الفصل الحادي عشر من رواية الغداء الأخير للروائي الأردني توفيق أحمد جاد

    الكثير من اللاجئين الفلسطينيين كانوا لا زالوا يحملون معهم مفاتيح بيوتهم التي فقدوها في أحداث الــ“48”، كما أنّهم يملكون وثائق ملكيتهم لأراضيهم وبيوتهم، حتّى أن أسماء مواليدهم كانت تدلّ على تمسكهم بوطنهم وعودتهم إليه، وصل بهم الأمر بأن سمّوا مواليدهم بأسماء مدنهم وقُراهم.. كانوا يتداولون حديثاً بينهم “وخاصة في المضافات مثل مضافة الحج محمود المختار” حول العودة، وبدل أن يعودوا إلى الساحل الفلسطيني، فقدوا باقي الأراضي الفلسطينية حتى نهر الأردن، ومع ذلك لا زالوا يقولون: “إن إخوتنا العرب لن يتركونا فريسة لليهود.. سيتّحِدون قريباً ويقومون بتحرير الأرض من الغاصب.. بل سيلقون باليهود في البحر الأبيض المتوسط”، قليل منهم من أيقن الواقع وعاشه، هؤلاء.. وبدعم ومساندة من إخوتهم الأردنيين ازدهرت حياتهم وتطورت بشكل كبير.

 

  صالح ورشيدة كانا من الناس الذين تنبهوا للواقع والحقيقة.. رسما طريقاً لمستقبلهم.. بدأت حياتهما بالتحسّن.. يغمرهما الفرح والسرور فباتوا يبنون لها على مهل.

 

  عاد الدكتور فالح من سفره واتجه مباشرة إلى بيت ياسمين، كان لقاؤهما حاراًّ مفعماً بالشّوق.. اغرورقت عيناها عندما شاهدته يقف على باب بيتها.. تمنّت لو هجمت عليه لتحتضنه وهو يقف خارج البيت، لكنّ حياءها وأدبها منعاها من ذلك،

– فسألته بلهفة: فالح؟

– د. فالح: كلّه.

– ياسمين: حمداً لله على سلامتك

– د. فالح: سلّمك الله يا حبيبتي

– ياسمين: لمَ تأخّرتَ؟ كنت أنتظر عودتك لحظة بلحظة، من أسبوع لم يصلني منك ولا أيّ اتّصال! اشتقت لك كثيراً.. انتظرتك كثيراً.. أرقب الحمام الزاجل علّه يأتيني بخبر عنك.. أصحو باكراً لأشُمَّ نسمات الصباح، آملة أن تحمل رائحتك مع نسماتها.. أعود لأنام في فراشي.. أنتظر حلماً يأتيني بطيفك.. أفيق فلا تسعني الدنيا لأنك كنت حاضراً، ولو في منامي..

(تعاتبه.. كما تعاتب طفلة والدها على تأخّره أو غيابه)

د. فالح: وهل سأبقى خارج البيت؟ لندخل أولاً ثم نتكلم!

– ياسمين: حبيبي… شوقي إليك أنساني كلّ شيء، وفرحتي بعودتك أثلجت صدري.. حتى أنني من فرحي بلقائك، نسيت أن أقول لك تفضل.

 

   كان الارتباك واضحاً على ياسمين، دخل الدكتور فالح.. التقى بعمَّته.. سلّم عليها، فقبَّلها وقبَّل يديْها ثمّ  استدار للسلام على عمّه.. نظر حوله فلم يجده في مكانه، سأل عنه.. فأجهشتا بالبكاء، عندها عرف أنّ الله قد توفّاه.

 

   قدّم عزاءه لهما.. جلس ساعة من الزمن معهما، محاولاً مواساتهما ما أمكنه.. استأذن على أن يعود باليوم التالي لزيارتهم.

   وصل بيته ومن فوره ذهب إلى والديه.. سلّم عليهما.. قبّل يديهما ورأسيهما.

– جلس بجانب والده، وسأله: هل احتاج بيت عمّي أيّ شيء للعزاء يا والدي؟

– كلا يا بني، فلقد قام أهل المنطقة بالواجب وزيادة، وقمت أنا بتقديم مبلغ من المال إلى ياسمين، وطلبتُ منها إعلامي بأيّة احتياجات لهم، وسأقوم بتوفير كلّ ما يطلبونه.

