من هموم الحياة / بقلم : د.زاهدة العسافي

لم تكن تلك السيدة التي انجبت إبنتها الوحيدة (شهد) انها سوف تتحمل كثيراً من أعباء الحياة لأنها ببساطة موظفة براتب ممتاز وتملك داراً للسكن وتعيش حالة رفاهية ، كان الأسلوب الذي اتبعته في تربية شهد تغدق المال عليها بسخاء دون أن تلتفت إلى الكثير من جوانب بناء الوعي لدى هذه الصغيرة المدللة التي بعد مرحلة الثانوية توقفت عن إكمال دراستها و شعرت بالاكتفاء في حين أن الوالدة كانت تطمح أن البنت التي نضجت تروم الزواج وهذا يسد بعض أبواب حرمانها لأنها أنجبتها وحُسرت بعدها تلك النعمة ، وأملها أن تكبر عائلتها وتحقق إبنتها ما كانت تريده عبر الأيام و تبني أسرة كبيرة وسعيدة لطالما المال كثير. تقدم أحدهم لشهد و قد وافق الأبوين وتم الزواج واعدت الأم داراً لإبنتها والشاب الذي تزوجها ، وبعد سنة أو سنتين بدأت طموح وأطماع زوج شهد تظهر بسرعة كبيرة لأن المال يسير بين يديه مثلما يتمنى .
دخل كلية أهلية و أكمل دراسته الجامعية ،واقتنى سيارة جديدة من هذا المال وتغيرت أحواله ، بينما شهد قد أنجبت له ولدا وبنتا، والبحبوحة التي كان يعيشها أبعد عن شهد أي قلق وكانت أم شهد قد سجلت الدار التي سكنتها ابنتها والزوج بإسمه بداعي أنه بمقام ولدها الذي حُرمت منه ، وشهد قليلة الخبرة في إدارة وتحمل المسؤوليات والمدلله دلال يمتص شعورها ببعض المسؤولية لأن الوصاية وادارة الحياة كانت للأم ، جاء اليوم الذي قرر فيه زوج شهد أن يطلقها لأسباب واهية كيف لا وهو الذي أمتلك الدار و أنهى دراسته الجامعية وجمع ما جمع من مال حصل عليه بيسر و سهولة حيث جاءه دون قلق ، وبردة فعل قوية وكأنت شهد تريد أن تمنحه صفعة قوية أجبرت الأم على الموافقة على من طلب يدها للزواج لتكون الزوجة الثانية وكان قد تزوح من مدينة أخرى إلى مدينتها نتيجة الظروف الصعبة والهجرة القسرية من منطقة سكناه ، وبنفس العاطفة إتخذت أمها قرارها الثاني للزواج بشرط الزوج الجديد أن يبقى صغيريها بعهدة الوالدة ، وافقت شهد على الشرط ، وكانت تراعي أولادها بين حين و آخر ولا تدري ما خبأ لها الزوج والأيام .
يعود الأمان والهدوء إلى مدينة الزوج يأخذ شهب بعيداً عن طفليها والأم .
هنا تبدأ مرحلة الأم بدموع حارة يقضي الصغار يوم وكأن قلوبهم انسلخت من أب طامع رحل دون التفاتة حانية لوجودهم في حياته و أم تهوى أن تعيش حياة زوجية مهما كان الثمن حتى لو كان هذا الثمن نار اشتعلت في القلبين الصغيرين .
الهاتف يرن مع بكاء الطفلين والتوسل بها أن تطلب الطلاق وتعود بسرعة إليهم لأن حياتهم أصبحت خالية وهم بحاجة إليها هي تبكي معتذرة وهم يبكون متوسلين و دموعهم شاهدة على مقدار الألم والفقدان الذي رمى بقلوبهم الصغيرة في جزيرة موحشة ، وأمام هذا المشهد قررت الجدة التي بعهدتها الصغيرين أن تأخذهما بعيداً في دولة مدنها أجمل والحياة فيها الكثيرة من اليسر اعتبرت هذه الرحلة والاستقرار في ذلك البلد نزهة طويلة وجميلة يحلم بها الكثير من الناس .. لكن المسافة البعيدة أثقلت عليهم معاناتهم وحرمتهم من تلك الزيارة الشهرية لوالدتهم وقضاء بعض الوقت الذي لم يكن سعيداً لانهم يطلبون منها الطلاق والعودة إليهم لكنها ترفض وبشدة وتبكي بحرقة و أما هذا التناقض تمضي السنوات اليوم الولد شاب في الثانوية والبنت الصغيرة على أبواب الدراسة المتوسطة وتفصل بينهم وبين الأم التي تخلت عنهم بسرعة وسهولة وباعت قلوبهم لأيام الحرمان..
تُرى هل الجدة قدمت المال على الوعي في تربية ابنتها الوحيدة أم البنت كانت خالية من مشاعر الامومة وباعت صغيرهما لمصير مؤلم وزرعت في بستان حياتهم شيء اسمه الحرمان ؟

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!