في قصيدة النثر (4)/ بقلم:علي الدرورة

تلبّي قصيدة النثر متطلّبات النص المثالي بتعدّد الصور الجمالية، ولا يبلغ أيّ شاعر هذا المنال ما لم تكن له خبرة لغوية يعتمد عليها وأفق ثقافي رحب عالي المستوى في البلاغة وله تجارب عديدة في البحور الشعرية التي انطلق منها إلى عالم قصيدة النثر.

وحيث إننا نتعرف على أنّها واحدة من الأشكال الأدبية لمحصّلات الحداثة التي تسعى إلى إيحاد صور جديدة من التجديد والتحول الثقافي، ويظهر ذلك جليًّا من خلال اتصالها بالقيم والتقاليد الشعرية والفكرية، ويتألق ظهورها ويتجلّى في ذروته من خلال ولادة نسق أدبي جديد يجمع بين الشعر والنثر الذي يُعرف اليوم باسم قصيدة النثر، وتميّزت بشكلها ولغتها عن باقي الأنساق الشعرية المعاصرة.

وتُعدّ ملامح قصيدة النثر من التجارب التي جدّدت من اللغة الشعرية التقليدية، كما أنّها حركة جديدة ولها العديد من الشعراء المبدعين الذين انغمسوا في هذه التجربة الشعرية، مبتعدين عن النمط التقليدي السّائد من كتابة الشعر، بل إنّ الكثيرين من النقاد والمتخصّصين في هذا المجال من الأدب يرون في قصيدة النثر نسقًا معاصرًا يتماشى مع روح العصر.

وشاعر النثر شاعر انطلق من قاعدة صلبة وهو متمكّن من قصيدته وإلّا لن تكون قصيدنة رنانة ولها من المثالية ما لها، وكما قال الشاعر:
إذا الشّعر لم يهززك عند سماعه
فليس خليقًا أن يقال له شعر

وتُعرّف سوزان برنار قصيدة النثر بقولها: (هي قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور)، وهذا التعريف في حدّ ذاته يُعدّ من جماليات القصيدة ذاتها، ويرى ت. س. إليوت: أنّ قصيدة النثر تحتاج إلى شاعر عظيم، وهي رؤية تتناسب مع مكانة قصيدة النثر؛ لأنّها قصيدة عصماء ولها مكانتها بين جميع الأنساق الشعرية.

ويرى كثير من النقاد أنّ لقصيدة النثر إيقاعها الخاص وموسيقاها الداخلية، التي تعتمد على الألفاظ وتتابعها، والصور المكثفة وتكاملها، والحالة العامة للقصيدة.

وعن ذلك يقول أنسي الحاج، وهو أحد أهم شعراء قصيدة النثر العربية المعاصرة، إن لم يكن أهمّهم، عن شروط قصيدة النثر: “لتكون قصيدة النثر قصيدة حقًّا لا قطعة نثر فنية، أو محمّلة بالشعر، شروط ثلاثة: (الإيجاز والتوهّج والمجانية).

أما من يرى في قصيدة النثر الغموض وصعوبة الفهم والتفسير بشكل مطلق؛ فيتوجّب على قارئ قصيدة النثر التروّي والتأمّل في قراءتها، حتى ينغمس في حيثياتها وتنجلي له الأبعاد الفلسفية وتتضح له كلّ جمالياتها من كلّ الزوايا الأدبية.

وعن قابلية قصيدة النثر للتعديل، فقد وصفت بإسفنجية البناء والتركيب، فهي مرنة من حيث التلاعب في ألفاظها، ومن هذا المنطلق فهي ذات قاموس لغوي حرّ ومفتوح ويمكن التحكم فيه متى ما أراد الشاعر.

ونكتفي إلى هذا الحدّ من الحديث عن قصيدة النثر بأبعادها الفنية والأدبية، وعن جمالياتها وأبعادها الفلسفية عبر رؤى ونظريات النّقاد والدارسين.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!