 

   مضت ثلاثة شهور على وفاة والد ياسمين.. حاول الدكتور فالح أن ينسيهما ألم الفراق.. مرّات عدّة قام بمرافقتهما إلى المطاعم والمقاهي والمتنزّهات لتغيير أجوائهما.. بذل جهدا ً بذلك.. ذات مساء.. وفي لحظات سعيدة، استأذن الدكتور فالح من عمّته وخطيبته، أن تباشرا بتجهيز نفسيهما من أجل التحضير للزواج، لم تعترض عمته، لكنّ ياسمين ترددت قليلاً، بسبب المدّة القصيرة التي انقضت على وفاة والدها.

 

   لكنّ والدتها حثتها على المباشرة بالإعداد للزواج وقالت لها: يا ابنتي.. (دعيني أفرح بكِ قبل أن أموت.).. دمعت عينا ياسمين، فبدأت حبات اللؤلؤ تتساقط من عينيها واحمرّت وجنتاها المبللتان بالدموع وهي تمسحهما برفق. نظرت إلى والدتها  بحنان وعطف.. احتضنتها بشدة.. وقالت لها: سيكون لكِ كل ما تتمنينه يا أمي.

 

طلب الدكتور فالح من عمته أن يذهبوا بصحبة أمه  وخطيبته إلى الشام لكسوة العروس، رغبة منه في تقديم الأجمل لياسمين، قالها وهو يرقب بسمة على وجه ياسمين، حين أطلّت وكأنها فراشة تزهو متراقصة على أزهار الياسمين لأنها الياسمين.

 

  بعد أسبوع سافروا بسيارته السوداء قاصدين دمشق الفيحاء، التي تجمّلت فرحاً، باستقبال حبيبين يهيمان في بعضهما.. بدت الشام وكأنّها تحتفل بقدومهم. كم كان سرور ياسمين وفرحتها بالذهاب إلى دمشق،  ليس من أجل الكسوة، بل لمرافقة حبيبها، تستحثُّه على الإسراع لتُكحّل عينيها برؤية الفيحاء التي لمْ تزُرها سابقاً، هي ستتفاخر بين صديقاتها وزميلاتها  بأنّ كسوتها كانت من الشام . وصلوا  إلى الفندق المطلوب وأخذ الدكتور فالح ووالدته غرفة، واستقلّت ياسمين ووالدتها في غرفة أخرى، اتفقوا على الالتقاء بعد ساعة في الصالة. انقضت الساعة.. اجتمعوا في الصالة.. دعاهم الدكتور فالح إلى الغداء في مطعم الفندق.. تناولوا أشهى الأطعمة. كانت الأمهات مجتمعات، سعيدات بهذه الزيارة. بعد الغداء.. طلب منهم الدكتور فالح الاستعداد لزيارة بعض الأماكن.. اعتذرت الوالدتان لشعورهما بالتّعب من السّفر.. استأذنهما  في الخروج مع خطيبته لأحد المتنزّهات وتناول طعام العشاء.. وافقتا على ذلك بعد أن أوصياهما بالحِرص على نفسيهما وعدم التأخر.

 

  خرجا بالسيارة، صعودا إلى “جبل قاسيون” لينظرا الشام من علوّ.. حيث امتدت على أرض منبسطة.. متوهجة بأنوارها وكأنها مدينة السحر..  مدينة الماضي والحاضر.. حاملة عبق التاريخ والحضارة.. مدينة مياه الفيجة والياسمين، بدأت السيّارة بالصعود في طريق ذلك الجبل الذي يقف شامخاً ليروي التاريخ العَبِقْ لهذه المدينة.. يشرح لها عن الشام وتاريخها العريق، خطر في بالها عمّان وشوارعها التي توحي بالمتعة والخوف منْ شدّة انحداراتها.. بدأتْ الطريق بانعطافات وارتفاعات فكانت كأفعى تتطاول أمامهما.. بدأت الشام تظهر من ذاك الارتفاع الشاهق.. ازدادت المناظر الجماليّة أمام عينيْهما.. أبدت إعجابها الشديد بما ترى.. أيقنت أنّه أحسن الاختيار في القدوم لهذا المكان المرتفع.. زال استغرابها حين روى لها في الطريق بأنّ قاسيون مكان لالتقاء المُحبّين والعشاق، وأنّ الكثير من الأزواج الجدد والعشاق يصعدون إلى ذلك الجبل للاحتفال بأجمل وأسعد أوقاتهم، حين اكتمل الصعود وبدت مدينة الياسمين تتجلى أمام ناظريهم، بدأ كلاهما يربط ما بين عمان والشام، استذكرا عمّان بجبالها السبعة.. أشارت إلى تشابه تلك الإطلالة الرائعة لجبل القلعة وبيوت عمان، مع إطلالة قاسيون ووقوفه كحارس أمين على الشام التي بدت رابضة على مرّ السنين وكأنّها أدراج تتعالى ارتفاعاً لتصل إلى قمته.

