كــل الحكاية .. القِـراءة الأدبية ! /  بقلم : الشيخ قدور بن عـلـيـة ــ  الجزائـر

 ــ

إن تداعي الأنفس المثقفة  ” أدبيا ”  واستزادتها من قُـوتِ القصة ،
من رحيق الرواية ، من نبيذ القصيدة ، بعد ذلك المقالة … ، كان أوجد
تساؤلاتٍ عِدةً  تخص الكتابة كحرف ، كلفظ ، وكجُمل عاملةٍ على إجلاء
شخصية المبدع  وما يرمي إليه ، وقد ذهبت آراء في حجم سنابل البيادر، كل
حسب أفقها الفكري إلى محاولة إيجاد حل لذاك الإشكال الآخذ في حُسبانه
حالة الكتابة ، ماهيتها ،  لمن هي موجهة  ؟ وما الدافع إليها ؟ ، ليتجه
ركب الأقلام بعدئذ صوب القراءة كنوعية ، فانتقاء الموائم مما يقع عليه
النظر ، وموقف كما الأخير مُشار إليه في فهارس الانتقاء والفرز الواعي
للكتاب ، دون الوقوع في فخ العناوين الجذابة  التـــــي كثيرا ما تكون
ليست ذات شمولية لما تجشّمت حَمْـلَـهُ الألفاظ كأوعية للمعاني ،
والعبارات كمرايا عاكسةٍ  ما تفوّهت به شَـفَـتَا  قـلَمِ هذا الأديب أو
ذاك  !!
لكنا نقف حيارى قد لا نصادف  مُرشدا  لنا  حيال من مضغ الكتاب وابتلعه ،
فلم يستسغ طعم  مادة غذائه كما  لو أنه مصابٌ  ب ” نوبة زُكام  ! ” ،
فبات ليله وأضحى نهاره  يشكو قـلة الاستيعاب ، مُـسـلطا جام غضبه على
المبدع تارة وطَوْرًا  آخرَ تراه غيرَ ذي رضاً عن نفسه ، من كونه سَحب من
رصيد عمره لحظات لم يُحسن إنفاقها  أوان  القراءة  التي أقدم عليها !!
إن آفة قلة الاستيعاب أو عدمه مكتوبة على وصفة داء عدم التركيز ، وهي
بديهة أولى  لا مراء فيها ولا  لَفَّ ولستُ مُـريدا  إعارة جناح من
الاكتراث لذي الظاهرة بوُلوج علم النفس ، الذكاء .. الإدراك .. الذاكرة ،
وما إلى ذلك مما أفاض فيه مُحبو  المُجازفة في دهاليز الذات البشرية ،
وفوّضوا أمر المُبتلى  به إلى ظواهر  وأمور قد لا يجدها قلمي في عُجالته
هذه مناصا  كمثابة ، أو مُلتحدا كغاية عُدّتْ في عين البعض من قبيل القول
الفصل ، عدا  أنه يُحاول معالجتها ( بعقاقير ) هي  في نظر السواد الأعظم
من قراء الأثر الأدبي  ــــ حتى النقاد منهم ـــ ليست ذات جاذبية ، ولا
هي بالمعدودة ضمن   العِلل التي يتألم من وخزها الملموسُ بعلة عدم  الفهم
، المشتكي !!

