إذا كان البحر بأمواجه الدافئة ملحفة لمن أضنتهم الشمس بوهجها ،
ولسعت أقدامهم الأرض بما ادخرت من جَمْرها ، فشواطيء الزفاف قد أعلنت
عودتها على أعمدة جرائد المصيف ومجلاّته …
وأنت تعبُر الشارع ، تتناهى إلى سمعك أصوات أبواق السيارات ذاتِ
الإيقاع الموسيقي الجذاب ، سيارات تباينت أشكالها ، وازدانت مُتُونُـهَا
بباقات الورد البارعة التصميم ، وبدت من خلال نوافذها وجوهٌ ضاحكة
مُستبشرة ، وأيادي مُذَهّبةُ السّواعد مُصفقة ، فتقف مبهوت الفؤاد شارد
العقل ، وسلسلة التساؤلات لا تكاد تُمهي جلستها الاستثنائية هاته في
محيط تواجدك ، إلاّ بانتهاء ما صنعته السيارات من سلاسلَ موصولة الحلقات
، حين تتابُـــــــعِها وامتزاج ألحانها ” الخميسية ” الموعد واللقاء !
ثم تثوب إلى رُشدك وتُعيد تثبيت خيوط عقلك في أماكنها ، بعدما
شاركْتَ القوم لحظةً من لحظات حياتهم ، لحظةً قال عنها ” عِلمُ ”
التجارب أنه لا يُمكن البتّ فيها إلاّ بعد طول تفكير ، بعد طول كَـدٍّ ،
بعد طول جمع والتقاط ، بعد طول حَسَدٍ ، بعد طول حُبّ وغِيرة ، بعد
تردد وإقدام ، بعد كـرٍّ و فَر ، لكنك بعد هذا تُشعل أنوار المنطق حتىّ
يتضح السؤال الذي جرّه قَلَمُكَ في ظُلمة تساؤلاتك الفارطة ،
لحظةَ كنتَ تَطْرَبُ لزغاريد السيارات ، ماثلاً قُبالة جَـوْقِــهَـا :
ــ هل أدرك الزوجان مسؤولية هذا الذي أقبلا عليه ؟؟ أم تُراهما من
الصنف الذي لا وزن لرغبته وإرادته في حَضْرَةِ ذوي النِّـهْـيَاتِ
المكنونة ، غيرِ النبيهة من الوالديْن ؟؟ ، لأنه ما أكثر الضحايا حين
تعدّهم في هذا الخِضم ! ، ما أكثر الذين يتوجسون خِيفةً ، حين يُسدل
الصيف حرارته الدّالَّــةَ على مقدمه في وسطهم الاجتماعي ، يتخوّفون من
أن تَـفُــوهَ شِفاه والدِيهم بأن قد حان أوان زواجهم ــ وخير البرّ
عاجله ــ ، فلم يلبثوا إلاّ عشية أو ضُحاها ، حتى يُقال للفتاة فيهم ”
أو الفتى !! ” بأن الخطيب قد أتى ممثلا في والديْه ، وليكن يوم الرحيل
بعد شهر ــ إن شئتم ــ أو غدَا ، والويل ، ثو الويلُ لمن أبدتْ رفضها
لمنطوق الحُكم الصادر في حقّها ! .
موقف من هذا القبيل ، يجعل الوالديْن يُدركان على الفور أن للفتاة
شخصاً ضمّـه قلبُها دونما عِلم منهما ، وهي الحبيسة في غياهب الدّيار
، وتتداعى الشكوك إلى أذهانهما ، لأن هذا عُقُــوقٌ ما ضَمّـه
كتابُ وَصْــفٍ في مِلّة اعتقادهما ، رغم أنهما القائمان على تربية
الفتاة ، أنهما اللذان شَهِـدَا مَراتِعَ صِباها ، شهِدا تحركاتها وكل
ما له صِلةٌ بها ، إلى أن اشتدّ عُودُها وبدتْ لهما مؤهلة لأن تصير زوجة
لذي ( شَرَفٍ ) في منطقهم أو ذي ( مالٍ ) في أرضهم ، وقد يكون فقيرا ”
تواضعوا لحاله ” ، فلم يَضِـنّوا عليه بهذه الهِـبة !!.
و يُزجّ بالبريئة في ما يُسمّى بـ ” القفص الذّهبي ” ، عند قوم لم
تَبِتْ ترعى النجم في التفكير فيهم ، لأنها لم تُعْطَ فُرصةً و لا
فُسحة من لحظات الزمان لذلك ، ومن هنا تُرمى أول بذرةٍ في أرض الطلاق ،
الذي هو أبغضُ الحلال إلى الله !!
لئن كان الزواج أمرا لا بُدّ منه ، مُصدقا لما بين يديْ الشريعة ،
بديهيا بحُكم الطبيعة البيولوجية لذي العقل ، فهو مسؤولية كُبرى ،
مسؤولية تتطلب النضج العقلي ، البلوغ بمؤدّى معناه الحقيقي ، وهو بالتالي
لا يعني ” الانتفاخَ الجَـيْـبِــي ” ، الذي يبدو في عين البعض جواز سفر
إلى فلب الوالد وما ولد !! .
فما أصعب أن يقف البالغ الراشدُ موقفا كهذا دون إعمالٍ لفكر ذي
مردودية ، وما أعجب أن ترى الشاب يضربُ الأخماس بالأسداس ، لاهثا وراء
ليالي الحياة الزوجية ، حتى إذا ما تم له ما ابتغى ، انقلب على
عَـقِــبَــيْه ، ومن ينقلب على عَقبيه فلا يضُرّن إلاّ نفسه ، ونفس التي
استهواها حماسه ، فأقبلت عليه راضية مرضية ، تَبغيه شريكا لسرّائها
وضَـرّائها ، دون عِلم منها أنها في موقف هو من أعسر الأمور في حياة
مَن ثبتت أهليتُهم في إطاره الرّحب ، أما حالتما كان التأني وقَطَعَ رضا
الطّرفيْن قول كل خطيب ، حلَّ الفتحُ ، فتحُ أبواب السعادة على مصراعيْها
، وبَدَتْ من خلالها الابتسامةُ الدّالّة بحق على حياةٍ زوجية مُشرقة ،
ومِـن هُنا تزول الضبابية ، حين رُؤية الورود وسَماع الأنغام ،، أنغامِ
السياراتِ والحناجـــر .