 

  منظر المآذن زادها بهاءً وجمالا.. شوارع دمشق وحركة سياراتها مع بيوتها وأشجارها، جعلها كفاتنة يتفنن الشعراء فيها حبّاً وغزلا. تساءلت ياسمين حين رأت ذلك الارتفاع الشاهق والذي حسبته يُطاول السماء، هل أنّ الغيوم تعلوا هذه القمّة أم أنّها تتواضع أمام شموخه وارتفاعه؟ بعد ذلك اقترح عليها أن يذهبا إلى فندق لتناول طعام العشاء، حاولت أن تبقى لتستمتع بتلك المناظر الخلابة لفترة أطول، خلال عودتهما إلى السيارة، كانت تمشي خطوة وتتراجع أخرى، إذْ لابدّ من الفراق وعودة النزول من العُلُوّ إلى أحضان الشام.. حجز غرفة.. احتجّت ياسمين، لكنّه أقنعها بأن الوقت مبكٌّرٌ لتناول العشاء، وبأنّ عليهما الاستراحة لساعة من الزمن.

 

  وافقت ياسمين.. دخلا الغرفة.. تبادلا الأحلام.. ولأنهما قاما بعقد القران.. ظنّا بأنّه يحقّ لهما فعل أيّ شيء، أُسوةً بكلّ الأزواج، جرّهما الهيام والغرام إلى استباق موعد الزفاف، فأعطته ما أودع الله بكلّ فتاة ، لتحفظه إلى يوم زفافها، فأصبحت في عداد النساء.

 

  ندمت ياسمين ندماً شديداً، لكنّه كان يهدّئها، بقوله لها:  أنتِ زوجتي بشرع الله وسنّة رسوله، نحن يا عزيزتي لم نقترف إثماً..

– ياسمين: لكن هذا ليس بالوقت المناسب، ولا يحقّ لنا أن نقوم بما قمنا به الآن!

– د. فالح: هدّئي من روعك، أعدك بأن زواجنا سيتمّ بعد عودتنا بأسبوع واحد فقط…

 

  بكت ياسمين.. اختلطت دموع السّعادة بدموع النّدم، متناقضات غريبة تُحسُّ بها، الحزن والفرح.. البكاء والابتسام، كُحلتها.. أجراها دمعها على خدّيها الورديين.. خطّت خيوطها السّوداء في أرض بيضاء، صفاء ونقاء ياسمين الشام، انعكس عليها، رغم بكائها إلا أنّ وجهها رسم لوحة زادت من جمالها.. لاطفها حتى أراح أعصابها.. قاما بالاستحمام والنزول إلى المطعم.. تناولا العشاء، بعدما بدأت نفسيّتها بالتحسُّن، تناولت طعامها وهي تسترق نظرات خَجِلَة، تصاحبها بسمات لطيفة، تعيش لحظات رومنسيّة في واقعها وخيالها.. عادا إلى الفندق الآخر.. دخلت ياسمين تنطُّ وتلفُّ ملوحةًّ بحقيبة يدها في الهواء وتقول: ما أجملك يا شام..

