( لماذا تركت أخاك وحيدا )/ بقلم:خالد عبد الوهاب

منذ نصف قرن او يزيد
وانت ذلك الفتى النحيل الذي كننه،
تسير مثقل الخطى وبطنك نصف مﻵنة ،
بل ، قل إنها نصف خاوية..
وعلى كتفك بقايا من حقيبة ممزقة..
وحذاءك القديم مازالت تطل من أمامه أصابعك..
تشير نحو الزاوية..
واﻷرض من أمامك سفينة من الغبار
والبيوت من وراءك مسكونة باﻷسرار
وكانها بقايا من شموع او بخار
وجيبك مليء باﻷصفار..
وامك من وراء سجنها المرير،
ما زالت تراقب أميرها الصغير
وأذنها ملصوقة على الجدار..
فا أكبادها مازالت على أﻷرض تسير،
ففي أي ساعة هنا قد يطلف النفير..
والشارع القديم مازال يضج باﻷصوات وألاصرار
وذات ساعة عاد لها أميرها الصغير،
وقد تورمت عيناه من الدموع..
وبيده المرتجفة كانت شريحة من البصل..
فشعرت بأن قلبها يكاد يقفز من بين ضلوعها..
وانه لم يعد يقوى على الرجوع
ووجهها صار علامة إستفهام ؟!
فاوما لها بيده نحو النافذة،
فكانت سحابة من الدخان تغطي حتى المائدة.

منذ نصف قرن أو يزيد..
وأنت ذلك الفتى النحيل الذي كنته،
ينام كل ليلة في المساء مستلقيا على الجبا..
وعيناه الحالمتان تبحران في السما..
تراقب اﻷفلاك والنجوم..
وتنفش أحلامه الكبيرة، على مواكب من السحاب..
وتقرا الطالع لﻷهل والجيران واﻷصحاب..
وتمخر ألبحار والثغور على مراكب من الضباب..
وصوت “نادية”1 ، يأتيك من بعيدوكأنه أذان..
نادية فراشة تحلق بك فوق عالم من الضياء،
وعطرها حديقة تضوع الزمان والمكان بسحرها من الغناء..
وكانها اسطورة من الحنان
وانت تحت جناحها كطائر صغير
فوق غصن البان.

منذ نصف قرن أو يزيد..
وأنت ذلك الفتى النحيل ألذي كنته،
وعيناك كانت تبرقان مثل نجمتين..
في ذلك الليل البهيم..
وكأنها سحابة تهيم في السديم
واحلامك التي وشيتها بالشعر والزيتون..
ضاعت وكانها بقايا من أفيون،
وبلادك التي البستها من شعرك قلائد من الجمان …
ورسمتها بين جوانحك كوردة من الدهان..
بلادك التي كانت تشع في السماء مثل جوهرة
ونحن في متونها نعيش كأمة مدمرة..
بلادك التي ياما من خبزها اكلت،
ومن ماءءها ياما قد شربت وأرتويت..
وابحرت في أصدافها بين كل شارع وبيت..
ومن نفق إلى نفق..
ففي نهايته يصفعك الظلام من جديد..
بلادك يا أيها الفتى النحيل الذي يوما كنته..
صارت اليوم،
مذبوحة من الوريد للوريد ؟!.

هامش:-
تحكي القصيدة جانب من طفولة الفتى خالد في ستينيات
القرن المنصرم .
1-نادية: هي الفنانة الجميلة نادية عبدالله مقبل نعمان الذبحاني التي كانت تسكن قبالة منزلنا في شارع تونس
بالشيخ عثمان أنذاك.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!