حدث معي.. “لا تكابر فأنت مصاب بالكورونا” /بقلم بكر السباتين

آفاق حرة 

كان صديقي الخمسيني، أبو محمد، وهو مدرس رياضيات متقاعد، دائم التشكيك بوباء كورونا، و من المشككين بوجوده والمحرضين ضد إجراءات الحظر المعمول بها.. من هنا اتخذ موقفه المعادي للصين التي أدخلت العالم في أتونه، لا بل كان يعتقد بأن هذا الوباء إنما هو مادة إعلامية قدحت شرارتها الأولى من تصادم العملاقين الباندا الصيني وبلاد العم سام.. حتى تبذر في عقولنا “فوبيا” المستقبل؛ من أجل بسط نفوذهما عالمياً معتمدين على سياسة الخوف من المجهول وعد اليقين.. والثمن تدفعه الشعوب المغبونة في العالم.

وحينما فكّت الحكومة الأردنية الحظر عن العباد والبلاد بعد وصول مخرجات الوباء إلى الصفر، صادفت أبا محمد في أكثر من مناسبة، وكان يستهجن أنني ما زلت أراعي شروط الوقاية الصحية من خلال سلوكي اليومي أثناء التجمعات من حيث ارتداء الكمامة واستخدام المواد المعقمة فينعتني ممازحاً بالمثقف المصاب بفوبيا الكورونا، بذريعة أن الوباء ما هو إلا أكذوبة تفشت في عقولنا للسيطرة عليها من قبل الرأسمالية المتوحشة.. وفي سريرة نفسي كنت أتحاشى النقاش البيزنطي معه.

وفي أتون صراع نقابة المعلمين مع الحكومة خرج صاحبي بنظرية المؤامرة المحلية على المعلمين باستخدام الكورونا لإعادة تفعيل الحظر وسحب البساط من تحت أقدام المحتجين على اعتقالات الداخلية لرؤساء نقابة المعلمين.. ومن يومها باعدت بيننا الظروف وصار التواصل بيننا إما عبر المسنجر أو هاتفياً.. إلى أن باغتني اتصال من زوجته وهي سيدة مثقفة ولا تتفق مع رؤية زوجها لمخاطر الكورونا، وكانت تتحفظ على سلوك أبي محمد المخالف لإجراءات الوقاية الصحية، حيث كان لا يضع أي اعتبار لمخاطر الوباء فيصافح هذا بحرارة ويحتضن ذاك ولا يتوانى عن ارتياد المقاهي بحيث لا يلاقي أصحابه إلا بالقبل كأنه قادم من سفر بعيد، ولسان حاله يقول:

“عن أي كورونا يتحدث البلهاء!”

وأخبرتني أم محمد بأنها تستنجد بي كوني من المؤثرين عليه، حتى أعيد برمجة عقل زوجها إيجابياً ليلتزم بإجراءات الحظر التي فرضت على عمارتهم، لأنه يكابر على ما أصابه.. سألتها باستهجان:

“خير إنشاء الله!! هل ألم بعمارتكم مكروه!؟”

كانت غاضبة، تبدّى ذلك على نبرات صوتها الذي اندفع كعطسة ديك الحبش:

حلت على العمارة كارثة.. وأبو محمد يخالط السكون غير آبه بشيء.. فالعمارة التي نقيم فيها تم عزلها وإحيطت برجال الأمن، حيث اكتشفت حالتين مصابتين بالوباء في الطابق الأول”…

صدمني الخبر.. وكنت شغوفاً وزوجتي بمتابعة أخبار انتشار الوباء الذي أخذ يكشر عن أنيابه من جديد. وسمعنا أن عمارة ما قد تم عزلها في حي (…)، لكنني استبعدتُ أن يكون أبو محمد من سكانها..

وبكل صعوبة طلبت منها أن تصلني به.. ففعلت وصاحبي يحلف أغلظ الأيمان بأنها مؤامرة.. لكن الذي لفت انتباهي وأدخلني في دوامة الحيرة والخوف أنه كان يسعل بشدة.. فطلبت منه التقدم لإجراء الفحص فأبى متشبثاً برأيه.. في الحقيقة خامرني شك في وضعه الصحي.. واتصلت بجار لي يعمل في وزارة الصحة وأخبرته بحالة صديقي فما كان منه إلا أن تصرف بحكمة؛ لتصلني الأخبار آخر المطاف بأن صديقي تم نقله للمستشفى بعد ثبوت أعراض الكورونا عليه، فيما نقل أفراد عائلته إلى إحدى مراكز الحجز لإخضاعهم للمراقبة الصحية على مدار إسبوعين قادمين.

وقبل قليل تواصلت مع صديقي هاتفياً وسألته عن صحته فأكد لي بأنها مجرد انفلونزا ألمت به وتصيبه كل عام.. “يدعون بأنها الكورونا من أجل تسويق المؤامرة”..  ورغم ذلك أنهى مكالمته حامداً الله على سلامته.. بعد أن قلت له مؤكداً “إنها الكورونا يا صديقي فلا تكابر..

إنه الاستخفاف بالمرض الذي يصل إلى حد تجاهل وجوده بينما هو ينخر الأمان ويذهب بنا إلى المجهول.. نحن مجتمع يحتاج لبرمجة لغوية وعصبية كي نتعامل مع الأسباب بواقعية وشفافية..

في سياق مكالمتي مع أبي محمد، كان مصراً على أن أزورة في المستشفى وإلا اعتبر الأمر تقصيراً مني بحق صداقتنا؛ لكنني صدمته حينما قلت له:

” هذا مستحيل يا صديقي، فأنت مصاب بالكورونا، عليك أن لا تكابر. شافاك الله وعافاك .

2 سبتمبر 2020

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!