نصف الحُجة الأدب./ بقلم : صهيب محمد المقداد

نتعرض في حياتنا اليومية للكثير من النقاشات من قبل الأصدقاء والأهل والمجتمع وحول مواضيع مختلفة سياسيا وإقتصاديا وفي المعرفة والتاريخ وغير ذلك، وعند طرح هذه المواضيع بين الأشخاص يحاول كل إنسان إبداء رأيه وتبيان حجته ويسعى جاهدا لأن يغلب برأيه ويكون المنتصف في آخر النقاش ويبين للجميع أنه على حق وصواب وأنه صاحب رأي سديد وذو إطلاع واسع وحكمة، ولا يحب أحد من الناس أن يظهر مظهر الجاهل الناقص العلم، كما أن الذي على حق يسعى إلى تبيان الصواب من الخطأ وتعريف الآخرين بالمعلومات والوقائع الصحيحة كما يسعى لإبداء النصيحة للآخرين وتوجيههم وردهم عن طريق الباطل وقول الخطأ.

يحتاج الأنسان دائما للوسيلة الصحيحة والوقت المناسب والمكان المناسب لينال ما ذكرناه مسبقا من الغلبة بالرأي وإسداء النصيحة وإظهار الحق، فالوسيلة الصحيحة تكون بإبداء الرأي بكل أدب وإحترام فكما جاء في القرآن الكريم، سورة آل عمران:: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159).

قد بين الله تعالى، أن الفظ وغليظ القلب ينفظ الناس من حوله، فعلى الإنسان أن يكون لين الطبع مؤدبا في سلوكه وطبعه، فالكاذب لن يأخذ الناس برأيه أو حديثه فهو معروف عنه الكذب وعدم الصدق،  وخير مثال خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم حين جاءته النبوة فقالت له قريشا: مَا جرَّبنا عليكَ كَذِبًا قَطُّ. فلو أن قريشا عهدت على رسول الله الكذب وحشى أن تكون فيه صفة الكذب، لما ناقشته ولبطل رأيه وقوله، كذلك الغلظ في النقاش وإبداء النصيحة، فلن يقبل منك أحدا رأيا وأنت تصفه بالجاهل أو وأنت تناقش بصوت عالا وكأنك المنتصر قبل بدأ الحديث، فوصف أحدهم بالجهل في بداية النقاش، هو تحول الحوار من رأي صحيح وباطل إلى، إثبات من الطرف الآخر بأنه ليس جاهل، وقس على ذلك الكثير من الأساليب الخاطئة في إبداء النصيحة وتبادل الآراء، والوقت المناسب له دور كبير في تقبل الآخرين لنصيحة أو إظهار رأيك لهم، فمن الأدب عدم رؤية الآخرين في ضيق من وقتهم وعجلة من أمرهم وأنت تطيل الحديث وتأخرهم عن أعمالهم ومواعيدهم، فالإنسان تمر به أوقات لا يتقبل فيها النقاش حتى لو كان حقا وهو يعرف نفسه على باطل، فإما يكون تعباً أو بحاجة إلى النوم أو الكثير من أمور الحياة اليومية، فأختر الوقت المناسب إذا أردت أن تبين رأيك ويتقبله الآخرين، وأختيار الوقت المناسب يرادفه أختيار المكان المناسب، فليس الإنسان يتقبل رأيك في كُل الأماكن وخاصة النصيحة وأنظر إلى قول الشافعي: إذا نصحتني أمام الناس فقد فضحتني. لا تنصح شخصاً وأنت في مجلس يمتلأ بالناس، فالنصيحة هي تبيان شيء ليس بصحيح، فإذا ما نصحت أمام الناس، وكأنك تبين  للآخرين مساوئ أحدهم. لا حُجة بلا طريقة صحيحة وأسلوب مناسب وإلا نفرت الناس ولم يستمع أحد وضلوا الطريق حتى وهم يعلمون أنه غير صحيح، فقد تأبى النفس البشرية إتباع الحق والأستماع للنصيحة، إذا ما أشعرت الآخرين بأن الأمر تحدي أو إذلال.

وعلى عكس هذا كله، لو خير أي إنسان بالنقاش مع رجل متعصب أو رجل مرن ويتقبل الرأي الآخر ويناقش بهدوء واتزان لأختار الثاني بكل تأكيد وفضله على الأول، وقد تسبق أخلاق الرجل لسانه، ويكون هو نفسه خير حُجة، فالرجل المعروف عنه الورع والتقوى وإجتناب الباطل وإتباع الحق، خيراً من سيء الخلق، والذي لو فيه خير لنفع نفسه قبل أن ينفع الناس وينصحهم وهو تاركا لنفسه، فالأخلاق والأدب نصف الحُجة، فإن وجدت، وفر الأنسان على نفسه نصف الطريق إلى الحق وكان قائداً للناس بخلقه وكأنه يقول لهم: قد ابتديت بنفسي وأني ناصحٌ لكم فأتبعوني.

وقد بين ذلك الخليفة عمر بن عبدالعزيز، حين قال:“كونوا دعاة إلى الله وأنتم صامتون”، فقالوا: وكيف ذاك؟ قال: بأخلاقكم”.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!