كتبت شطر القصيدة/ بقلم:ماهر باكيردلاش

قُلْ للأجداد: كتبت شطر القصيدة

فعلتُ ما بوسعي، وانهدمَ وسعي أمامي، كتبت شطر القصيدة، وعجزت عن عجزها.. لماذا أكتب إذن؟!

في طفولتي، تمنيت أن يخرج لي عفريت المصباح من قمقمه لأسأله عما قاله القدامى، كبرت وتوقف البحث، كانت كلها أكاذيب.. لأجد أن الأمنية العظمى ليست في القمقم.. لم تعط لنا تلكم الأيادي لكي تفرك مصباحا سحرياً لننام.. الأمنية العظمى أن تتحقق ذات الأمنية.. سأستيقظ حتى أبقى أحلم.. حتى أبقى أتمنى؟!

لأول مرة لا أعلم ماذا أكتب، حائر أمسيت لقد نفذت كلماتي، كأن كل شيء انتهى، مرحلة من فقدان الشغف عمت أرجائي.

في الوجهِ قصَائدٌ غفت طويلاً في مُخيلة شَاعر كانت أعظم بِكثير مِن أن تُكتب.. حين تقضي العمر تبحث عن وجهة وتكتشف أنك أنت الوجهة، يكون الطريق مثل قراءة قصيدة، حين تكتشف أنك أنت الوجهة، تصبح المسافة تقاس بالمشاعر والحنين إلى زمن مضى.. زمن القدامى!!

يزعجُنا أن الأشياءَ باختلافاتها تمتلكُ أحقيةَ الرفض، وأن ما نطرقهُ بأصابعنا رجاءَ أن يقبلنا ينفينا إلى حالٍ لا تعجبنا، إذن كيفَ أكون شاذًا عن القاعدَة المُمتلئةَ بأسماء القبول؟

كيف تطرحُنِي كل الأبوابَ بعيدًا، إلى معادلاتِ ناقصةَ، مرفوضة!

خضت تجربة بنظرة الضياع التي تكسو وجوههم، وكنت أبتسم لأن نظرة أكيدة مثل هذه قد ظهرت في وقت ما على عينيّ، أو كان دوران الكرة الأرضية في رأسي سبباً؟!

الوقوف بشيء من الندية في وجه العالم دون تدريب عملي وتجربة لعمري أشبه بالقفز من فوق مرتفع بحواف مثلمة وصخور ينتهي بواد سحيق لا قراد له. كانوا يرون في وقوفي أمامهم شيئا من الندية، فارق السنّ كان ضئيلاً آنذاك.. حسناً يمكنني رواية حكاية بتفاصيل مملة، ويمكنني لفت الانتباه لشيء هو شغفي، لكن ثقتي في ترك بصمة ما، التي وبعد سنوات سيأتي أحدهم أو إحداهن ويقول أو تقول: علمتني كيفية برمجة سلسلة من المعادلات والأفكار.. شكرا لك!

لم اتوصل لقناعة راسخة بعد سوى أن الكاتب بعد أن ينهي ما كتبه يرى نفسه ناقصة كلماته، أوّاهُ! الحكاية لم تكتملْ، كقصيدةٍ لم تُنظمِ!

إن السر ربما يكمن في عدم القدرة على قياس مخرجات الكتابة التي قمت بها ربما كان عقد اختبار ختامي أو استبانة جيدة تفيد كمقياس احتفظ به، لأقيّم نفسي.

لماذا ننظر دوما من زاوية ضيقة لنجد أنفسنا مسجونين داخل الجسد، بكل ألمه وتلفه البطيء، ونبقي أنفسنا مجبرين على الاختيار في كل مناسبة بين الاحباط والضجر، وعندما نهرب بصورة مؤقتة من ضغط رغبة لم تلبى، نجد أنفسنا واقعين في شرك مواقف تفشل في انصاف قدراتنا؟!

الشتاء، موسمي، وإغماض العين مدة طويلة للعيش في حلم جميل يعانق عنان السماء، لا كلمات ولا صور ولا ألوان، ويصبح صوت الحرف في المخيلة هو اللون والصورة والكلمة عندها قد تكتمل الحكاية!

دعونا نتشاطر الرأي ونتفق على صقل حواف الزمن المثلمة، لكن، ألا نحتاج أولا الى فك الأقدام من الأرض الثابتة، ثم التحليق في عالم أكثر واقعية للحياة ثانيا؟ ليتسنى لنا رؤية بهجة الحياة التي نعيشها!! حتى الآن، لا أزال أضع هذه الخطوة الحرجة في شك وريب.. ليس هذا لأني شجاع بشكل استثنائي، بل لأنه الطريق الوحيد..

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!