تَدَنِّي أسلوبِ وأخلاقِ الإعلاميين .. أسبابُه وتداعياتُه/ بقلم :هند العميد

” خَالفْ تُعرَفْ ” كثيرًا ما تتردَّدُ عَلَى مَسامعِنا هَذه القاعدةُ توصيفًا لحالةٍ ، ولَعَلَّها أكثرُ الأقوالِ واقعيةً وتطابقًا عَلَى الساعينَ والباحثينَ عن الشُّهْرَةِ والتَّمَيُّزِ ، ولَكِنَّ الثابتَ يُقِرُّ بأنه لا مُطلقَ في الوجودِ ، ولأن كُلَّ سِلاحٍ يكونُ ذا حَدَّين ، فَقَدْ يَأخذُ بعضُ المُتَصَيدِينَ والساعينَ لأقصرِ الطرقِ للشهرةِ التى قَدْ تَصِلُ إلى حَدِّ الشهرةِ التجاريَّةِ بتسويقِ نَفْسِهِ إلى جِهَاتٍ تجعلُ مِنْهُ واجهةً إعلانيةً أو إعلاميةً لجذبِ النَّاسِ ، ولترويجِ البضاعةِ على اختلافِ أجناسِها ، نجدُ اليومَ أغلبِ القنواتِ الفَضَائيَّةِ قَدْ جعلتْ من اللونِ التجاريِّ ( الرخيصِ) أسلوبًا ومنهجًا جديدًا في طرحِ محاورينَ أو مُقدمِي برامجَ ، يجعلونَ من الضيفِ ضحيةَ بُقعةِ ضوءٍ مُسلَّطةٍ على خُصوصياتِ حياتِهِ وقَدْ تتجاوزُ إلى ما لايجبُ أنْ يعرفَها غيرُه ، ومن عجيبِ الأمرِ أنَّنا نَجدُ أنَّ التباري بين الإعلامينَ على تقديمِ أنفسهِم وإبرازِ مهنيتِهِم التى يدَّعونها دافعهم إلى المُغالاةِ في فرضِ أساليبِهم الهجوميَّةِ والإستفزازيَّةِ ، لتصلَ الصورةُ إلى المُتلقِّي وكأنَّهُ يشاهدُ تحقيقًا عنيفًا لمجرمٍ قدْ اعتاد الإجرامَ ، مِمَّا يجعلُ المادةَ المُقَدَّمةَ غيرَ مُريحةٍ بَلْ ومُستفِزَةً أيضًا.  ولا يَخْفَى على أحَدٍ أن كُثرةَ وتزايُدَ القنواتِ الفضائيَّةِ والمحليَّةِ ، ومواقعِ التواصلِ الإجتماعيِّ قَدْ زادَ مِنَ الضغطِ على المستثمرينَ من الإعلامِ لتقديمِ كُلِّ ما هو مميزٌ ومُحفِّزٍ للمُشَاهِدِ – ولو كانَ مُجْحِفًا – ؛ لجذبِه لهذه القناةِ أو تلك ، فأخذَ أغلبُ العاملينَ في هذا المجالِ يلعبون على الوترِ الحَسَّاسِ وعلى الغريزةِ البشريةِ ألا وهى الفضولُ عندَ البعضِ ، ولا شكَّ في أنها أبرزُ الغرائزِ التى تعودُ بالفائدةِ للتجَّارِ ؛ حيثُ تَحْمِلُ المُشَاهِدَ على الشراءِ أوالمتابعةِ إلى حَدٍّ يُشْبِه الإدْمَانَ لكى يرضىَ فُضُولَه بعدَ وقَدْ عَجَّتْ في العالَمِِ روائحُ تلكَ المادةِ المطروحةِ ، ولأنَّ الأخبارَ المَخفيَّة والتي من الطبيعيِّ أن تبقى في الظلِ فإذا بها تُكشَفُ وتُفضَحُ تحتَ مُسَمَّى اللقاءِ والحوارِ للبرامجِ المُنَوَّعةِ بطروحَاتِها ، فهِيَ بالتأكيدِ ستجعلُ من الطلب موازيًا للعرضِ أو اكثرَ بكثيرٍ، وتداعياتُ ذلكَ تكمن في أنه قد يغفلُ المُتلقي البعيدُ عن مكرِ وسياسةِ الأعلامِ أَنََ لكُلِّ فعلٍ ردةَ فعلٍ قد تتجاوزُ الحدودَ حينَ تكونُ على مرآى ومَسْمَعِ كُلِّ المشاهدين دونَ تحديدِ فئةٍ عمريَّةٍ وعقليَّةٍ لمتابعةِ تلكَ المادةِ أو غيرِها ، ولأن ذلك الأسلوبَ العدوانِيَّ والفضولِيَّ والمتطفلِ يُطرَحُ كمادةٍ اعلاميةٍَّ مُتَمَرِّسَةٍ يُشَادُ بها ، فلا تستغربْ انحرافَ أسلوبِ بعضِ الأطفالِ أو حتى البالغين لتأثرِهِم بأسلوبِ هذا المحاورِ أو ذاكَ مِنَ المُفَضَّلين لديهم والذين يتخذونهم قدوةَ نجاحٍ وتَعلُمٍ ، ولعل من الملاحظِ أيضًا أنَّ بعض المتأثرين ببهجةِ الأضواءِ والمشاهيرِ غيرُ مُثقفين إعلاميًا ، وغيرُ واعين لحقيقةِ تلك البهرجةِ الزائفة فى أغلبِ الاوقاتِ . إننا أمامَ مشهدٍ مآساوِىٍّ من مشاهدِ الإنسانيَّةِ للأسفِ الشديدِ ، وأخشى ما أخشاه أن يتمخضَ عن تلك التصرفاتِ الشائنةِ أن يكونَ الإنسانُ سلعةً يروجها ثُلَّةٌ من شياطينِ الأنسِ لإبراز نجمِهم ، ولاعتلاءِ عروشِ النجوميَّةِ التي تفتحُ عليهم أبوابَ الشركاتِ التجاريَّةِ  في سلسلةٍ لا تنتهى من الانتهازيَّةِ ، وبذلكَ سَيُبتلي المشاهِدُ بمتابعةِ تحقيقاتٍ أُخَرى أشدِّ عدوانيَّةً وقد تكونُ غيرَ أخلاقيَّةٍ بالمرةِ مع ضيوفٍ آخرين . وأعتقدُ في رأيى الشخصيِّ أنه يجبُ تثقيفُ الشارعِ أولاً بما يستحقُّ ، ويجبُ أن يُتابَعَ ، وبذلك نضمنُ أن يكفَّ هؤلاء المحاورون التجاريون المتصيدون لأخطاءِ أسرارِ وفضائحِ الناسِ ، وأن نمنعَ هؤلاء من أخذِ مساحةٍ أكبرَ مما يستحقونها .

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!