قال معلمي /بقلم :عاصم العبوتي

أتذكر الآن ما حدث في مدرستي الابتدائية بإمزورن؛ لا أستحضر بأية مناسبة أُمرنا أن نلتحق بمعلم آخر ويلتحق تلاميذ فصل المعلم الذي سيدرسنا بمعلمنا، هي عملية تبادل التلاميذ بين معلمين يدرسان ذات المستوى، معلمنا كان يحتقرنا ولا يثني على مجهودنا، كنتُ من بين الذين يقلل من قدراتهم إسوة ببقية التلاميذ، اللهم تلميذة واحدة كان يثني عليها وكانت ابنة معلم، بدوري كنتُ ابن معلم وهذا كان كافيا ليجد معلمي مبررا لتوبيخي، إذ كانت كل إجاباتي تقابل بالاستهزاء؛ أنت إبن معلم وليس عليك أن تجيب هكذا، أنت إبن معلم وأبوك بارع في اللغة العربية ومن العار أن لا تعرف كيف تعرب جملة من فعل وفاعل ومفعول به وجار ومجرور، قبل يوم تغييرنا لمعلمنا إلى معلم آخر زارنا أحد المعلمين ليغير مقبض الباب الذي تكسر، كنتُ حينها أقرأ نصا باللغة العربية في كتاب “القراءة”، لم أنتبه لقدومه، وما أن انتهيت حتى رفع رأسه وسأل معلمي: من هذا الذي كان يقرأ؟ صوته رائع ولم يرتكب أي خطأ!
أجابه معلمي وهو يشير إلي: ابن السي العبوتي؛ لكنه بالرغم من ذلك كسول!
كان معلمي مصمما على أني كسول، في اعتقاده أني إذا لم أفهم في الاعراب فأنا كسول حتى وإن كنت أجيد القراءة دون ارتكاب الخطأ، لم أفهم أين المشكل؟ فيًّ؟ في أبي كونه معلم؟ في أبي كونه زميل معلمي؟ أم في معلمي؟ أم في المعلم الضيف كونه زميل أبي فأثنى علي؟ مع أن الاحتمال الأخير غير مرجح كون لحظة وصوله كنت قد بدأت القراءة.
في اليوم الموالي، وأثناء حضورنا لحصة مع المعلم الآخر، كانت طريقة تدبير الدرس مغايرة تماما لما آلفنا عليه حصص معلمنا، وكان كل من في الفصل يشارك ويجيب بشكل صحيح، ما جعل المعلم يصرح لنا: أنتم أفضل من تلامذتي، لو كان بإمكاني تبادل التلاميذ مع معلمكم لفعلت ذلك.
تساءلتُ أين يكمن المشكل إذا، في زملائي الذين نزل عليهم وحي الاجتهاد ومعهم أنا عشية تلك الحصة وظهروا بشكل ملفت؟ أم في معلمي الذي لا يجيد تدبير الحصص؟ في صرامته التي تجعلنا نخشى من المشاركة؟ فأي جواب خطأ يقابل بالاستهزاء، أم في معلم الفصل الآخر الذي ينتصر لنفسه على حساب تلامذته الأصليين؛ ربما كانوا مشاغبين ولم يستطع ضبط القسم، والتزامنا نحن جعله يعجب بنا ويتمنى لو أن هذا التبادل يكون رسميا إلى نهاية السنة؟
تلك أسئلة وأخرى ترافقني دوما وتحضرني في كل المواقف التي ننال فيها ثناء من جهة واستهزاء من جهة، فخلصت إلى أن الجواب الوحيد لكل هذه الأسئلة أن يكون رضانا على أنفسنا نحن؛ سواء أخطأنا أم أصبنا، إن كان ثناء شكرناه وإن كان عكس ذلك شكرناه، فبين الثناء والاستهزاء تولد المعرفة وتتضح الرؤية أكثر نحو النجاح.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!