لماذا السعودية أسعدتنا كعرب؟ بقلم. محمد زعل السلوم. سوريا

لصحيفة آفاق حرة

لماذا السعودية أسعدتنا كعرب؟

بقلم. محمد زعل السلوم. سوريا

ربما ستكون شهادتي بالسعودية مجروحة لارتباطي العائلي الوثيق بها، الذي ربما يعود لعام 1936 عندما حجت إحدى جداتي وكانت السعودية قد تأسست والتقت بالسديرية أم الملك فهد رحمه الله، واحتفت بتواجد جدتي في مكة المكرمة، وفي عام 1967 أصدر الملك فيصل أمراً بتعيين والدي الشيخ زعل السلوم بوزارة التجارة السعودية، بعيد نزوح أهلي من الجولان، لكنه لم يستمر فيها أكثر من شهرين وبضيافة الملك الشهيد رحمه الله، وخلال ذلك أصدر الديوان الملكي وديوان البادية والحرس الوطني بصرف ما يشبه الراتب الدائم ويسمى الشرهة لشيوخ القبائل السورية، ومنهم والدي وجداي، وفي عام 1979 استقال والدي من وظيفته بالمكتب التنفيذي بمحافظة القنيطرة. وقرر العمل بالمملكة ليستمر بالعمل فيها 22 عام، وحتى يعرف كامل جغرافيتها وأمراء مناطقها ومقدمي تلفزيونها وأحداثها وقبائلها بتفاصيل التفاصيل بل وحتى نشيدها الوطني وهو من يحفظ عدة اناشيد وطنية عربية كنشيد الجزائر كان يردده ايام ثورة الجزائر في الستينيات في ثانوية أحمد مريود بالقنيطرة، ورغم أنني لم أزرها لكنني كنت أشعر بالانتماء لها كعربي بسبب والدي.
كانت السعودية على الدوام جالبة الفرح لنا، فقد كان والدي رحمه الله يجلب كل شيء تقريباً من السعودية من تلفزيون وأدوات كهربائية وحتى كاسيتات فيديو وأتاري وألعاب وكل ما نتخيله كأطفال، وحتى أيام الحصار البريطاني لسوريا عام 1987، كان يرسل أو يجلب معه مواد غذائية بكميات كبيرة، وبخير السعودية وتعب ذراعه كما نقول وهو النازح بنى منزله في عشوائيات البعث بريف دمشق ومحلاته واشترى قطعة أرض.
وعندما توفي أحد أجدادي عام 1978، وهو الأمير فاعور الفاعور أرسل الملك خالد جثمانه بطائرة خاصة ورافقتها أربع طائرات حربية سعودية تكريماً واحتراماً لأحد زعماء سوريا وأحد قادة الاستقلال السوري الحديث.
وموقف جدي الشيخ عدنان السلوم في الثمانينيات عندما زار أمير الرياض آنذاك ملك السعودية اليوم سلمان بن عبد العزيز، وكان الملك متأخر ولم يعتد جدي أن يجلس بانتظار أحد وهو الشيخ الكبير في الجولان صاحب الأملاك والمكرم في وطنه سوريا، فاعتذر له الملك وقبله على التأخير بكل احترام ومشاعر أبوية.
وغيرها من الشجون العربية والكرم والدفء العربي السعودي.
وحتى عندما كنت في الجنوب السوري عام 2016-2017 كانت السعودية يومياً تدخل الطحين وتمد الأطفال السوريين بحليب الأطفال بكل نواياها الطيبة والنقية والتزاماتها العربية.
لا أعلم هل علي القول شكراً لهذا الوطن العظيم أم أعبر عن فرحتي بفوزها ولكن سؤالي ما سر فرحة العرب العارمة وحتى الهستيرية لمباراة كرة قدم وانتصارها على الأرجنتين في كأس العالم بقطر؟
لأن باب السعودية كان مفتوحاً على اتساعه للعرب، وكان للسوريين صولات وجولات في المساهمة بتأسيس السعودية، مثل رشاد فرعون زعيم الميدان الدمشقي ومستشار الملك فيصل وميداني آخر من آل الحرش عدا أعظم المهندسين المدنيين السوريين الذين كان لهم الدور البارز في زراعة السعودية وتطوير الطرقات والبنية التحتية في الشركات السعودية الأمريكية العملاقة، وعدا المعلمين السوريين وكذلك العرب، تقريباً لم أعرف سوري إلا وكان قد ارتبط بشكل مباشر وغير مباشر بها وقدم لها ونال من خيراتها.
عدا ذلك المشاعر العربية واحدة فكم فرحنا للثورة المصرية وليبيا وتونس وكم حزنا على خسارة قطر، بالتأكيد ليس بسبب الرابط المادي ولكنه الرابط العربي ما يجمعنا بها.
ففي عام 1936 ولأن الجولان على الحدود الفلسطينية استقبل جدي الشيخ زعل بن ابراهيم السلوم ثمانين مردوف من الجيش السعودي لدعم ثورة القسام فكانت غيرتهم على فلسطين بلا حدود وكرروها عام 1948 بين المتطوعين العرب، وفي عام 1949 كان لجدي عدنان الصولات والجولات في الجولان لمد خط التابلاين هو وزعيم بانياس شاكر العرقاوي ومتعاونا مع مهندس جولاني من آل العاص ومهندس من آل اليوسف الملاك الكبير في البطيحة بالجولان والذين تسلموا مكتب أرامكو في بيروت ودمشق، ولا ننسى الكتيبة السعودية عام 1973 التي تمركزت في كوكب وعرطوز ودفع الملك الشهيد فيصل ثمن السلاح الروسي لسوريا ثلاث مرات والجسر الجوي آنذاك. بل ودفع حياته ثمناً لسوريا ومصر وفلسطين.
المعنى من كل كلامي هذا على المستوى الشخصي أن السعودية لم تكن يوماً تبني علاقاتها مع العرب من باب الحكومات والأنظمة فحسب، بل كانت عبر المواطنين العرب، فهي عميقة ومتجذرة في قلوب العرب عدا قيمتها الإسلامية، لكنها كما نقول بالعامية فرشت الخير وصنعت علاقاتها على كافة المستويات الرسمية والشعبية وهو ما لم تصنعه مثلها أية دولة عربية أخرى.
هذه الغيرة والحمية العربية السعودية لا تنتهي لو تحدثت عنها، لتقابلها الحمية العربية فلا تفسير لفرحة العرب العارمة في بغداد ودمشق وحلب وبيروت وغزة والقاهرة والجزائر وليبيا والخرطوم والمغرب واليمن والعرب في أوروبا وكل مكان لو ما صنعته السعودية على امتداد عقود فهي في قلوب كل العرب حتى لأجل كرة.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!