أدب الرحلة في حضرموت .. أ.د مسعود عمشوش

 

آفاق حرة للثقافة
كمال محمود علي اليماني

بين يدي اليوم كتاب جد قيم كتبه أ.د مسعود عمشوش ، وهو من إصدارات اتحاد الأدباء وكتاب الجنوب للعام 2021م. تم توزيعه في حفل جماعي قبل أشهر ، وكانت هذه النسخة من الكتاب من نصيبي ضمن إصدارات أخرى تناولت بعضها قبل هذا الكتاب.
الكتاب بعنوان ( أدب الرحلة في حضرموت ) ، تناول في مؤلفه سبعة كتب تتعلق بأدب الرحلات ، وبالطبع فقد كانت كلها لأدباء حضارم.
ولقد عرّف أ.د مسعود عمشوش الرحلة من وجهة نظره بقوله( فالرحلة هي بالضرورة نص سردي يحكي فيه مسافر ما أحداث انتقاله من مكان( هنا) إلى مكان آخر( هناك) والعودة، ويسجل ويصف ماشاهده وعاشه مازجاً السرد والوصف بمشاعر انطباعاته حول ( الهناك) والناس الذين قابلهم).
وكما وضّح أ.د مسعود عمشوش فإنه من المعروف أن جزءاً كبيراً من أبناء حضرموت يميلون إلى حياة الترحال والاتصال بالآخر والتثاقف معه ، وربما الانصهار في بوتقته ؛ كما حدث في اندونيسيا وشرق آسيا وجزر القمر وسواحل شرق إفريقيا ، وإن كانت الرحلات أيضا تتضمن البحث عن لقمة العيش.
ولقد ابتدأ كتابه بدراسة كتاب( الشاهد المقبول بالرحلة إلى مصر والشام واسطنبول) لكاتبه شيخ الحبشي ، حيث بدأت الرحلة من حضرموت إلى مكة المكرمة ، وانتهت بعودته مرة أخرى إلى مكة مرة أخرى، وهي الرحلة التي استمرت لتسعة أشهر، و زار فيها مناطق كثيرة منها : القاهرة والاسكندرية ، ودمشق وبعلبك وبيت المقدس ، وزار اسطنبول أيضا.
وأحسب أن طول مساري الرحلة ( الزماني والمكاني) قد استدعى الإطالة في دراسة الرحلة ، وهي الدراسة التي استغرقت 34 صفحة من كتاب هو عبارة عن 141صفحة.
وينتهي أ.د عمشوش من تلكم الرحلة لينقلنا إلى رحلة أخرى لمحمد بن هاشم هي ( رحلة الثغرين) ، رحلة داخلية قام بها الرحالة من وادي حضرموت باتجاه الساحل .ومما لفت انتباه الكاتب تضمين الرحالة عدداً كبيرا من الصور الفوتوغرافية طي كتابه.
ونصل بعدها إلى كتاب( رحلة جاوا الجميلة) لصالح بن علي الحامد، ولقد تكوّن متن الرحلة (حسب أ.د عمشوش) من أربعة عناصر متداخلة يتضمن الأول تقديما علميا متعدد الجوانب للجزيرة ، ويتكون العنصر الثاني من الرصد الزماني والمكاني للرحلة ، بينما يحتوي العنصر الثالث على وصف المشاهد الطبيعية ، أما الجزر الرابع والأوسع فهو عبارة عن ترجمات موجزة أو تقديم لعدد كبير من الشخصيات البارزة التي التقى بها المؤلف أثناء رحلته.
أما رحلة الأديب الراحل علي أحمد باكثير التي وردت تالية فقد استغرق الحديث عنها قرابة 27 صفحة؛ إذ أنها كانت، كرحلة شيخ الحبشي، طويلة في مساريها المكاني والزماني، فقد زار خلالها الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا والنمسا وإيطاليا وكذا ألمانيا. وكانت القاهرة هي نقطة الانطلاق ونقطة العودة، وقد جاء وصف الرحلة في أكثر من مائتي صفحة من لدن باكثير، وفي هذه الرحلة لفت انتباه أ.د عمشوش تقديم الأماكن والإنسان في رحلته ، وكذا تقديم الآخر إضافة إلى أسلوب الباكثير المتميز في سرد رحلته.
