من يتذكَّر.. نزار قباني ؟!. بقلم. نجم الدين سمّان

لآفاق حرة

ملاحظة: (هذه مقالةٌ مرّت بصعوبةٍ إلى النشر بعد.. موتِ نزار جسداً؛ وكنتُ بين الحشد في جنازنه يوم 4 – 5 – 1998؛ حتى قصدتُ أولَ مقهى.. لأكتب ما يلي:)
……

من يتذكَّر.. نزار قباني ؟!
ومن يتذكَّر بياضَ ياسمينِ الشام حين يغفو على وسائد الليل؛ أو.. يتذكَّر ماءَ بردى يرتعشُ طوالَ الصيفِ من ثلوجِ الزبداني؛ أو.. النارنجَ في باحات الدور العربيّة.. يغفو الجَمَال في ظلالِهَا؛ كارتعاش الشمس عند سفوح قاسيون.. بُعَيدَ شُروقِها بقليل.
وبالطبع.. رَهَافةَ النِسَاءِ الدِمَشقِيّاتِ اللواتي في قصائد نزار.
ليس هذا ضرباً من الحنين إلى ماضٍ من ذكرياتِ الشعر فحسبُ؛ مِن حيثُ تمَّ استبدالُ أشجارِ الغُوطةِ.. بغاباتِ الاسمنت الكالحة؛ والخُضرةَ.. بدوَّامات الغُبَار؛ والوردةَ الشاميَّةَ.. بأكوام الزِبَالَة؛ والماءَ الذي مثل دُموعِ الملائِكَةِ.. بصهاريجِ العَطَش يبيعونها للناس بالرَطلِ والبرميل؛ والهواءَ.. الهواءَ.. بأبخرةِ المازوت والبنزين؛ بعدَ وَأدِ عربات الترامواي الصديقةِ للبيئة. ولو أنّ بلدياتِ دمشقَ وريفها.. عوَّضت كلَّ شجرةٍ قُطعت من الغوطة.. بحديقةٍ في كلِّ حيٍّ؛ مِن حيثُ تفتقدُ دمشقُ للحدائقِ على نَحوٍ مُرِيعٍ.. وهي التي كانت حديقة بلاد الشام وجَنَّتها التي بسبعةِ فروعٍ من نهر بردى؛ وكأنَّ عُقولَ جحافلِ المُهندِسِين في البلديّات مليئةٌ.. بالرمال؛ لو أنهُم حَجَزوا ماء بردى.. بسَدٍ عندَ خانِق الرَبوة؛ بدلَ العشوائيات لما عَرَفنَا عطشاً لعقودٍ من السنوات؛ وستكونُ قِمّةُ هذا السَدِّ.. درباُ إلى بيروتَ ومنها؛ حتى لا يٌقالَ.. بأننا دَمَّرنا التواصلَ بينَ الشام ومينائها العَتِيق: منذُ أولِ آراميٍّ و.. فِينِيقيّ !.
ثمّة.. مَن يَعبَثُ بدمشقَ؛ وبغُوطَتيها.. أيضاً: شرقيّةً وغربيّةً؛ وثمّةَ مَن وَصَفَ نزار قباني.. بالبرجوازيّ الرَجعيٍّ؛ وثمّة مِنَ الكَتَبَةِ قد قالَ بأنّ قصائد نزار “المائِعة” هي سببُ هزيمة حزيران 1967 !!.
حاول هؤلاءِ أن يدفنوا نزاراً.. وهو على قَيدِ حياتِهِ؛ لا يدرونَ أنّ المُدُنُ أيضاً.. تحيا في قصائد شاعرها؛ حيث كلُّ قصيدةٍ شجرةُ توتٍ؛ أو.. مشمشٍ؛ أو.. تينٍ؛ أو.. رُمَّان؛ أو.. زيتون؛ وحيث كلُّ مُفرَدةِ غزلٍ في شعرهِ.. هي امرأةٌ تُؤنَّثُ المدينة التي حَوَّلها بعضُ أبنائها إلى صحراءَ ذكوريةٍ.. من الإسمنت والغبار.
تحيا دمشق من جديد.. كلَّما عادَ أَحَدُنَا ليقرأ قصيدةٍ لنزار.
ولم يُجدِ هؤلاءَ.. أن يَئِدُوا دمشقَ وشاعِرَهَا؛ فلمّا ماتَ نزار جسداً.. نهضَت دمشقُ كلّها في جنازته؛ إلى حيثُ ترابِهِ الأولِ و.. الأخير.
نزار قباني.. سلاماً لِبَهَاءِ شِعرِكَ.. سلاماً لروحِكَ الخضراء.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!