خربشات على جدار الذكريات العيد في القرية

بقلم :عبد الحليم سيف

عيدكم مبارك..

وكل عام وأنتم بخير.

وتدور الأيام ..ويعود العيد الأكبر، عيد التضحية والفداء والحج الأعظم.

تطل بشائره على الديار..ونسماته تهل على البشر..لتزيل ما علق بالنفوس من مرارة أوجاع وأحزان.

وفي العيد تتجدد فرحة الصغار وامل الكبار ..اضحية ُتُنحر.. وثياب جديدة تُلبس..وحلويات تُنثر..وعطور تفوح رائحتها في كل مكان ..وأهل وأصدقاء يتزاورون..أحباب يلتقون في جلسة مقيل ..وفي ليالي السمر.. وعلى ضوء القمر يستذكرون دروس العيد وما فيها من عبر وصور..قد نكون نحن موضوعها نسيناها طوال أعوام فتذكرنا احداثها في اليوم الأكبر .

في اطار بهجة المناسبة ، جالت في رأسي ذكريات الطفولة أيام العيد، وأنا اودع ابني الصغير(وديع) مع أصدقاءه وهم يتوجهون إلى مرتع الصبا في القرية، استعدت في ذهني عشرات الصور المليئة بلحظات السعادة ومظاهر الجمال، لاسيما في موسم الزراعة والأمطار، التي تتدفق سيولها كشلالات في السواقي والجبال ، وكأنها تشارك الإنسان فرحته بالعيد الكبير..أو حفل زفاف صديق أو قريب.

ويحضرني أن أشير إلى بعضها :

# عندما كان يقترب موعد عيد الأضحى المبارك ، كُنٌا نحن معشر الأطفال، نقف فوق سقف الدار بعفوية ، لنطيل النظر إلى مداخل القرية..لنرقب بشوق قدوم” الطبل” من عدن، لعله يحمل لنا ملابس العيد المرسلة من “الأب” ، أو يسوق أمامه “البربري” كبش العيد، وتتألق الفرحة في عيون الأمهات ، عندما يصل الأب” يوم الوقفة” وتكون للمناسبة نكهة خاصة، ملفوفه بروائح الكاذي ومشاقر الريحان والورود.

# وأكثر ما كنا نتمناه في غير عيد ، أن تفتح الأم صندوقها الخشبي ، لتخرج منه، ما سبق ولبسناه في عيد الفطر، كانت القناعة بارزة في حياة جيلنا أيام زمان، لم ننتظر المستحيل..لا طلبات ترهق الآباء والأمهات ، لا كذب.. ولا تضليل ، وحده عالم الطفل والبراءة والنقاء.

# وأروع ما في القرية أيام العيد وطوال الأعوام ، أن الأهل يشعرون بإحساس واحد، لا مبالغة ..أو مفاخرة .
ودور الأهل في قريتنا مفتوحة للصغار والكبار ..، الكل يعيش أسرة واحدة وكبيرة…تتسم حياتها بالتضامن والالفة والمحبة .. تتشارك في المسرات والباساء والضراء.. حزنها واحد.. وفرحها واحد..حدث ذات سنة، أقبل عيد ألاضحى المبارك، وكان تاريخه قريبا من وفاة (11) طفلا وطفلة أفتقدهم القرية، بسبب مرض الحصبة ..أو القرحد لم أعد أتذكر.، يومها أصر الآباء على أن يرتدي أطفالهم ملابس العيد..فلماذا يحزن الأطفال..؟ فيكفي حزن الآباء والأمهات.. كان حزنا نبيلا وطيبا ومؤثرا، تحول إلى رحمة ومحبة.

#:وكان علينا نحن الأطفال بعد صلاة العيد أن نطوف دور القرية كلها ، نسلم على العمات والخالات..ويشدنا التصاقنا بالجدات أكثر.
و”كان عسب العيد “دعوة حانية تخرج من القلب ، تتمنى لنا حياة سعيدة، والنجاح في التعليم ، وبالتوفيق في حفظ القرآن الكريم.

#وأكثر ما كان يستوقفني في العيد..أن أرى بعض أهل قريتي في حال شجر بينهم خلاف ما حول قطعة أرض مثلا ، أسرعوا للتصالح والتسامح، وحل ما شكل بينهم بود واخاء قبل أن يحل الليل ..فالمودة بالنسبة لهم كانت جسرا للمحبة و”الصلح خير” ..يقولون.

وفي قلب ذاك المشهد..، كنا كأطفال نختلف أحيانا.. ونتشاجر على موقع في رأس شجرة البلس ..أو على خطأ في لعبة الحادي والقدة …الخ..لكن سرعان ما ننسى الخصام الطفولي ، لأن الود بيننا كان قائما على الدوام.

# تلكم بعض ذكريات الطفولة أيام زمان ، لا زالت صورها تتراقص أمامي كلما حل العيد. وكثيرا ما أسأل نفسي: ماذا تبقى لنا من قيم القرية الايجابية؟

عند هذه النقطةاتوقف،واضع القلم جانبا.. واكتفي
بترديد..ما قاله شاعرنا الفذ المتنبي :”عيد بأي حال عدت يا عيد”.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!