 

  اشترى لها كسوة فاخرة.. كما اشترى بعض الهدايا  لوالدته وحماته، قام وياسمين باختيار بدلة سوداء اللون له.. استمرَّ غيابهما هناك ثلاثة أيام.. يختلقان الأعذار… فيذهبان إلى ذلك الفندق ليتمتعا ببعض الوقت، بعيدَين عن والديتهما، يغادران الفندق عصراً ويعودان إليه في وقت متأّخر من الليل، بعد أنْ يُفرغا منْ عواطفهما ما يُضفي لرحلتهما سعادةٌ بلا حدود.

  عادوا من دمشق فرحين مسرورين، لم تكن الدنيا تسعهم، خاصة العروسين، شهر عسلهما المبكّر، لن يُمحى من ذاكرتهما، لم يكُنْ هناك ما يُعكّر صفو رحلتهما، سيخلدُ هذا اليوم ويسجّل في تاريخ سعادتهما،  انطلقا على مهل، لم يحاول الإسراع فسيارته تمتلئ بالملابس والهدايا، دخلوا الأردن، كانوا ينتظرون الوصول بفارغ الصبر.. يستحثّون الوقت للإسراع، ليمضي  ما تبقّى من أيامٍ قليلة على زواجهما الرّسميّ. جلست ياسمين في الكرسي الخلفي بجوار والدتها المنهكة من السفر، أمّا والدة الدكتور فالح فبعد إنهائهم لإجراءات الدخول لمدينة الرمثا، غطّت بسبات عميق.. لم تَعُدْ تحتمل عناء السفر أكثر من ذلك.. حاولت والدة ياسمين أن تبقى يقظة متنبّهة، إلاّ أنّ سلطان النوم الذي غالبَها، غلبها وتغلّب عليها، لتنضم إلى والدة الدكتور فالح وتشاركها نومها العميق. في الأثناء لم تترك ياسمين والدكتور فالح لحظة إلاّ وحاولا استغلالها إمّا بالكلام أو بهمس من عينيهما.. تبادلا الابتسام والغمز.. تمُدُّ يدها من خلفه.. تُداعب رقبته وأذنه بلطف.. يُسرُّ بتلك الحركات.. يحاول أن يفاجئها بمحاولة عضّ يدها، فتسحب يدها وكأنّها طفلة تُحاول استفزازه، ليداعبها ويلاعبها. قبل وصولهما عمان بقليل، كان التعب قد أنهك الدكتور فالح، ساد الصمت والسكوت بينهما، لكنّ ياسمين لم تُشِحْ عينيها عن مرآة السيارة الداخليّة لتُمتّع ناظريها بحبيبها. نظر إليها حبيبها في المرآة لتبادره بغمزة مزدوجة من عينها وشفتيها.. ردّ إليها غمزتيها وأومأ لها بأن تكرّرها، لكنّها رفعت حاجبيها معلنة الرّفض الذي يرافقه الغنج والدلال، تسمّر بصره في المرآة ينتظر ردّها.. انحرفت سيارته عن الطريق واصطدمت بشجرة كبيرة. كانت إصابته برأسه وصدره بليغة.. توفّيَ من فوره، فقد ضغط مقود السيارة على صدره فتكسّرت أضلاعه، غصنٌ كبيرٌ من تلك الشجرة، اخترق الزجاج من جهته لينهي حياته.

 

  أما ياسمين ووالدتها وعمّتها، فلم يصبهم أيّ مكروه إلا بعض الرضوض والكدمات.. حضرت سيارة الإسعاف ونقلوهم إلى المستشفى، ولم يعلم أي أحد منهم بأن د. فالح كان قد توفّي.

 

  تمّ إجراء الفحوصات الطبية لهم.. قاموا بعمل صور الأشعة، فتبين بأنّ الجميع بخير، ولا يعانون من أيّة مشاكل صحيّة، بدأوا بالسؤال عن د. فالح الذي افتقدوه.. لكنّ الطبيب، طلب منهم العودة إلى البيت، وإرسال والده لمتابعة علاجه، حضر أبو فالح وطلب مشاهدة ابنه، لكنّ الخبر كان صادماً له بوفاة ولده، صرخ بأعلى صوته ولطم بيديه على وجهه.. صعقه الخبر ولم يحتمله.. بدأ يصيح وينوح.. حاول الأطباء التخفيف عنه.

