القرية (5)/بقلم:معين عيسى

للقريةِ
قاموسٌ مِنْ نوْعٍ خاصْ
لا يَعْبأ بالإعراب
ولا اللّكنات
الوارد منطقها
من سفر الناس
الكلمةُ واحدةٌ منذُ التاريخ
تمرُّ بمعناها الأجيال

للقرية
ميثاقٌ جمعيْ
الفرحُ يوزّعُ بهجتَهُ للكل
والحُزْنُ يُعمّمُ حسْرَتَهُ في الكل

للقريةِ أنسامٌ في الصُّبْح
كأنَّ ملامحها
نور الصلوات
هنا بَعْثٌ ونُشورْ :
نعجاتٌ تخرج من ظلمات مخادعها
لتشاهدَ ضِحْكَ الصُبْح
وديوكٌ تصرَخُ معلنةً بِدْءَ المسعى
وحمارٌ يفركُ فوق الأرض جوانبَهُ ويقلّبُها
وكلابٌ تتمطّى كالموزْ
وجبالٌ تتمشقرُ بضروس الشمس.

في القرية
لَبَنٌ يتهادى
في صُبْحِ المرجيحات
جُبْنٌ
سَمْنٌ بلديٌ
مُشْتَقّاتْ

في القرية
فائضُ وقْتٍ
مفتوحٌ فيه / الإيقاع / البال
ونسائمُ طقْسٍ جافْ
برَكاتُ المأكل و المشرب
وشهيَّةُ شاقٍ
تجْتاحُ الأخضر واليابس

في القرية
شَجَنٌ مَسْعُور
يفْترسُ العائدَ مِنْ خلْف السنوات
وحنينٌ موفور
يصعدُ من شَمّ (الجِرَب) المحروثات
يجْمع سنوات القلب وإن كَثُرتْ
ويجسّدُ رحلتها
في رقْصَة أغصان (العِثْرُبْ)
عند المَغْرِبْ

القريةُ تَكْبُرُ في
عين الأطفال مساحتُها.
في حين يَقِلُّ بأعينهم قَدْرُ المعنى
أمّا العائد
من خلف حنين العمر
فتصْغرُ في عينيهِ مقاسات الأشياء
ولكن
يَكْبُرُ – في عين الروح – المعنى.

في القرية
أجيالٌ لا أعرفها
زوجاتٌ
جئنَ من الحظّ المتكوب
ومن عُرْفِ الزيجات .
أطفالٌ
أو إِنْ شِئتَ شبابْ
لا أعرفهم
لم أعرفْ أندَرهم
إلا من سحنات الآباء
نظروا لي مِثلَ غريب
وشعرتُ بذلك في همسات (شقاوتهم)
لم يدروا
أني أحفظ هذي الأرض
وأني أشربها أكثر منهم
وبأني كنتُ هنا
وخَبِرْتُ حصاها والطرقات
وأعرِفُ كيفَ تَزِلُّ الرّجْلُ وكيف أُثَبّتُها
والقلبُ يَعي ذرّات الرمل
ويُدْرِكُ أصنافَ الأحجارِ
وموقعها في الدّرْبِ
وفي (الضاحات)
أكادُ أَمُرُّ بها معْصوبَ العين
فلا تُخْطئ قدماي الخطوات.

ولأن القرية
مجتمعٌ محصور الأهل
‏ومنغلق الآفاق
‏يعاب عليها
‏ – وعلى الريف بشكل عام-
‏الحَسَدُ المتفشي
‏أوساط الناس
‏وبعض ثقافات الماضي.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!