مرحبا بكم على حسابكم / بقلم: الشاعر والنغاقد السعودي سعد عبدالله الغريبي

 

يعجب بعض المثقفين لدينا المتابعين للحالة الثقافية في دول عربية شقيقة من كثرة ما يعقد لديهم من ملتقيات ثقافية، ويعدون ذلك دليلا على تفوقهم الثقافي. ويفوتهم أن معظم تلك اللقاءات التي تعقد لدى الأشقاء ينظمها أفراد يملكون مؤسسات خاصة. هؤلاء قد يكونون شعراء فينظمون مهرجانا شعريا، أو ساردين فيعقدون مهرجانا للسرد، أو فنانين تشكيليين فيدعون لورشة أو مرسم حر. وقد يكونون من غير المبدعين؛ لكنهم ناشطون محبون للوجاهة والبروز في وسائل الإعلام، وقد يصيبون شيئا من عائد مادي. قد تدعمهم وزارة الثقافة في بلادهم فيصرفون جزءا من هذا الدعم على إسكان ضيوفهم وإعاشتهم وطبع الشهادات الورقية التي يوزعونها على المشاركين في نهاية المهرجان، وبشيء من التقشف يمكن أن يوفروا لأنفسهم مبلغا يحفزهم على الاستمرار في تنظيم المهرجانات. أما القاعة التي يقام فيها المهرجان فغالبا ما تكون صالة تابعة لإحدى المؤسسات الحكومية أو الأهلية الداعمة، وأحيانا تكون صالة الفندق الذي حُجزت حجراته للمناسبة يقدمها الفندق مقابل إشهاره في المقابلات التلفازية وأخبار التغطيات. وكثير من هذه المهرجانات لا تحظى برعاية حكومية، فلا تقدم للضيوف شيئا يذكر، فيأتي الضيف المبدع متحملا كل مصروفاته؛ بدءا من تذكرة الطائرة، وانتهاء بأجرة السيارة التي تقله للمطار عائدا لبلاده. وأحيانا يسعى منظمو المهرجان لدى الفنادق للحصول على سعر مخفض للسكن والوجبات، وعندها يشترط المنظم على الضيف دفع رسم مالي مقابل الإقامة والإعاشة. وقد لا يجد الأديب الناشئ المتطلع لصعود المنبر والإلقاء لبضع دقائق أمام الجمهور -مهما قل عدده- غضاضة في دفع نفقاته على حسابه الخاص. وحتى الأديب المبدع الذي تحدوه الرغبة في الالتقاء بنظرائه العرب، أو الذي يخطط لسفرة سياحية فيجد المهرجان متاحا أمامه ليشكل جزءا من برنامجه السياحي.
كثير من مثقفينا ومبدعينا يحضرون هذه الملتقيات بهدف السياحة والترفيه ولغرض لقاء أصدقائهم الذين تعرفوا عليهم بفضل هذه اللقاءات، وليس لقيمة المهرجان أو لسمعته وسمعة منظمه. كل ما تقدم يعد مقبولا لأن من يدفع يحصل على عائد ما، لكن غير المقبول هو ما انتشر مؤخرا من قيام بعض المنظمين بمطالبة المبدعين – فضلا عن رسوم السكن والإعاشة – برسوم مالية مقابل مشاركتهم.. أي مقابل الوقفة أمام (المايكرفون) لبضع دقائق، مع أنه لولا تطوع هؤلاء المبدعين بالحضور والمشاركة لما قامت لمهرجاناتهم قائمة.  ولعل القراء الأعزاء يحتفظون في ذاكرتهم بنماذج لهذه المهرجانات ذات الصبغة التجارية؛ مما يغنيني عن سَوق الأمثلة، لكني سأحدثكم عما هو أعجب مما سمعتموه وقرأتموه. صاحب مؤسسة اخترع فكرة تكريم عدد من المثقفين والأدباء والفنانين والإعلاميين العرب، فحدد اليوم الموعود لتقديم ميداليات ذهبية لهم، وأرسل الدعوات لمن استجاب منهم، لكنه ما لبث أن بدأ يناشد المؤسسات الحكومية والأهلية لدعمه ورعاية مشروعه! وحين يئس من استجابة هؤلاء أخذ يوجه طلبات الاستجداء للمبدعين المكرمين! ولما كنت أحد الذين وجهت لهم الدعوات لتسلم الميدالية الذهبية، وأحد المعنيين باستجدائه؛ كتبت تعليقا على منشوره، شكرت له حماسته لتكريمنا، وقلت له: “هل أنت مجبر على تكريم أحد”؟ وذكّرته بقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها). وأضفت: “إنه لا أحد يقبل أن تأخذ منه في الخفاء لتعطيه في العلن، أو تأخذ من زميله لتعطيه”. وعدت لصفحته لأقترح عليه الاعتذار عن مشروعه التكريمي، أو تقديم ميداليات نحاسية بدلا من الذهبية -إن كانت ميزانيته لا تسمح- لكنني وجدته قد حظرني!.

  عن  مجلة فرقد 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!