الصيـــف … والقفــص الذهـــبي/ بقلم : الشيخ قدور بن عليةــ الجزائـر

إذا كان البحر بأمواجه الدافئة ملحفة لمن أضنتهم الشمس بوهجها ،

ولسعت أقدامهم الأرض بما ادخرت من جَمْرها ، فشواطيء الزفاف  قد أعلنت

عودتها على أعمدة جرائد المصيف ومجلاّته …

 

وأنت تعبُر الشارع ، تتناهى إلى سمعك أصوات أبواق السيارات ذاتِ

الإيقاع الموسيقي الجذاب ، سيارات تباينت أشكالها ، وازدانت مُتُونُـهَا

بباقات الورد البارعة    التصميم ، وبدت من خلال نوافذها وجوهٌ ضاحكة

مُستبشرة ، وأيادي  مُذَهّبةُ السّواعد مُصفقة ، فتقف مبهوت الفؤاد شارد

العقل ، وسلسلة التساؤلات  لا تكاد تُمهي جلستها الاستثنائية هاته في

محيط تواجدك ، إلاّ بانتهاء ما صنعته السيارات من سلاسلَ موصولة الحلقات

، حين تتابُـــــــعِها وامتزاج ألحانها ” الخميسية ”  الموعد واللقاء  !

ثم  تثوب إلى رُشدك وتُعيد تثبيت خيوط عقلك    في أماكنها ، بعدما

شاركْتَ القوم لحظةً من لحظات حياتهم ، لحظةً قال عنها  ” عِلمُ ”

التجارب أنه لا يُمكن البتّ فيها إلاّ بعد طول تفكير ، بعد طول كَـدٍّ ،

بعد طول جمع والتقاط ، بعد طول حَسَدٍ ، بعد طول حُبّ    وغِيرة ، بعد

تردد وإقدام ، بعد كـرٍّ  و فَر ، لكنك بعد هذا تُشعل أنوار المنطق حتىّ

يتضح السؤال الذي جرّه قَلَمُكَ  في ظُلمة تساؤلاتك الفارطة ،

لحظةَ كنتَ تَطْرَبُ لزغاريد السيارات ، ماثلاً قُبالة جَـوْقِــهَـا :

 

ــ  هل أدرك الزوجان مسؤولية هذا الذي أقبلا  عليه ؟؟ أم تُراهما من

الصنف الذي لا وزن لرغبته وإرادته في حَضْرَةِ ذوي النِّـهْـيَاتِ

المكنونة ، غيرِ النبيهة من الوالديْن ؟؟ ، لأنه  ما أكثر الضحايا حين

تعدّهم في هذا الخِضم ! ، ما أكثر الذين يتوجسون خِيفةً ، حين يُسدل

الصيف حرارته الدّالَّــةَ على مقدمه في وسطهم الاجتماعي ، يتخوّفون من

أن تَـفُــوهَ شِفاه والدِيهم بأن قد حان أوان زواجهم ــ وخير البرّ

عاجله ــ ، فلم يلبثوا إلاّ عشية أو ضُحاها ، حتى يُقال للفتاة فيهم  ”

أو الفتى !! ”  بأن الخطيب قد أتى ممثلا في والديْه ، وليكن يوم الرحيل

بعد شهر ــ إن شئتم ــ  أو غدَا ، والويل ، ثو الويلُ لمن أبدتْ  رفضها

لمنطوق الحُكم الصادر في حقّها ! .

 

موقف من هذا القبيل ، يجعل الوالديْن  يُدركان على الفور أن للفتاة

شخصاً  ضمّـه قلبُها دونما  عِلم  منهما ، وهي الحبيسة في غياهب الدّيار

، وتتداعى الشكوك    إلى أذهانهما ، لأن هذا  عُقُــوقٌ  ما ضَمّـه

كتابُ وَصْــفٍ  في مِلّة اعتقادهما ، رغم أنهما القائمان على تربية

الفتاة ، أنهما اللذان شَهِـدَا  مَراتِعَ صِباها ، شهِدا  تحركاتها وكل

ما له صِلةٌ بها ، إلى أن اشتدّ عُودُها وبدتْ لهما مؤهلة لأن تصير زوجة

لذي ( شَرَفٍ ) في منطقهم  أو ذي ( مالٍ ) في أرضهم ، وقد يكون فقيرا  ”

تواضعوا لحاله ” ، فلم يَضِـنّوا عليه بهذه الهِـبة !!.

 

و يُزجّ بالبريئة في ما يُسمّى بـ ” القفص الذّهبي ” ، عند  قوم  لم

تَبِتْ ترعى النجم  في التفكير فيهم ، لأنها  لم تُعْطَ  فُرصةً و لا

فُسحة من لحظات الزمان لذلك ، ومن هنا تُرمى أول بذرةٍ  في أرض الطلاق ،

الذي هو أبغضُ الحلال  إلى الله !!

 

لئن كان الزواج أمرا لا بُدّ  منه ، مُصدقا لما بين يديْ الشريعة ،

بديهيا  بحُكم الطبيعة البيولوجية  لذي   العقل ، فهو مسؤولية كُبرى ،

مسؤولية تتطلب النضج العقلي ، البلوغ بمؤدّى معناه الحقيقي ، وهو بالتالي

لا يعني  ” الانتفاخَ الجَـيْـبِــي ” ، الذي يبدو في عين البعض جواز سفر

إلى فلب الوالد وما  ولد !! .

 

فما أصعب أن يقف البالغ الراشدُ  موقفا  كهذا دون إعمالٍ  لفكر  ذي

مردودية ، وما أعجب أن ترى الشاب يضربُ الأخماس بالأسداس ، لاهثا وراء

ليالي الحياة الزوجية ، حتى إذا ما تم له ما ابتغى ، انقلب على

عَـقِــبَــيْه ، ومن ينقلب على عَقبيه فلا يضُرّن إلاّ نفسه ، ونفس التي

استهواها حماسه ، فأقبلت عليه راضية  مرضية ، تَبغيه شريكا لسرّائها

وضَـرّائها ، دون عِلم منها أنها في موقف  هو من أعسر الأمور في حياة

مَن ثبتت أهليتُهم في إطاره الرّحب ، أما حالتما كان التأني وقَطَعَ  رضا

الطّرفيْن قول كل خطيب ، حلَّ الفتحُ ، فتحُ أبواب السعادة على مصراعيْها

، وبَدَتْ من خلالها الابتسامةُ الدّالّة بحق على حياةٍ زوجية مُشرقة ،

ومِـن هُنا  تزول الضبابية ، حين رُؤية الورود وسَماع الأنغام ،، أنغامِ

السياراتِ   والحناجـــر  .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!