كيف تفشي سرًا.. بقلم الروائي. محمد فتحي المقداد

لصحيفة آفاق حرة

 

كيف تفشي سرّاً
مقالات ملفقة( 12\2)
بقلم( محمد فتحي المقداد)*

جرت العادة أن يحتفظ الناس بأسرارهم في صدورهم,و يحيطونها بالكتمان والحيطة والحذر من تسربّها للحاقدين الحاسدين والأعداء, وفي هذه المساحة يبقى السرّ مُلك صاحبه الذي يمسك بناصيته وذلك ما لم يحدّث به أحداً, فيكون بذلك أخذ كل الأسباب, ولكن كثيراً ما يأتمن أحداً من صديق أو خلٍّ أو صاحب, وهو يكون قد فضفض له وجعل عنده أمانة يجب أن يحافظ عليها كما لو كانت عينيّة, فإذا أذاعها فإنه بذلك يكون قد خان الأمانة مثله مثل اللّص. وفي هذه الساعة يكون قد وقع اللّوم عليه من صاحب السرّ الذي ضاق صدره عن احتمال ثقل سرّه فأخبر الصديق الذي ذاعه, وراح يأكل يديه حسرة وندامة على ما فرّط ولكن بعد فوات الأوان. و تعتبر الثرثرة من أجل الثرثرة أهم وسيلة في نشر وكشف المخبوء و المستور من أسرار الخلق الذي حفظته صدورهم قبل أن تحتويه جدران بيوتهم المستورة.
والنساء كثيراً ما اشتهرت عنهن صفة الثرثرة, وذلك فقط من أجل الثرثرة الملازمة لطبيعتهن التكوينية في مجالسهن ولهوهنّ, ولا يلقين بالاً لما يترتب عليه من نتائج وخيمة من هذه الخصلة الذميمة, وكم زالت دول و اهتزت عروش وكُسِرتْ جيوش وخربت بيوت نتيجة حتمية لهذه المقدمة.
أمّا الأولاد فهم الخاصرة الرخوة في كل أسرة لما فيهم من طبع البساطة والنقاء والتلقائية, فهناك من يستغلهم في هذه الناحية للكيد لأهليهم, ويقال في هذا المجال :” خذْ أسرارهم من صغارهم “, هذا على صعيد الأُسر والمجتمعات.
بينما الدول تعاني من الجاسوسية الحاذقة والمدربة بمهارة على أيدي أساطين الأشباح الذين يعملون في الخفاء فيما خلف الستارة, وفي هذا المجال تستخدم كل الطرق المشروعة وغير المشروعة والقذرة و اللا أخلاقية و الغاية تبرر الوسيلة.وكذلك على صعيد أفراد المجتمع الذين يعانون من الرقابة على مدار الساعة من المخبرين الذين يحصن أنفاسهم ولا يخافون لومة لائم بلا ذمة ولا ضمير, ويتخذّون من الكذب نهجاً عند من استخدمهم في هذا الدرب, ويكيلون التهم بلا وازع و لا ذرّة من بقايا ضمير إنساني.
والخيانة العظمى, خيانة الوطن في سبيل حفنة من الدولارات, لكن هذا عقوبته الإعدام لأنه أضر بأمن الوطن بما قام من تسليم أسراره الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية وكل ما من شأنه أن يجرّ ضرراً على الأمة ول كان صغيراً وتافهاً للأعداء المتربّصين هناك وراء الحدود, ليحققوا أمانيهم وأحلامهم.
ولكن التقدم العلمي لم يعد هناك بحاجة للجواسيس والمخبرين على الأرض فقد ظهر جوجل إيرث البرنامج التجسسي على كل بقاع الدنيا, والأقمار الصناعية التي تستطيع التقاط صور على غاية من الدقة والوضوح لأشياء صغيرة جداً, و كذلك أجهزة التنصت على الهواتف الثابتة والنقالة وفرز المكالمات المفلترة ذات الكلمات المعينة التي تتحول تلقائياً للرقيب الذي يسمعها, يرسلها لمكتب التحليل.
هذه ضريبة الحضارة علينا أن ندفع ثمنها رقابة على مدار الساعة بلا كللٍ و لا مللٍ , وكل ذلك خوف الإنسان من أخيه الإنسان, القوي يريد أن يسيطر على الضعيف بكل الطرق بداية من تضليل رؤيته وغسل دماغه وبرمجته بما يخدم أهدافاً تستغله وتستعبده وتعمل على إذلاله.
فما رأيكم دام فضلكم …
أرجو أن تحافظوا على أسراركم, وتبتعدوا عن الثرثرة, وتحذروا الحاسدين والمخبرين والجواسيس, وتقنيات العصر من الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر والأنترنت, لأن هناك من يتربص بكم الدوائر, عليهم دائرة السّوْء. و النصيحة كانت بجَمَل, واليوم ببلاش على قارعة الطريق، وربما يسخرون من الناصح.
وأخيراً” لسانك حصانك, إن صنته صانك, وإن خنته خانك”

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!