 

  عندما علمت ياسمين بالخبر، أصابتها صدمة عصبية حادّة، نُقِلَت على إثْرها إلى المستشفى، فكتب لها الطبيب دخولاً ريثما تهدأ أعصابها، الذهول والوجوم سيطر عليها، كانت كثيرة الشرود.. لمْ تخبر أحداً بما جرى بينها وبين خطيبها في الشام.. حاولت التعتيم وإخفاء الموضوع حتّى عن والدتها، لكن.. هل ستبقى الحقيقة مخفيّة؟ وإلى متى؟ وما هو الحل لهذه المشكلة يا ترى؟ هل لديها الجرأة لإعلان ما حصل؟

 

  انقضى أسبوع وياسمين ترقد في المستشفى.. يتقلّب مزاجها فتجدها هادئة أحياناً، وعصبيّة المزاج أحياناً أخرى.

 

  تمّ إخراجها من المستشفى بعد أنْ أكّد الأطبّاء أنّها أصبحت بحالة أفضل، محاولة العودة لطبيعتها وهدوئها، كان فكرها منحصراً بما جَنَتْ به على نفسها.. تحاول أمها التخفيف عنها.. اعتقاداً منها أنّ ابنتها مصدومة من موت خطيبها، لكنّ ياسمينُ ما تلبث أن تعود لشرودها وسرحانها مرة أخرى، سألَتْها والدتُها مرارا: “كيف لي أن أساعدكِ يا بنيّتي؟ لقد قدّر الله لك هذا الأمر.. فاصبري واحتسبي عند الله.. عودي لحياتك وعيشي الواقع يا حبيبتي”.. سيأتيك من يحبّك وتحبينه.. ستتزوجين وتنجبين الأطفال.. ستكون لك حياة هانئة وسعيدة، لكنّها كانت تنظر إليها باستغراب ولا تجيب.

حاولت رشيدة أن تتواصل معها كثيراً.. لم تستطع إخراجها مما هي فيه.. أخرجتها من البيت عدّة مرات للتنزّه وتغيير الأجواء، لكنّها لم تستطع التغيير من واقعها شيئاً.

  ذات يوم وهما تجلسان في أحد المطاعم، أصابها دوار مفاجئ وحاولت التقيُّؤ.. لم تستطع السير.. طلب العاملون في المطعم أن يأخذوها إلى المستشفى، لكنّها رفضت وجلست حتى ارتاحت ثم عادتا إلى البيت.

بدأت تساورها الشكوك بالحمل.. قررت أن تقوم بفحص الإخصاب، فثبت وجود الحمل.

 

  انطلقت رحلتها مع العذاب والشّقاء، ربما تكون هذه ذروة مشكلاتها، وربما تكون هي الخطوة الأولى في درب سعادتها.. لم تفرح بحملها كباقي النساء.. ذهب جلّ تفكيرها في سؤال سيسأله الجميع.. من هو والد هذا الجنين؟ صارحت والدتها بما جرى.. أصيبت الأمّ بصدمةٍ شديدة، شهقت.. لم تحتمل وقع الخبر عليها، فتوفيت على الفور بجلطة دماغية كما أفاد الطب الشرعي.

 

  أصبح شهر أيلول عام سعادة لرشيدة بحملها الثاني، وعام تعاسة وشقاء لياسمين التي أصبحت لطيمة بموت والديها، ناهيك عنْ الهمّ الذي سكن أحشاءها، كلّ النّساء تَسْعَدُ بحَمْلِها، إلّا ياسمين، فقد كان وبالاً عليها، هُما حَمْلان توافقا في شهر واحد.. أحدهما أضفى سعادة، وهو حَمْلُ رشيدة، والآخر أضفى تعاسة، وهو حَمْلُ ياسمين.

 

  استأذنني محدّثي (أبو مشعل)، الذي لديه من الأخبار ومعرفة الشخوص ما يدلُّ على علاقاته الواسعة والحميميّة مع الكثير من النازحين وأهالي الحيّ، استأذنني للمغادرة وأداء صلاة العصر، على أن نعاود الالتقاء في اليوم التالي لإكمال الحديث وبقيت أنا أجلس واهماً مفكراً ومنتظراً لأبدأ بعدّ الدقائق واللحظات لمعاودة اللقاء وسماع باقي الأحداث.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!