها أي زلزال ولو سكنها أبو لهب وجماعتُه وإبليس وذريتُه.
ومن المؤلم أو من الفظيع أن الحلوق المفتوحة بدلاً من أن تبحث عن كلمة طيّبة لمواساة المصابين والثاكلين لأبنائهم وبناتهم تندفع لتحمّلهم مسؤولية ما حدث!
أيها المتحدث المفتوح الفم المنفوخ الأوداج.. هل كنتَ جالساً مع الرب، وأخبرك أنه غاضب على أهل المنطقة وسينتقم منهم؟!
أتذكَّر فيلماً تلفزيونياً عن الحيوانات، وفيه غزال صغير للغاية شرد عن القطيع، ولمَّا أرادت الضباع والوحوش أن تلتهمه لاذ حائراً مرعوباً بلبوة! ورغم أنها ضليعةٌ بالافتراس عطفت عليه وحمته، وساعدته على اللحاق بقطيع الغزلان! فمتى نتمتع بما عند تلك اللبوة من رحمة، ونكفُّ عن ممارسة القسوة على أهلنا وهم في أحلك الظروف وأعسرها؟!
*

(1) في سوريا يوجد قانون منذ عام ١٩٩٥ لتصميم المنازل بحيث تكون مقاوِمة للزلازل، لكنَّ هناك مَنْ يغض الطرفَ عنه، وقد توفرت تصميمات أفضل يمكن الأخذ بها.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!