هذه الأخيرة تتمثل في كيفية القراءة الأدبية للأثر الأدبي ، سواء
تعلق الأمر بقصيد شعري أو مقالة أو قصة ذاتِ منعطفاتٍ من الحالات النفسية
.. حزن ، جهشة  بكاء ، صراخ … حالاتٌ تساوي مجتمعة إنسانا ، دَماً ،
لحْماً ، و روحا ،، إنسانا كاملا إن كان الأمر متعلقا بقصيد شعري ، و قد
تُساوي الناس كافةً في قصة أو رواية على اختلاف مستوياتهم وتباين حناجرهم
حين النطق بالألفاظ ، منهم  الذي يبدو  في صوته الوَجل ، وفيهم  من
يتـلعثم بحُكم عقدة لسانٍ أو حالة خوف شديدة   أو فرَح ،، حالاتٌ
جَميعُها  لا تُبديها بعضُ الأصوات ولا تُـفصح عنها حين القراءة الأدبية
، فلنجنح إذن إلى الكيفية ، كيفيةِ إلقاء ( قراءة ) قصيد شعري مثلاً   ،
وها نحن أولاء  ـ فَرَضاً ـ وسط  نَـفـرٍ من مُتذوقي الكلمة الشاعرية
المُعبرة ، فماذا نحن فاعلون ؟؟ ، هل نأتي   على قراءة القصيد قراءةَ
عرضٍ إخباريّ ؟ ، أم تُرانا نأخذ   في  الحُسبان هذا  الآتي ؟؟ :
أولا: القراءة لا تأتي بأُكلها دون الاستعداد النفسي  الكامل ، سواء كان
مُريد استمالة الآخرين  هو الشاعر ذاتُه ، أو كان شخصٌ غيرُه  يحل محلّه
، وإن حدث أن قرأ القصيدَ مجردُ هَاوٍ  ، فهو المطالب حينها  بتجميع كافة
الطاقة لديه ، حتى يُعايش النصّ الذي هو  حياةٌ  بربيعها ، بخريفها ،
تبعا لنفسية المبدع  المودعة   فيها ، يُعايشه مُعايشةً غيرَ منقوصة ،
حتى لا يُسيء   إلى الشاعر بعدم استطاعته تشريح نفسيته على طاولة الإلقاء
الجيدِ ، لأن هذا يسيء بدوره إلى المصداقية الشّعرية .

ثانيا : إعطاء اللفظ  حقه من النطق ، مع الأخذ في الاعتبار عملية
المخافتة والمجاهرة  باللفظ  تَمَـشِّـياًّ مع تَموّجَاتِ الحالة النفسية
للمبدع ، وهذا له أكثرُ من مفعول في أرض الأذن الموسيقية والوجدان الصاغي
.

ثالثا :اللفظ صوت قد يُعبّر عن الحزن حين التلفظ ، لذا كان لزاما على
القاريء  أن يرسم على قـسَمَاتِه علاماتِ انقباضٍ دالّةٍ على الحال ، لأن
هذا منصوص عليه في التعامل الحقِّ مع الجوّ المُكـفهرّ أو المُعتدل
للقصيد ، على استطالة مدة الإلقاء .

رابعا :ضرورة احترام علامات الوقْف ،  من فاصلةٍ ، فاستفهام ، فتعجّبٍ ،
وما إليها ، علما أن الأسلوب الإنشائي المُترجم بتلويحات اليديْن  وحركة
الرأس  فَحَيَوِيَّةِ الجسم ذي الحُجّة الدامغة على ما يحدث داخل النفس ،
له أثره على الرائي المُتلــقي .

خامسا : على القاريء المتأكد من مراقبة الغير لما  يقول  ألا يُغادر
أجواء القصيد لمُجرد إحرازه  باقة من التصفيقات  المُشجعة ، وإن توقّف
فلا يُستبعَدُ أن يتغيّر صوته ، خاصة حين التلفظ  بما حَوَتِ القصيدةُ من
جَيِّدِ اللــفظ   المُعبر ، ونفيسِ البُعد المُراد .

هذا ما ارتأيتُه ـ أخي القاريء ـ حين إلقاء الأثر الأدبي  على مسمع الغير
، والشيء  عينُه وجب أن يُتّبع  حين الخلوة المفردة إلى قراءة أثر أدبي
ماّ ، فالقراءة الأدبية بهذه المثابة  لا شك واجدةٌ العقل والأحشاءَ معا
توّاقةً إلى المزيد  من سِحرها الذي هو من سِحر اللغة ذاتِـه ، وبالتالي
فمساهمةُ القراءة الأدبية في نسبة الفهم ، تُعدّ معتبرةً وذاتَ  فائدة ،
لذا كان على عشاق قراءة الأثر الفني الأدبي  أن يُحسنوا كيفية القراءة ،
أن يقرأوا بتأنٍّ ، فكم من شخصٍ نطق فاكتُشف أنه شاعر  أو قاصٌ  أو هاوٍ
، وكم من ذي دراية في حقل الأدب أبدى فلم يُوفّق ، لكونه لم يُعْطِ
الصَّوْتَ أدنى قيمة ، فكان أن حلّ الوبالُ  على اللفظ ، وكان المأتمُ في
بيت الأذن  الموسيقية ، الأذن المُتلهفة لالتقاط  أحلى وأمتع نوتاتِ
النغم ، لتوصله إلى دخيلتها ، على أنه المصداقيةُ لدى هذا أو ذاك  في
عالم الشعر أو المقالة أو القصة… .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!