المجتمع والجائحة /‎بقلم: اشتياق آل سيف( السعودية )

 

بعض البلاء يمهّد طريقاً من النعم الإلهية العظيمة، فالله لا يبتلي إلّا عباداً أحبّهم ليؤجرهم على الصبر ويجزيهم على الشكر.

حين حلّ عام 2020 وخيّم فيروس جائحة كورونا على العالم وأطبق عليه بأذرعه المفترسة فشتت جمع الناس وأصبحت القواعد الأساسية للنجاة تكمن في التباعد ولشهور طويلة، إلى جانب عدم لمس أيّ أسطح، سواء أكانت حيّة أم جمادات، وأصبح البعد مقياس المحبّة، فلا بُدّ أن تبتعد عمّن تحب مسافة وكلما زادت المسافات وطال البعد وتمدّدت فترات الغياب الجسدي، دلّ ذلك على مراعاة الآخرين واحترام المسؤولية الاجتماعية.

لقد أصبح العالم خلال أزمة كورونا أشبه بالسجن الكبير، لكلّ فرد فيه مساحة محددة بحدود مكانية وزمانية لا يتجاوزها وإلّا عرّض نفسه للعقاب والخسارة.

ولقد تباينت ردود أفعال الناس تبعاً لمشاربهم والخلفيات الثقافية التي تربّوا عليها، كلّ فرد بحسب تفاعله مع المجتمع ومدى علاقة عمله بالتجمّعات البشرية.

كنتُ من أولئك الذين يعشقون الصّخب الاجتماعي ويتوقون للتداخل في تشكيل المجتمع والذوبان بين الناس مهما كانت الاختلافات، وبذلك فقد كان من الصّعب التحول إلى الحالة الانطوائية والتقوقع في كهف الوحدة والانعزال عن الأجواء الاجتماعية لا سيّما في مقرّ أعمالنا وهي معاقل العلم ومنارات المعرفة.

استطعنا التواصل في العالم الافتراضي عبر التقانة وهي ربما أفضل من الواقع، فالمهم أن تنطلق الفكرة الصحيحة الهادفة لتشمل ملايين المتابعين والفئات المستهدفة.

وبالبعد عن الأصدقاء وتجمّعات الأهل قد يتشكّل جدار من الجفاء بسبب الغياب وعدم الاهتمام بالتواصل ولو برسالة للاطمئنان، واختفت علاقات كثيرة وانتهت برغم التقاء أصحابها يومياً لسنوات طويلة، وفي الجانب الآخر وفدت علاقات جميلة وفوائد معنوية علمية متبادلة ومصالح اجتماعية مشتركة حيث التقت القلوب والأرواح أمام أهداف إنسانية وطنية مشتركة، ونحن على يقين أنّ أيّ علاقة لا تصان بالاهتمام والمتابعة والاحتواء والاحترام والمشاركة المعنوية والمودة الصادقة لا يمكن أن تبقى صامدة، وعلى النقيض من ذلك، فوجود كلّ تلك المقوّمات تصنع علاقة إنسانية قوية ودائمة.

‎وجود الطرف الآخر هي سعادة تلوّن
عالمنا الذي ‎يبدو رماديًّا في أبعاده،
خفيٌّ بعض الأوقات كما هي سُنّة
الحياة في تقلّباتها.

تبقى تجربة الإنسان خلال العامين 2020-2012م تجربة فيها من عظيم العبر، لا سيّما في بدايتها حيث الحجر لساعات وأيّام ولنقص بعض المواد الغذائية وعدم الالتقاء بالأهل والأصدقاء لمدة شهور وبعدها الالتقاء لدقائق معلومات!!.

ولا شك سوف تخرج لنا كثير من الدراسات المستقبلية التي سوف تطرح نظريات ووجهات نظر مختلفة طبّية وعلمية وتاريخية.
____
منتدى النورس الثقافي الدولي.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!