وما أن ينتهي أ.د عمشوش من رحلة باكثير حتى يأخذنا منطلقا لاستعراض رحلة أديب حضرمي آخر هو القاص الراحل عبدالله سالم باوزير في كتابه ( أيام في مومباي)، وهي الرحلة التي اثارت الحس النقدي الأدبي لدى أ.د عمشوش لوفرة العناصر القصصية فيها ، وكذا تقنية المفارقة والسخرية التي أشتهر بها الباوزير
وأجاد توظيفها في كتابه عن رحلته.
ثم يعرج بنا إلى كتاب ( رحلة إلى الربع الخالي) للمؤرخ الموثّق جعفر السقاف ، وقد جاءت الرحلة في كتيب يقع في 99 صفحة من المقاس الصغير ( حسب أ.د عمشوش)، وقد ضمّنه المؤلف مجموعة من المعلومات والوثائق التي كان قد جمعها عن الربع الخالي من مصادر مختلفة، وقد كانت انطلاقة رحلته من تريم ، وقضى خلالها خمسة أيام بلياليها في الذهاب ، ومثلها في العودة، وكان ذلك في رحلة لأداء مناسك الحج.
أما الرحلة الأخيرة الواردة في الكتاب فكانت ( رحلة الكويت أو الرحلة الثامنة للسندباد).
وهي رحلة يصف فيها ربيّع بن عبداللاه رحلته مع بعض رفقائه ، وهي الرحلة التي انطلقت من ( مدودة) إلى ميناء الشحر ، ومن هناك تم تهريبهم بشاحنة ، ثم مشيا على الأقدام ، ثم بالجمال إلى أرض المهرة ، ومن ساحل المهرة انطلقوا إلى الكويت بحرا، وكانت رحلة بحرية لقوا فيها الأهوال ، ونجوا من الرياح والعواصف بفضل الله ثم بفضل حنكة وخبرة أبناء السندباد الشحري الحضرمي في التعامل مع أعاصير المحيط الهندي .
عاش صاحب الرحلة في الكويت لزمن ثم عاد إلى حضرموت مرة أخرى.
لم يقم أ.د مسعود عمشوش باستعراض ودراسة هذه الرحلات وتقديمها للقارىء في استعراض خارجي لايد له فيه ،بل إنه قدمها بعد أن درسها دراسة فاحصة ومتأنية ، واستطاع من خلال ذلكم الجهد الذي بذله أن يكتشف كثيرا من الخبايا التي لاتنبىء عن نفسها من خلال وصف وسرد مؤلفي كتب الرحلات ؛ فهو يعمد إلى تحليل هذه الكتب ليرينا الكثير من الأبعاد التاريخية والاجتماعية والفنية التي تضمنتها هذه المؤلفات.
وهو يؤكد على حضور ( الهنا) و( الهناك) في هذه الرحلات ، ويوضح مواقف أصحاب الرحلات من هذه المسألة ، ويعرّج ايضا على أسلوب الوصف والسرد من الناحية الفنية والأدبية واللغوية ، ويستفيض في ذلك حين يكون الرحالة من الأدباء كحاله مع باكثير وباوزير مثلا ، كما أنه يضع ملاحظاته الشخصية كدارس ؛وهو بهذا يغريك لأن تسعى جاداً للحصول على تلك المؤلفات لقراءتها وللاستزادة من متعة قراءتها.
الكتاب كما ذكرت لكم جد قيم ، وهو إضافة جادة للمكتبة الحضرمية واليمنية والعربية ، ويمثل جهداً يستحق منا كل الشكر والثناء.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!