خواطر تنتظر العبور/ بقلم : وسام أبو حلتم

:
هأنذا مازلتُ أقفُ شامخة، كلما همّت الدنيا بكسري اشتد عودي وزادني التحدي تمرداً على الانحناء، على هجمات معلنة وأخرى خفية .
رغم حرفي اﻷسود و نغمي الحزين والشجن المتمكن من بحة صوتي؛ إلا أني مازلت أقف ها هنا. لم تمنعني قضبانهم ولا صوت سيافهم ولا حتى طعنات خيباتهم من أن تجعلني أرتدي ثوب الخوف والضعف والمهانة فتلك الثياب لا تليق بكبرياء الوعي الذي صقل قامتي فامتدت حدودها إلى المدى الواقع خارج السيطرة،
تمردت دائما على كل قيود من سبقوهم.
أذكر يوم كسرتُ لعبتي بيديّ ﻷبرهن ﻷمي أني أستطيع أن أمﻷ فراغ والدي الذي مات وأنا صغيرة. بعدها بمدة تشعب مرض الزهايمر بخلايا عقل أمي الهرم ؛ واستوطن المرض الخبيث جسدها، ورغم الفقر والجهل الذي تعايشتُ معه منذ أمد وأخذ من عمري ما أخذ لم أقف يوما لأستند على جدار أحد. فكنت لها الذاكرة والجسد وجعلتها تنسى ما بها من إعياء وتعيش ذاكرة جديدة لا مكان فيها إلا لِما يسعد عجوزا حكمت الأقدار أن تعود بها إلى مرحلة الطفولة العاجزة.
ولدت أمي من جديد طفلة بريئة تصارع مرضاً مدمراً لكن لحظات السعادة التي منحتها إياها أنستها بعض الوجع إلى أن غادرت الحياة بابتسامة رضا.
بعدها لم تتوقف رحلتي؛ الطريق كان طويلا أمام نظري، آمال تتعثر وطموحات مؤجل بعضها؛ لم أقف في نقطة واحدة شعاعها محدد سلفاً بل أردت اتساعاً لا ينتهي لقطر الدائرة التي تحيط بي رغما عني.
لا حدود لقلبي أو لسماء خيالي، سيبقى اﻷمل الشريان الذي لا تنضب دماؤه والطموح سيفي المحيي، والنجاة هدفي، أسير بكل المسارب لأصل إلى خلاص هذه الروح وذاك القلب وهذا الجسد.
رأيت بعيني ما قد باحت به أعينهم، وسمعت من صدق ما قصّوا من كذب، فكنت دائماً أضحك بسري لزيف كلامهم ومراءات نواياهم ونفاق دعواتهم، كان الحب،كقيمة إنسانية، سري وعلانيتي، شمعة تنير قلبي بين سوادهم، في ساعات خلوتي كنت أستمد منه الصبر لأزداد في العطاء وأرتوي بمياهه لأنسى آلامي وتوحش ذاكرتي ولأثمر ما قد يلذ ويطيب من حلم حليم وكلام سليم يشفي الأرواح كعطر النسيم.
رغم غصني العصي ورغم صلابة جسدي كادت الرياح أن تهزمني بخبثها ودهائها؛ إلا أني لازلت أقف هاهنا وأستمر بالتقدم سأصمد بوجه ذاكرتي، تلك الشاهدة على كل خطاياهم وستكون سلاحي في مقاومتهم وهزم قيودهم و كسر قضبانهم.
لازلت على قيد الحياة رغم الشيب الذي اجتاح رأسي والتجاعيد التي نمت على يديّ وأطراف عيني، رغم تلك التنهيدات التي تسكن صدري لازلت أمضي وأمضي، أسير على درب العمر، أحمل بحقائبي بعض أوراق شجر الوطن الذي هجِّرت منه وقلم من غصن زيتونها، أجوب أرض الله فيها كعابد صوفي يبحث عن مستقر، عن حب صادق يرعى الكون لتسكن الروح في سماها، وأكتب كل ما نطقت به الجوارح وفاض القلب بمعناه، مازالت رحلتي لإثبات أن مفتاح السلام هو النور الذي بالقلوب لم تنتهِ ولا زلت لم أعلن انتصاري بعد .
____________________

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!